دخل طبق البوراك أو البريك عالم منصّات التواصل الاجتماعي في الجزائر من بابه الواسع في بدايات شهر رمضان، إذ أثارَت حِكَاية "البُورَاكَة الضَّخْمة" التي صنعها أحد الحرفيين في منطقة عنابة شرق الجزائر فُضُول الصَّائمين في هذا الشهر، خاصة وأنها أهم الأكلات الشعبية تزين مائدة الإفطار في الجزائر.
في مدنية عنابة الساحلية التي تشتهر بمختلف صنوف "البريك" بإمكان الزبون أن يحضر حبات البوراك بنفسه في مطعم البائع
ألحّ روَّاد منصّات التّواصل الاجتماعي على متابعة عملية تحضير "البوراكة الضخمة"، على المباشر عبر السُّوشيل ميديا، غير أنهم اختلفوا حول مبادرة صاحب المحل، إن كان غرضها الترويج للأكلات التقليدية، أم استعراض شعبي ومبالف
جديد علاقة قديمة
بوراكة كبيرة الحجم هي لفتة أو لقطة لجلب مشاهدات كبيرة، في نظر البعض وجلب الاهتمام والنظر في أحد محلات مدينة عنابة المعروفة جدًا بفنون وصنوف المأكولات في شهر رمضان، وباتت هذه الخرجة حديث العام والخاصّ.
أصرّ البعض على نقل الصور والفيديوهات، إذ استغرق طهوها أكثر من ساعة لتصبح "زينة مائدة الإفطار في شهر رمضان جاهزة"، ثم تعرض للبيع بالمزاد العلني، بل وصل شعرها أخيرًا إلى 12 ألف دينار جزائري أي ما يعادل 60 يورو للحبة الواحدة.
لكن المثير للانتباه، أنه في هذه المدنية الساحلية، التي تشتهر بمختلف صنوف " البريك" بإمكان الزبون أن يصنع حبات هذا الطبق بنفسه، ويحشوه بما يشاء بكلّ ما لذّ وطاب من البصل واللحم المفروم والجبن والبيض ويقوم بوضعه بنفسه في المِقلاة وينتظِره حتى يصبح جاهزًا، وهي عملية لقيت استحسان الكثيرين.
أكبر بوراكة 🇩🇿 عنابة 🇩🇿 👇👇👇 قالوا تباعت بمليون 🙄
Posted by جزائري و فحل on Friday, April 8, 2022
الزبون هو الملك، كما قال رياض بن مهني لـ"الترا جزائر" فتحضير طبق البوراك من قبل الزبائن يجعلهم في قمة السعادة أولًا وأخذه للبيت جاهزاً قبيل آذان الإفطار ثانيًا، كمساهمة من الرجال في مساعدة النساء".
احتفاء بالبوراك
تحتفي العائلات الجزائرية بطبق البوراك كل شهر رمضان، إذ لا يفارق الموائد، وتتنافس فيه النساء في طريقة التحضير خصوصًا ما تعلق بعجينة الحشو، فيما تعطيه بعض المناطق الجزائرية قيمة أكبر إن كان محشوًا باللحم المفروم أو السمك والتونة، بينما تجتهد بعض المناطق في وصفه بـ"بنة المائدة" دونه لا يمكن أن يكون للإفطار نكهة.
فكرة " البوراكة العظيمة" فكرة مبدعة في فن الطبخ الجزائري الخاص بمنطقة جوهرة الشّرق الجزائري مدينة"بونة الجميلة" بحسب أستاذة الإعلام والاتصال فاطمة الزهراء بولدروع، التي أفادت أن هذه الفكرة تشبه فكرة طبق الكسكسي العملاق أو الپايلا العملاقة التي تحضر خلال المهرجانات والتظاهرات في بلدان أخرى".
كما اعتبرت الأستاذة بولدروع أنها "تجسد مدى تمسك المجتمع بعاداته خلال الشهر الفضيل ورغبته في الإبداع والتّجديد خاصة وأنه تم اقتسام ثمنها على عدد من الزبائن ليأخذ كل واحد حصته منها، وذلك بنظرها تجسيد لمبدأ تعاون المجموعة".
على خلاف ذلك، فإنّ اهتمام الزبائن والمتفرِّجين وجمهور الفضاء الافتراضي بمشهد، إعداد الحرفي لأضخم بوراكة في العشر الأوائل من شهر رمضان، أمام دهشة الكثيرين وصدمتهم ممن يعتبرون أن السّعر المدفوع لأجل نيل رضى "البوراكة" هو الثمن نفسه الذي تدفعه العائلات المتوسطة الدّخل، في حال ما تتألّف من ستّة أفراد للتسوّق في سوق الخُضر ويكفِي لمدَّة أربعة أو خمسة أيام.
حكاية طبق
يعدّ الاهتمام بـ البوراك ليس وليد اليوم، بل هو نتيجة علاقة وطيدة بين الجزائريين، إذ يعدّ أهم من الأصناف المأكولات التي تحضرها النساء في الجزائر لتزيين مائدة طعام الإفطار، كما أنّه يعوّض الخبز في احتساء شربة الإفطار عند الكثيرين.
يعتبر البعض هذه الوجبة محلّ تنافس بين الجزائريين في طريقة الصّنع والإعداد ليكون حاضرًا في مائدة الإفطار، إذ يشبه إلى حدّ بعيد القاعدة التي لا يجب أن تنتهك طيلة شهر الصيام، لأن حضور طبق الشربة عروس مائدة الإفطار، يكون دائمًا مرفوقًا بإعداد البوراك.
صناعة البوراك أو " البريك" تحكي فترة زمنية تعود لعشرات العقود من الزمن وارتباطها برمضان له حكاية وحكايات.
تحرِص النّساء في الجزائر على إعداد طبق "البريك" الذي يزين مائدة الإفطار، بل هو الرقم الثّاني في قائمة المأكولات المعروفة في شهر رمضان بعد طبق الشوربة ودونه لا يمكن التعاطي مع أهم طبق في موائد الصائمين، إن لم نقل هو بهاء وجمال المائدة.
تحرِص النّساء في الجزائر على إعداد طبق "البريك"، الذي يزين مائدة الإفطار
للحديث عن تحضير البريك أو "البوراك" فإنه لا يختلف كثيرًا فيما بين المناطق الجزائرية، إذ يتمّ إعداده عن طريق تحضير العجينة لتصبح ورقات خفيفة جدًا، يتم حشوها باللحم المفروم وبالأجبان والزيتون وحتى البصل وبعضهم يحشونه بالبيض، إذ كلّ حسب قدرته.
#قادة_بن_عمار يعلق على أكبر بوراكة في عنابة التي احترقت وأكبر زلابية في جيجل.. "رجعونا كل حاجة أكبر أكبر" !! #حنا_في_رمضان
Posted by Echorouk News TV on Sunday, April 10, 2022
مُدلّل منذُ قُرون
يبدو أن البوراك هو أحد المقبّلات أو أول ما يفتح الشهية للصائمين، ومقدّمة من مقدّمات التّعاطي مع صنوف وأنواع الأكلات التي تحضّرها النساء في المطبخ الجزائري، وهو ما أكّده الأستاذ سعد الله بالقول إن البوراك " أكلة لفتح الشهية والانطلاق في الأكل بنَهَم".
تاريخيا، يكشف الباحث في التاريخ فوزي سعد الله في إفادته عن الموضوع أن ازدهار "البوارك في الجزائر" منذ الفترة العثمانية، إذ هو معروف بحضوره الدائم في مختلف المناطق دون استثناء، لافتًا إلى أنه " يُحتمَل جدًا أن انتشاره جاء مع العثمانيين الذين انضوتْ الجزائر تحت رايتهم في أعقاب سقوط غرناطة عام 1492".
ووصف الباحث "البوراك" بالمدلّل كغذاء وله تاريخ ضارب في العُمق، غير أنه ليس ملك لمنطقة أو بلد دون آخر، بل أصبح سفيرا عبر كل البلدان.
لا يهتم الجزائريون بمختلف أنواع المأكولات الشهية والأطباق المتنوعة التي لا تعدّ ولا تحصى بالقدر الذي يقدّرون فيه طعم المرافق لملكة الطعام في شهر رمضان، كما قال محمد الطاهر زياني لـ" الترا جزائر" مضيفا أن " البوراك" هو زينة المائدة ودونه لا يمكن هضم الشربة، بل هو التوأم الروحي لها، لمذاقهما اللذيذ-حسب تعبيره.
الملفت للإشارة، أن طَهي أكبر بُورَاكة في الجزائر" وسعرها الذي أذهل كثيرين، فسح المجال أيضًا للمنافسة من الحرفيين في مختلف المناطق، إذ أشهر أحد صناع حلويات رمضان " أكبر زلابية " بمنطقة جيجل شرقي العاصمة الجزائرية، وسعرها بلغ نصف سعر حبة "البريك"، أي 5 آلاف دينار ما يعادل 25 يورو وهو يعادل أيضًا سلة الخضر والفواكه والمؤونة التي توزّع اليوم على العائلات الفقيرة.