01-مايو-2024
النرجس

زهرة النرجس أو البليري

عندما تراها من بعيد، فكأنها قطعة متحركة تطغى بلونها الأصفر على كل الأراضي الخضراء المترامية في الجبال والهضاب، ارتبطت زهور " البَلِّيرِي" أو " النرجس" بالربيع، لونها وشكلها يشبه الشمس ورائحتها الطيبة تحرر النفوس من حالة الضيق إلى البهجة، ومن شعور الحزن إلى الفرح، بينما هي في عيون البعض علامة عن انتهاء زمن قساوة الشتاء.

ارتبط فصل الربيع في عديد المدن الجزائرية بزهرة" البليري" لأنها حسب البعض تشعر الإنسان بالسكنية والراحة والسعادة أيضا

قرص الشمس

نبات "البليري" أو "النرجس" جنس نباتي يتبع الفصيلة النرجسية يضم ما بين 50 و100 نوع منها "العَبْهَر" أو "القَهْد" أو "الفَغْو" أو "الفاغِيَة"، إذ تنمو من بصلة شتوية مبكرة معمرة. الموطن الأصلي لمعظم أنواع النرجس أواسط آسيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، ومنها انتقل إلى الأمريكيتين بواسطة المستعمرين الأوائل.

هي ليست ككل الورود والأزهار، تنافس الأقحوان والبنفسج وغيرها من الزهور، بلونها الأصفر المرتبط بالشمس التي تضيء القلب، ورائحتها الطيبة التي تنافس كل الورود التي نراها دائما، وتباع في الأسواق والمحلات الخاصة ببيع الزهور في المدن.

ارتبط فصل الربيع في عديد المدن الجزائرية بزهرة" البليري"، بل "لغة الورود غير منطوقة"، لأنها -حسب البعض- تشعر الإنسان بالسكنية والراحة والسعادة أيضا.

وحول ذلك، كتبت الأديبة سليمة ملزي عن"البليري" فتقول:" عندما تزهر البليري في منطقتنا بـ"بني عزيز" بولاية "سطيف" شرق الجزائر، فإنها تتربع على عرش الطبيعية، فهي الزهرة البرية التي تظهر مع فصل الربيع، لكنها أحيانا تنبت مع الثلج، فهي تؤذن لسكان بعض المناطق الجزائرية بالشروع بالاحتفال بقدوم فصل البهجة.

تضيف الكاتبة ملزي بأن من عادات منطقتها أن يكون الاحتفال بالربيع رمزيا، أو كما يطلق عليه في عادات المنطقة بـ"شَاوْ الرّبيع" أو "جاء الربيع"، فلقد ظلت هذه الوردة رفيقة العائلات وخاصة النساء للاحتفالات بالموسم الجديد الذي يطل بين الجبال بوروده المختلفة ويتحدى موسم البرد والثلج والأمطار.

اهتمام الجزائريين بالاحتفال بالربيع من خلال هذه الوردة، وبطرق أخرى، هو عنوان لفرحتهم بموسم يفتح قلوبهم، ويخرجهم للطبيعية، تحظى به العائلات خاصة تلك التي تقطن المناطق الجبلية والقرى. 

ابتسامة الطبيعة

"في أرضنا، تعتبر ورود البليري عنوانا للربيع، فهي التي تزهر في منطقة "جبل عقاب" بمنطقة " العثمانية" شرق الجزائر، لتصنع صورة جميلة، وتدخل البهجة والفرحة في وجوه العائلات وإشراقة شمسها في موسم الربيع. 

يقول عمار ذو الـ29 ربيعا لـ"الترا جزائر" بأنه يرى في اللون الأصفر الذي يحوز على نسبة كبيرة من لون وردة "البلِّيري" أو " النرجس" عنوانا للمحبة والفأل الحسن والرائحة العطرة، مع ذلك البياض الخفيف، وغصنها الأخضر الفاتح، فهي ألوان تطغى على الأراضي رغم قلته مقارنة مع خضرة الأرض، أما " في مخيلتي لا تنتهي أيام الربيع إلا إذا اختفت البليري من تلك الأراضي المترامية الأطراف في سفوح الجبال.

لقد تعود عمار، على هذه الأزهارفي أرض أجداده، كما تعودت معظم العائلات التي تقطن المناطق الجبلية عليها، فهي جزء من حياتهم، وتحمل رمزية ارتبطت بثقافة الفرح وطقوس الاحتفال أيضا، إذ تعود أيضا على أنه يقطفها ليجعل منها باقات صغيرة تضم كل باقة أكثر من عشرين غصنا ويربطها بورق العنصل، ثم يبيعها في السوق المحلي للمدينة.

قصة محمد مع الأرض وما تجود به عليه وعلى أهله من خيرات موسمية، قصة طويلة، إذ ودع مقاعد الدراسة وهو في عمر الثانية عشر، إذ تبعد المدرسة عن بيت عائلته بـ42 كيلومترا، " أعيش من الفلاحة ورعي الأغنام أبا عن جد، بينما بيع أغصان البليري، يعتبر مجرد هواية أعشقها وأبيعها مع بيع الخضر التي أغرسها بيدي.. فلكل موسم ومردوده".

ويشرح بأنه يستحسن زراعة البليري في التربة الجافة في شهر آب/ أغسطس إلى غاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، وفي بيئة خفيفة الشمس حتى تعطي أزهارها، خاصة وأن الكثيرين ممن يحترفون تقطير الورود يستخرجون من " البليري" زيتا عطريا يستخدم لصناعة العطور.

"النوّار للنوّار "

في الكثير من المناطق الجزائرية، عندما تحاول النّساء وصف وجه فتاة جميلة وهادئة يقال إنها:" تشبه "البَلِّيري" أو زهرة " النرجس"، وجه يعلوه النور وبشرة بيضاء لامعة وهدوء يغلفه الحياء.

كما أن الكثيرات يتسابقون لشراء باقة من هذه الورود اعتقاداً منهن بالفأل الحسن واسترداد حلاوة الروح، على حدّ تعبير نسيمة لزعر، تلك الفتاة التي لا يخلو مكتبها من هذه الورود، فكل يوم تشتري باقة تكون ملفوفة بأوراق نبتة العنصل، حتى ترافقها طوال يومها أثناء العمل واستقبال المرضى. 

تقول السيدة لزعر لـ" الترا جزائر" بأنها تقتني هذه الورود من إحدى النساء التي تبيع الخبز التقليدي، بمحاذاة سوق المدينة وسط "ميلة" شرق الجزائر، فقبل دخولها مقر عملها في منطقة "سيدي مروان" التي تبعد عن مقر الولاية بـ 23 كيلومترا، ترافقها تلك الباقة.

في الكثير من المناطق الجزائرية، عندما تحاول النّساء وصف وجه فتاة جميلة وهادئة يقال إنها:" تشبه "البَلِّيري" أو زهرة " النرجس"، وجه يعلوه النور وبشرة بيضاء لامعة وهدوء يغلفه الحياء

تعودت على الجملة الشهيرة التي ترددها تلك المرأة:" النوار للنوار"، كلمتين خفيفتين على الروح كثيرا ما تجذب بهن الفتيات، خاصة وأن رائحته تسعد النفس وتفتح القلب.

بلغة الحب، كثيرا ما كانت " البليري" لغة العشق بين المحبين غير المنطوقة، فرغم سعرها الزهيد مقارنة بالورود العادية، تقول (سارة . م) لـ" الترا جزائر" باقة البليري التي يصل سعرها إلى 100 دينار جزائري أي تقريبا نصف دولار، يمكنها أن تصنع الفرحة والامتنان والشكر من الفتاة للشاب أكثر ما تصنعه باقة ورود مشكلة من خمسة زهرات سعرها يتجاوز الـ500 دينار جزائري ما يعادل أكثر من دولارين ونصف".

لغة الحب

من بين أجمل الورود والأزهار التي يمكن أن يقدمها الرجل للمرأة، تعبيرا لها عن حبه، أو أن تقدمها البنت لوالدتها أو لوالدها أو الصديقة لصديقتها، لتعميق العلاقات فيما بينهم جميعا، هي عنوان الحب لدى الجزائريين، لأن " البساطة قمة الأناقة" كما يقول البعض، لأن "البليري وروداً أنيقة برائحة زكية وجميلة جدا".

في لغة الورود فإن لونها الأصفر دليل على الاحترام والصداقة في العلاقات، وبين الفل والياسمين والأقحوان والبنفسج والزئبق، تبقى " البليري" تتربع على عرش تغير ألوان الشتاء من الرمادي إلى الأصفر، فهي الوردة التي تهب الطمأنينة، وتعطي جرعة من السعادة، خاصة بالنسبة للأمهات.

تفرح الأمهات كثيرا بـ" باقة البليري" كهدية، كما تقول فاطمة غريسي من ولاية "جيجل" شرق البلاد، موضحة لـ " الترا جزائر" بأن هذه الورود ترتبط بذكريات طفولتها، حيث تضعها في مزهرية في البيت للاستمتاع برائحتها التي تهدئ النفس والأعصاب أيضا.