06-فبراير-2024
(الصورة: فيسبوك)

(الصورة: الترا جزائر)

تطرح موجة تجديد سياسي على رأس عدد من الأحزاب السياسية الناشطة في الساحة الجزائرية، عدة أسئلة تتعلق بالسنة السياسية الحالية المرتبطة بانتخابات الرئاسة في نهاية 2024، فهل هي تغييرات لضخّ دماءِ جديدة في المكوّنات السياسية في الجزائر؟ أم هي وسيلة للدفع بتغيير منهج التعاطي مع الأحداث وطريقة التسيير في بيت كل حزبٍ سياسيٍ؟ أم أن عهد الزعامات التي تشكّلت خلال العقود الأخيرة بدأ يتبدّد أمام تيار تشبيب الفعل السياسي في البلاد؟

ظلت لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال تتزعم حزبها منذ 35 عامًا منذ إقرار التعددية السياسية في الجزائر سنة 1989

خلال الأسابيع الأخيرة، عرفت عدة أحزاب موالية للسلطة تحولات على رأس هرم القيادة، إذ شهدت "جبهة التحرير الوطني" أكبر أحزاب الموالاة، تغييرًا في قيادتها، ونُصّب عبد الكريم بن مبارك أمينًا عامًا جديدًا للحزب العتيد لعهدة خمس سنوات، بالإجماع في أعمال المؤتمر الـ 11 للجبهة، خلفًا لأبو الفضل بعجي بعدما قرّر الأخير عدم الترشّح مجدّدًا للمنصب.

كما أن ثاني حزب في دائرة أحزاب السّلطة، طرأ عليه تغيير مسّ رأس القيادة أيضًا، إذ "طلب" الأمين العام للتجمّع الوطني الديمقراطي الطيب زيتوني منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي الإعفاء من منصبه، وهو الذي يتقلّد حاليًا منصب وزير التجارة، رغم أن عهدته القيادية الأردني" تنتهي العام المقبل (2020- 2025)، وعليه تم انتخاب مصطفى ياحي أمينًا عامًا للحزب إلى غاية انعقاد المؤتمر خلال السنة القادمة.

في المضمار نفسه، صنعت "جبهة المستقبل" ثالث الأحزاب المحسوبة أيضًا على الموالاة، الحدث بالتغيير على رأس القيادة أيضًا، وتزحزح عبد العزيز بلعيد عن رئاسة الحزب، الذي تأسّس من رحم جبهة التحرير الوطني بعد انشقاقات مسّت بيت "الأفلان" خلال سنة 2012، وبذلك تنحّى بلعيد عن قيادة الحزب بعد 12 سنة كاملة من الزعامة.

كان يبدو أن رحيل عبد العزيز بلعيد من على رأس الحزب، لم يكن وفق رغبته، بل جاء بعد عدّة أزمات شهدها الحزب، حيث ارتفعت أصوات تطالب برحيله، ويبدو أن المكاتب الولائية لحزب "جبهة المستقبل" وبعد نشرها بيانات في توقيت واحد، تطالبه بمبدأ التداول على السلطة، قرّر بلعيد الانسحاب بهدوء معلنًا أنّه لن يترشّح مجددًا هو الآخر على طريقة بعجي.

وخَلَف بلعيد (مرشّح سابق للرئاسيات) رئيس الكتلة النيابية فاتح بوطبيق، ليكون بذلك الرئيس الجديد، وينتهي معها فصلٌ من فصول زعامة بلعيد للحزب وخروجه من الواجهة على الأقل خلال هذه المرحلة التي تتسم بأنها انتخابية بامتياز، خاصّة وأنه تحدث قبل ذلك عن ترشّحه للرئاسيات المقرّرة نهاية السنة الجارية.

وفور تنصيب فاتح بوطبيق، أعلن في خطابه مواصلة دعم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في إشارة إلى رئاسيات السنة الجارية، وهو ما يؤكّد استمرار ممارسات سياسية سابقة، تُكرّس "تعددية حزبية صورية"، مبدأها وجود واجهة حزبية متعدد، لكنها جميعًا تدعم السلطة ومرشّحها، وتهاجم كل أشكال المعارضة.

في مقابل وجود أحزاب مساندة للسلطة، تغييرٌ آخر شهده أحد الأحزاب المحسوبة على المعارضة، إذ التزمت حركة مجتمع السلم بنتائج الصندوق في انتخابات داخلية لتجديد القيادة، إذ تم انتخاب عبد العالي حساني خلفًا لعبد الرزاق مقري.

نهاية مرحلة 

هذه التغييرات على رأس القيادات الحزبية، تعكِس عدة مؤشّرات للمرحلة القادمة، إذ استبعد أستاذ العلوم السياسية كريم بوقطاية أن يكون لتغيير رأس القيادة الحزبية  مرده إعادة خلق ديناميكية وحركية داخل الأحزاب، ودفعها للعودة إلى النشاط الميداني، خاصّة وأن الجزائر تعرف خلال السنوات الأخيرة نوعًا من الفُتور في العمل السياسي وركود في النشاطات.

وبحكم المرحلة الحالية، يعتقد الأستاذ بوقطاية أن ما تعيشه الطبقة السياسية في الجزائر هو عبارة عن إعادة رسكلة القديم بوجوه جديدة، خصوصًا وأن فكرة الزعامات مازالت طاغية على العمل السياسي أو ما يسمى بحزب القيادة الواحدة، واستبعاد بعض الأشخاص أو الأسماء التي تردَّد صوتها كثيرا قبل 2010، وارتباطها الوثيق بمرحلة سابقة، أي قبل العهدة الأولى للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.

وأضاف محدّث "الترا جزائر" بأن الفعل السياسي في الجزائر بات مرتبطًا أساسًا بانعقاد مؤتمر أو التحضير للانتخابات، من ناحية، أي أنه يتعلق بمناسبة كبرى، خصوصًا بالنسبة للأحزاب التي تسير في فلك السلطة.

وهذا ما يضع العمل السياسي للأحزاب السياسية في ركود عام، لافتًا من ناحية أخرى إلى أن تأثير السلطة على القيادات الحزبية بات واضحا خصوصًا وأن المرحلة القادمة هي انتخابية مع بدء العمل لتحضير الرئاسيات مع توقّعات ترشّح الرئيس تبون لعهدة رئاسية ثانية واستمراره في الحكم.

قمة هرم الحزب

على خلاف ذلك، يبدو أن الوجوه التي غادرت هرم القيادة الحزبية في الأحزاب السياسية المذكورة سابقًا، كان وجوها مرتبطة بمرحلة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، رغم أنها أبدت توافقًا شبه تام مع السياسة الحالية للرئيس تبون وزكّت مشروعه السياسي وبرنامجه خلال العهدة الأولى.

السؤال الذي يطرح مجددًا، هل تغيير القيادة الحزبية تعني بالضرورة تجديد الفعل السياسي والتخلّص من "الزعامة"؟

يعتقد الباحث الإعلامي محمد كرار من جامعة الجزائر بأن فكرة الزعامة السياسية في الجزائر صارت من الماضي، من حيث الشكل أو من حيث تمظهرها كفكرة وكفعل منذ غياب فكرة القائد مثل زعامات شهدتها جبهة التحرير الوطني (الأفلان)في حقبة الراحل عبد الحميد مهري والرئيس الشرفي للجبهة عبد العزيز بوتفليقة وقيادة الشيخ محفوظ نحناح ثم أبو جرة سلطاني على رأس حركة مجتمع السلم، وقيادة سعيد سعدي على رأس تجمع الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي) وقيادة الراحل حسين آيت احمد عل رأس جبهة القوى الاشتراكية (الأفافاس)، وقيادة أحمد أويحي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي (الأرندي).

وتظلّ لويزة حنون النموذج الأوحد حاليًا على رأس حزب العمال، إذ يشير محدث "الترا جزائر" إلى أن التداول على السلطة داخل الأحزاب في نظر البعض مؤشّر سلبي على أن "الحزب يعرف أزمة داخلية ولا يعرف الاستقرار"، بالرغم من أن عدم التداول على القيادة من شأنه أن يُدخِل الحزب في مرحلة جمود، وذلك ما يعرّضه للضعف في تقديم مقترحات والتجديد داخل هياكله.

وأشار كرّار إلى أن عدم وضوح إجراءات التداول داخل الحزب أيضًا قد يؤدي إلى المعارضة وتفريغه من المناضلين والدفع بهم للانخراط في أحزاب أخرى أو تشكيل أحزاب موازية.

يشار أن لويزة حنون، ظلت تتزعم حزب العمال منذ 35 عامًا منذ إقرار التعددية السياسية في الجزائر سنة 1989، ولم يسبق أن نافسها مرشّح آخر على قيادة هذا الحزب، إذ دائمًا ما تترشح بمفردها ويتم تزكيتها من طرف المندوبين إلى المؤتمر، ويتم تنصيبها بطريقة شكلية، وحتى مع دخولها السجن سنة 2019 ومحاكمتها في المحكمة العسكرية بتهمة "التآمر"، ورغم محاولة الاستحواذ على منصبها من طرف أعضاء مكتبها إلا أنهم لم ينجحوا في ذلك.

بالمحصلة، تظلّ فكرة الزعامة مرجعية سياسية يحتكم إليها المناضلون، ولكن ضعف التداول يؤدّي إلى الأزمات وإضعاف الأحزاب من الداخل، عكس التداول الذي يمكن أن يؤدّي إلى تقوية الحزب واستمراره.

مناخ سياسي

وبالموازاة مع ما سبق، يطرح الكثيرون فكرة الالتزام بالتداول المنتظم من حيث المدّة، والتشاور والمشاركة بما يخدم الحزب.

من زاوية أخرى، تحدّث الدكتور فريد مشقّق لـ"الترا جزائر"، أن تغيير القيادات الحزبية علامة صحية للأحزاب السياسية وصورة عن تغييرات داخلية في تشكيلها وتكوينها ورسم خارطة تسيير جديدة تواكب المرحلة الحالية.

الدكتور فريد مشقّق لـ"الترا جزائر": بروز قيادات شابة على رأس الأحزاب السياسية يعتبر مرآة عاكسة للظروف السياسية

في مقابل ذلك، فإن بروز قيادات شابة أو ما يمكن وصفه بـ"ضخ دماء جديدة" على رأس الأحزاب السياسية، يعتبر أيضًا مرآة عاكسة للظروف السياسية المحيطة بتلك الكيانات، كما يؤكد مشقق، لأنها تتأثر كثيرًا بمرحلة مفصلية في تاريخ الجزائر السياسي عقب الحراك الشعبي والذي أفرز عدة تبعات يجعل من السلطة الحالية الدفع نحو إيجاد أرضية سياسية متوازنة لمواصلة مرحلة البناء والتنمية.