09-أبريل-2024

(تصوير: بلال بن سالم/Getty)

دخلت الانتخابات الرئاسية في الجزائر، مرحلة التحضيرات السياسية، التي تتميّز ببداية مناقشة موقفها تجاه الاستحقاقات، داخل مؤسّسات هذه الأحزاب، فضلًا عن التفاوض فيما بينها والنقاش حول التكتّلات والتحالفات، فهل سيعرف المشهد السياسي في الجزائر تشكيل تحالفاتٍ من أجل ترشيح أسماءٍ لخوض المنافسة الانتخابية على كرسيّ الرئاسة؟ وهل سيقود السباق الانتخابي نحو دعم مرشّح ٍأو بناءً تكتلات للتنسيق فيما بينها حول الحملة الانتخابية ومراقبة الانتخابات؟

الأستاذ فيلالي لـ"الترا جزائر " التحالف يسعى لتحقيق هدف تكتيكي أو استراتيجي داخل إطار برنامج مشترك يتوفر على الحد الأدنى من القواسم المشتركة للأحزاب المتحالفة

على خلاف الرئاسيات السابقة التي جرت في 12 كانون الأول/ديسمبر 2019، دعت السلطة إلى إجراء انتخابات رئاسية مسبقة لها ما يبرره من قبل السلطة، إذ تتجه الأحزاب السياسية إلى ترتيب بيتها، حيث باشرت فتح نقاشٍ داخليٍّ حيال الانتخابات المفترض إجراؤها في 7سبتمبر/ أيلول 2024، تحسبًا لإعلان مواقفها الرسمية بخصوص الانتخابات.

وفي انتظار الإعلان عن مشاركتها في الانتخابات، ثم الإعلان عن مرشّحيها للسباق الرئاسي، تبحث بعض الأحزاب عن تحالفات سياسية وانتخابية من شأنها أن تُنافس المرشّح المتوقّع، الرئيس عبد المجيد تبون، والذي سيلقى دعمًا من قِبَل طيف سياسي قوي.

تأطير العمل السياسي

في سياق الحديث عن المنافسة الانتخابية، تعتبر التحالفات في استحقاقات الرئاسة، أحد الأطر التي تلجأ إليها الأحزاب السياسية، في إطار التنسيق فيما بين حزبين أو أكثر قبل الانتخابات، من أجل تقديم مرشّح واحد للواجهة.

وفي هذا الإطار، يقول أستاذ العلوم السياسية والناشط السياسي في حزب "جبهة المستقبل"، كريم فيلالي إنّ التحالفات هي خطوة استراتيجية لأجل تحقيق أهداف مشتركة بين كيانات سياسية غالبا ما لا يستطيع حزب تحقيقها لوحده.

ويعتبر التحالف السياسي الخيار الذي يلجأ إليه أكثر من حزبٍ لخلق تكتّلٍ حزبي تؤطره أرضية توافقية بين أطراف المعادلة الحزبية، كما يضيف الأستاذ فيلالي في تصريح لـ"الترا جزائر "، بأن ذلك يسعى لتحقيق هدف تكتيكي أو استراتيجي داخل إطار برنامج مشترك يتوفر على الحد الأدنى من القواسم المشتركة للأحزاب المتحالفة.

وبالطبع يمكن رؤية تحالفات سياسية، حول غاية قريبة المدى مثل ترشيح شخصية للرئاسيات، أو بعيدة المدى في شكل تحالفات في الانتخابات البرلمانية من خلال اتفاق حول برنامج مع الاحتفاظ باستقلالية كل حزب، وسيدة أجهزته الداخلية، مثلما نشهده في تحالفات بين تيار واحد (ديمقراطي) أو (إسلامي) أو (وطني)، وتحالفات حول قضايا معينة كالتصدي المباشر والآني لبعض القرارات أو السلوكات التي تمسّ بعض أو كلّ مصالح البلاد العليا.

موقف أم تقوية الحضور؟

من الممكن تحقيق الأهداف السابقة، لكنها في الآن نفسه، تظل مبنية على تخمينات وقرارات استعجالية في خضم فترة خمسة أشهر المتبقية فقط قبل إجراء الاستحقاق الرئاسي.

وسبق لرئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، أن أعلن قبل أكثر من أسبوع، عن إمكانية تشكيل تحالف انتخابي، موضحًا أن الحركة " تسعى جاهدة مع شركاء الساحة الوطنية لإدارة التشاورات في بناء تحالفات انتخابية مهمة تنبني عليها مستقبلًا تحالفات استراتيجية قوية ومتجذرة نطمح إلى أن تشكل حزامًا وطنيًا في وجه التحديات والمخاطر".

وفي السياق نفسه، وتحسبًا للانتخابات الرئاسية، برز قبل أيام، تكتلٍّ ما يسمى "الاستقرار والإصلاح" الذي يضم كل من الأحزاب "التحالف الوطني الجمهوري"، وحزب "التجديد والتنمية" و"الاتحاد من أجل التجمع الوطني" و"الحزب الأخضر للتنمية" و"حركة الوطنية للعمال الجزائريين".

وقال بيان من الحزب أنه سيتم الإعلان رسميًا عن هذا التكتل بعد عيد الفطر، علاوة على الاتفاق باسم عذا التكتل الحزبي على اسم المرشح التوافقي للانتخابات الرئاسية المسبقة.

ومن المنتظر أيضًا، إعلان تحالف رئاسي آخر، يضم أحزاب ما يسمى بـ"الموالاة"، موقفها من الرئاسيات وقراراتها المتخذة تجاه ذلك، رغم أن مختلف المؤشّرات بحسب المراقبين، تتوقّع دعم أحزاب الموالاة وهي (جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، وتجمع أمل الجزائر، وجبهة المستقبل)، ترشيح الرئيس عبد المجيد تبون، خاصّة أن جبهة التحرير الوطني وجبهة المستقبل باشرا قبل أيام عملية التنسيق السياسي، في انتظار الإعلان عن قراراتهما حيال الاستحقاقات القادمة.

ائتلاف العهدة الخامسة (2018)

برزت التحالفات بشكلٍ لافت خلال العقدين الأخيرين، بالنظر إلى حالة البيئة السياسية في الجزائر، فقبل ستة أشهر من انتخابات أبريل/نيسان 2019، التي تأجّلت مرتين فيما بعد، أعلنت أربعة أحزاب موالية للسلطة آنذاك، عن تشكيل تحالفٍ عُرف إعلاميًا بـ "الحزام السياسي" لترتيب دعم ترشّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة.

وتشكل هذا الحزام، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وضمّ كل من جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحزب تجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية الجزائرية، فيما أزاح من طريقه مختلف الأحزاب التي دعمت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وقتذاك وعددها 15 حزبًا، وكانت طرفاً من أطراف ما وسم آنذاك بـ "الجبهة الوطنية الصلبة"، التي دعا إلى تشكيلها بوتفليقة في يوليو/ تموز 2018، ليعلن بذلك هذا التحالف في الثاني من شهر شباط/ فبراير / شباط 2019 ترشيح بوتفليقة رسميا للعهدة الخامسة.

تحالف السلم وتنفيذ برنامج (2004)

قبل هذا التاريخ، وفي فترة حكم الرئيس الراحل بوتفليقة، شهدت الساحة السياسية أيضًا، تجربة "التحالف الرئاسي"، بين الأحزاب في سنة 2004، حيث كانت تضم كل من "الأفلان" و"الأرندي" و"حمس"، ودعّمت ترشّح الرئيس عبد العزيز بتوفليقة لعهدة ثانية سنة 2004 وثالثة سنة 2009، لتستمر إلى غاية إقرار مجلس الشورى لحركة مجتمع السلم، الانسحاب من التحالف ومن دعم الرئيس بوتفليقة في نهاية سنة 2011، ورفضت المشاركة في الحكومة بعد الانتخابات التشريعية التي نُظّمت في حزيران/جوان 2012.

لكن الواضح، من هذه التجربة، أن بناء هذا التحالف تمّ على أسس وأهداف ظرفية، فرضتها ظروف المرحلة، وأن التحالف كان مبنيًا على عملية تقديرية، وفق ظروف كلّ انتخابات ومعطياتها.

ويبدو أن المنطق السياسي والديمقراطي يقتضي عقد مثل هذه التحالفات بناءً على نتائج الانتخابات، والأصل أنها تكون على الأفكار والبرامج، وتحمل المسؤولية السياسية المشتركة في الربح والخسارة في تسيير الشأن العام.

وخاضت حركة مجتمع السلم "تجربة سياسية وانتخابية ثرية في التحالفات، سواءً كانت مركزية مثل: التحالف الرئاسي، أو التحالفات المحلية في المجالس الشعبية البلدية والولائية، كما صرح نائب رئيس حركة مجتمع السلم، ناصر حمدادوش لـ"الترا جزائر"، قائلًا إنها "تجربة لها سلبياتها وإيجابياتها وإن العمل السياسي مبني على الاجتهاد والتقدير السياسي".

وأضاف أن عقد تحالفات انتخابية معمول به ديمقراطيًا، وهو مشهد سياسيٍّ مكرَّس في أعرق الديمقراطيات في العالم، إلا أن "الأصل في الأحزاب السياسية أنها تأسّست للتنافس على أساس الأفكار والبرامج والرجال، وذلك عبر الاحتكام إلى الإرادة الشعبية من أجل الوصول إلى الحكم، فهي ليست مجرد أجهزة أو دكاكين أو لجان مساندة، بل هي مؤسسات دستورية قائمة بذاتنا".

واعتبر القيادي في حركة " حمس" هذا "التنافس في إطار التعددية مظهرٌ من مظاهر الحياة الديمقراطية الطبيعية، يُفترض فيها المساهمة في البناء الديمقراطي والمؤسّساتي للدولة، وذلك جزءٌ من أخلقة الحياة السياسية والحزبية والانتخابية".

تحمل الأعباء في الربح والخسارة

وجب الإشارة إلى أن التحالف الرئاسي دعم الرئيس بوتفليقة في مشروعه الخاص بلم شمل الجزائريين وتنظيم استفتاء المصالحة الوطنية في 2005، ثم تعديلات الدستور في 2008، ثم الترشح للعهدة الثالثة في 2009، ودعمه في مسار تهدئة الشعبية عقب احتجاجات 5 كانون الثاني/ يناير 2011، ما سمي إعلاميًا باحتجاجات " الزيت والسكر" على خلفية ثورات الربيع العربي (2010-2011).

وأكد حمدادوش على أن تجربة التحالف الرئاسي، كانت له أسبابه ومبرراته وأهدافه، وقد يكون مطلوبًا وفق معطيات وظروف تلك المرحلة، وفي تقديرنا أنه تجاوز مبرراته منذ فتح العهدات الرئاسية سنة 2008، وكانت العهدة الثالثة والرابعة عبئًا سياسيًا كبيرًا على البلاد، ولذلك وقع تقييم جدي لذلك، وقرّرت الحركة فك الارتباط عن هذا التحالف الرئاسي في جانفي سنة 2012، وعدم المشاركة في الحكومة بعد تشريعيات أيّار/ماي 2012م.

بينما استمرت تحالفات الأحزاب السياسية في إطار بدائل، سميت وقتها بـ"قطب سياسي" يدعم الرئيس بوتفليقة في قراراته وخياراته السياسية قبيل انتخابات 2014، ثم دعمه في العهدة الخامسة، بالرغم من حالة القلق والتوجس في الشارع الجزائري بسبب مرض الرئيس وغيابه عن الساحة السياسية لسبع سنوات تقريبًا، لينتهي الرئيس سياسيًا بغليان الشارع وانطلاق مسيرات الـ22 فبراير/ شباط 2019، رفضًا لترشّحه لولاية خامسة.

يبدو أن المنطق السياسي والديمقراطي يقتضي عقد مثل هذه التحالفات بناءً على نتائج الانتخابات

وعلى الرغم من أن المشهد السياسي الحالي قد يوحي بأن الأمور قد حسمت بالنسبة لترشح الرئيس تبون وتوقعات باستكمال عهدته الثانية، لكن في المقابل فإن تجربة التحالفات السياسية، من شأنها أن تعيد صورة المرشح التوافقي، أو ترجيح كفة مرشّح السلطة، وكفة أخرى تحمل المرشحين المنافسين له، كما أنها محطة لإنتاج مشهدٍ سياسيٍ يمكنه أن يعرف حركة بعد سكون والفعل بدل رد الفعل، ويتهيأ إلى استحقاقات أخرى في علاقة بالانتخابات التشريعية والانتخابات المحلية.