13-فبراير-2024

(صورة أرشيفية/ تصوير: باتريك باز/أ.ف.ب)

أثارت تصريحات رئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، عن الانتخابات الرئاسية المقبلة العديد من التساؤلات، خاصّة ما تعلق منها بتجاوزه الحديث عن التنافس السياسي على الاستحقاقات المقبلة المنتظرة في نهاية عام 2024، وحديثه عن انتقال سلسل للسلطة في العام 2029، وهو ما يتزامن مع نهاية عهدة ثانية محتملة للرئيس عبد المجيد تبون.

قبل أشهر من الموعد الانتخابي طالبت عدة أحزاب جزائرية فتح المجال العمومي وتفعيل النشاط السياسي وعدم التضييق عليه

وقال المرشح الرئاسي في الانتخابات الأخيرة إن "الانتخابات الرئاسية المنتظر تنظيمها نهاية السنة الحالية هي أول انتخابات ستُجرى في كنف الهدوء والطمأنينة"، مشيرًا إلى أنها ستشهد ما وصفه بـ" غياب الاستقطاب وستمرّ على نار هادئة".

تلميحات رئيس الحركة المحسوبة على التيار الإسلامي في الجزائر، تفتح الباب أمام تأويلات أخرى، تضع المِسطرة الانتخابية في يد الإدارة والأحزاب الموالية للسلطة، بعدما شهدت رئاسيات 2019 الكثير من الجدل في ذلك الظرف السياسي المتقلب والأجواء المشحونة التي أعقب فَوْرَة الشعب في مسيرات غمرت الشوارع " حراك فبراير 2019"، على خلفية رفض استمرار الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة في الحكم لعهدة رئاسية خامسة.

تأتي فكرة دعم مرشّح للرئاسيات،من مرشّح سابق للرئاسيات، سبق وأن كان منافسًا للرئيس الحالي عبد المجيد تبون على الرئاسة قبل خمس سنوات، ويرجح أن يكون عدم إعلانه عن موقفه الصريح من المشاركة مرشحًا للرئاسة، مجرد وقت مستقطع لتقسيم الأدوار على الأحزاب السياسية، كما كان يحدث في استحقاقات سابقة.

وتأتي هذه القراءة، بناءً على أن اللعبة السياسية تقتضي أن تكون الأحزاب السياسية في مثل هذه الاستحقاقات الانتخابية، قد انطلقت في التحضير لتقديم مرشّحها، وقطعت أشواطًا في مهمة تمهيد الأرضية لدخول الرئاسيات، بعد أن تكون قد حسمت موقفها من مرشحها الرئاسي، وربما انطلقت أيضًا في نسج تحالفات مع بقية الأحزاب الأخرى فيما يشبه حملة انتخابية مسبقة، تكون قيد المتابعة من طرف وسائل الإعلام والمحللين السياسيين.

فكرة مرشح المعارضة فشلت بدورها مثلما أعلن عنها الناشط السياسي عبد الكريم زغيلش، والتي أطلقت من طرف عدد من النشطاء لاختيارر مرشح توافقي للمعارضة بمناسبة رئاسيات 2024، حيث قال قبل أيام قليلة إن هذه الفكرة مرّ عليها سنتان، ولكن "للأسف هذه الفكرة فشلت، مثل ما فشلت فكرة تنظيم الحراك للأسباب نفسها".

الناشط قال إن هذا المشروع كان سيسمح للمعارضة الحقيقية أن تبرهن للجزائريين أنها تستطيع أن تكون البديل

وذكر زغيلش الذي برز اسمه في فترة الحراك الشعبي في تدوينة له على فيسبوك أنه قد مرّت سنتان على طرح فكرة مشروع المرشح التوافقي لرئاسيات 2024 بحد أدنى من النقاط يسمح للمعارضة أن تلتفّ حوله.

جيل الثورة وجيل الاستقلال

الحديث عن هذا الانتقال أو التداول على السلطة من جيل الثورة إلى جيل الاستقلال، يطلق عدة إشارات أولها أن الرئيس تبون سيترشح مرة أخرى للرئاسيات، وثانيها أنه سيكون مدعومًا من حركة البناء الوطني، أو بالأحرى أن رئيس الحركة أعلنها ضمنيًا بأنها يمكن أن تدعم الرئيس تبون، أما الإشارة الثالثة فهي دعوة غير صريحة للأحزاب المحسوبة على جهاز الموالاة إلى الالتفاف حول الرئيس تبون والمضي نحو تأسيس تحالف رئاسي قوي يناشد تبون على المضي قدما نحو استكمال عهدة ثانية.

بالنسبة لترشح الرئيس تبون لعهدة ثانية، في نظر متابعين للشأن السياسي في البلاد، يبدو واضحًا أيضًا، إذ يعتقد الباحث في مجال علم الاجتماع السياسي فريد عجال أن تصريحات الرئيس الأخيرة أمام نواب البرلمان أو خطابه أم نواب البرلمان يعد "بيان كشف منجزاته خلال العهدة الأولى، وهو ما ترك الباب،حسب محدث " الترا جزائر" مواربًا نحو استكمال المشاريع والبنى التحتية والمضي نحو استكمال المخططات الكبرى.

وأضاف الأستاذ عجال بأن اللقاءات الثنائية التي جمعت الرئيس تبون بعدد من قيادات الأحزاب في مقر الرئاسة، دليل أيضًا على محاولته لجس النبض مع الطبقة السياسية، إذ تمخضت عن تلك اللقاءات عدة مشاورات تتعلق بالوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الداخلي للبلاد ومناقشة مختلف التحديات اتي تواجه الجزائر في محيطها جغرافي والإقليمي المتحرّك، وضرورة تقوية الجبهة الداخلية، ما يستدعي تجميع القوة السياسية في البلاد لمواصلة "مرحلة البناء والتشييد"، كما يوحي بفتح باب الرئاسة للمشاورات مع الأحزاب دون قيد أو شرط.

وبالعودة لتصريحات بن قرينة، يعتقد أن تسليم المشعل من رئيس مخضرم لا يحمل الرئيس تبون خلفية عسكرية إلى جيل الاستقلال في 2029، مؤشر آخر على أن قرار الترشح والإسناد من عدة حساسيات سيكون في صالح الرئيس تبون للبقاء على هرم السلطة. 

التحالف ثمّ المُجَايلة 

إلى ما بعد الخمس سنوات القادمة، بادرت حركة البناء من خلال الرسائل الضمنية التي أعلن عنها بن قرينة، للدفع بتشكيل "تحالف" مع أحزاب موالية للسلطة لتقديم مرشحها الواحد، أو " طيف سياسي حزبي" يكون سندًا للرئيس الحالي عبد المجيد تبون، وعلى الأرجح أنها ستكون ثلاث أو أربع أحزاب ستدعمه لاستكمال مشروعه الانتخابي المؤلف من 54 بندًا أعلن عنها خلال حملته الانتخابية في العام 2019. 

هذا "التحالف" وإن تحقّق فعليا على الأرض، من شأنه أن يضع الأحزاب السياسية الأخرى أمام تحدي إغلاق اللعبة السياسية من الآن، وضرورة تنظيم نفسها لمواجهة حقيقية أو منافسة المرشح المدعوم من "جدار الاستمرارية". 

في ضوء ما سبق ذكره، وبالعودة تاريخيًا إلى "العقدة" التي صنعها التاريخ في الجزائر، بين جيلين: جيل الثورة وجيل الاستقلال، ستنفك برأي المحلل السياسي عبد الله بجاوي (أستاذ جامعي)، إذ يبدو أن العلاقة بين الجيلين ستنتهي بـ"مُجايلة سياسية" وتسليم السلطة من قبل الرئيس تبون في 2029، خصوصًا وأن الجزائر تعرف عدة أجيال: جيل الثورة، جيل الاستقلال، وجيل ما بعد الأزمة الأمنية (فترة التسعينيات)، وهي أجيال لها منتجها التاريخي والسياسي.

وقال بجاوي لـ" الترا جزائر" إن جميعها يحتاج إلى حبل ربط وحلقة وصل وخطوط انسجام، لأن الضرورة التاريخية تتطلب التعايش بين هذه الأجيال التي لا يمكننا فصلها. 

استقطاب و استمرار الغلق 

غياب الاستقطاب السياسي في الانتخابات المقبلة حدّ تعبير بن قرينة، إشارة أخرى على أن الاستحقاقات ستكون في كفة مرشح الرئاسة، إذ يتوقع متابعون للشأن السياسي في البلاد إلى أن " الهدوء الحزبي في الساحة السياسية الجزائرية، والاهتمام الأكبر بالشأن الخارجي، سيجعل المساحات الكبرى في يد الرئيس تبون للمواصلة والترشح لعهدة ثانية، خاصة وأن الطبقة السياسية في الجزائر ما زالت تحصد تداعيات الحراك الشعبي بعد أن ضاقت بها سبل النضال الفعلي في الميدان. 

في هذا المنحى، وقبل أشهر من الموعد الانتخابي، طالبت العديد من الأحزاب الجزائرية فتح المجال العمومي وتفعيل النشاط السياسي وعدم التضييق عليه، لافتة إلى "حالة الإغلاق التي تتخبط فيها الفعاليات السياسية والأحزاب بمختلف مشاربها الإيديولوجية، خاصة منها على المستوى الإعلامي، وتغليب رأي واحد في المؤسسات الإعلامية بمختلف ملكيتها العمومية والخاصّة، وتغليب الرأي الواحد ووجهة النظر الواحدة عندما يتعلق الأمر بالقضايا الأساسية التي تهم المواطن".

وحول ذلك، طالب رئيس حركة مجتمع السلم، عبد العالي حساني شريف، بـ" فتح المجال أمام تنافس الأفكار والبرامج والمشاريع حتى يتمكن الشعب الجزائري من استرجاع الثقة، واستبعاد كل الإكراهات القائمة".

ووصف حساني شريف في لقاء تلفزيوني بأن الانغلاق سيبقي على حالة الضبابية التي تشهدها الساحة السياسية، فيما يدعو إلى عودة النقاشات السياسية. في هذا الإطار، يرفض بيان المجلس الوطني لحزب "جيل جديد" الإبقاء على " التهميش المستمر وغير المثمر للحياة السياسية وإعدام النقاشات الوطنية التي لم تعد موجودة في الواقع".

كما حذّر  المتحدث السلطة من الإغلاق السياسي، لأن "تعزيز ونجاح الجبهة الداخلية يتم عبر تقبّل السلطات السياسية النقاش الحر وتحمل المسؤولية من جانب مختلف الأطراف بضمير كامل".

مخاوف

بدت الأحزاب السياسية الجزائرية في حالة إطلاق السرعة القصوى لأجل تهيئة الظروف والمناخ المناسب لفتح ملف العمل السياسي قبل غضون أشهر من الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي دافع عنه حزب التحالف الجمهوري الذي طالب بتجهيز الظروف للمرور نحو العمل السياسي تحسبًا للاستحقاقات.

وقال بيان الحزب بأن إنجاح الموعد الانتخابي المقبل، مرهون "برفع التضييق على العمل الحزبي وفتح الفضاء الإعلامي، بما يسمح بإبراز الرأي والرأي الآخر، والدعوة إلى نقاش من أجل تمكين المواطنين من ممارسة سيادتهم الشعبية وحقّهم الدستوري في اختيار أعلى سلطة في البلاد".

ويبدو أن المناخ السياسي في الجزائر غير مواتٍ للفعل الحزبي والسياسي والنضالي، إذ شددت الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، في السياق ذاته، على "تعزيز مجال الحرّيات العامة، وفتح المنابر الإعلامية للنقاش السياسي الحر، وبخاصة وسائل الاعلام العمومية لتشجيع المنابر المستقلة على ذلك".

يبدو أن المناخ السياسي في الجزائر غير مواتٍ للفعل الحزبي والسياسي والنضالي

السؤال الأكثر إلحاحًا في هذه الفترة، يتعلق أساسًا بمدى تجميع القوى السياسية في الجزائر لقدراتها بالدفع نحو اتخاذ خطوة لدفع السلطة السياسية في البلاد نحو رفع القيد عن الفعل السياسي والإعلامي.