سياسة

منع التمجيد والتقديس..الإعلام الجزائري والسلوكات القديمة

27 مارس 2023
GettyImages-1246327422.jpg
دار الصحافة الطاهر جاووت بالجزائر العاصمة (الصورة:Getty)
عبد الحفيظ سجال
عبد الحفيظ سجالصحفي من الجزائر

أصدر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في اجتماع مجلس الوزراء الأخيرة أوامر للحكومة بالكفّ عن استعمال عبارات "التملّق" لشخصه وربط  كلّ نشاط بمنصبه على وسائل الإعلام، وهي رسالة تعيد إلى الأذهان خطابه بعد توليه مقاليد الحكم حين طلب قبل ثلاث سنوات بإسقاط لقب "فخامة" عن الوصف الذي يسبق كلمة رئيس الجمهورية.

دعوة الرئيس للتخلص من لغة التمجيد والتقديس إعلاميًا ليست سوى رغبة في التخلص من سلوكات فترة الرئيس السابق

الرسالة الأخيرة عن تبون في مجلس الوزراء، جاء فيها دعوته إلى "الامتناع النهائي عن الاستعمال المُبالغ فيه للعبارات السياسية النمطية التي تمجّد الشخصيات وتقدسّهم عبر أيّة وسيلة إعلامية، توحي بأن كل نشاط حكومي مهما كان نوعه، هو بتوجيه من السيد رئيس الجمهورية".

يُشار هنا، إلى أن التلفزيون العمومي ووكالة الأنباء الجزائرية، دائمًا ما تستبقان أخبارهما المتعلقة بنشاطات رئيس الجمهورية، بعبارة "تحت الرعاية السامية للرئيس"، و"تجسيدًا لبرنامج الرئيس وتوجيهاته" أو "بأمر من رئيس الجمهورية" بشكلٍ مكثف، حتى أن هذه العبارات تُدرج في عناونين التقارير الإخبارية وعناونين شريط الأخبار  خلال الزيارات الرسمية، وهو تقليد نقلته القنوات الإعلامية ووسائل الإعلام الخاصة عن المصادر الرسمية.

الملاحظات التي وجهها رئيس الجمهورية لوسائل إعلامية كثيرة،  القاضية بالتخلي عن التمجيد والإشادة للشخصيات والأشخاص، أمر لا يُلغي تراجع حرية التعبير في البلاد منذ وصوله الحكم، حسب متابعين، فقد شهدت فترة ملاحقة كثير من الصحافيين ممن خرجوا في فترة الحراك الشعبي، أو ممن عبّروا عن رأيهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ورغم أن القانون واضح في هذا المجال، ولا توجد عقوبة سالبة للحرية للصحافيين الجزائريين، إلا أن دخول بعضهم السجن بتهم مختلفة، يجعل من توجيهات الرئيس الأخيرة للصحافة أمرًا شكليًا فقط.

دعوة الرئيس للتخلص من مظاهر التمجيد والتقديس إعلاميًا، ليست سوى رغبة في التخلص من سلوكات فترة الرئيس السابق التي التصقت به، وهي اللغة التي اعتمدتها وسائل إعلامية طيلة عشريتين سابقتين، وإن كانت الرئاسة ترفض لغة المدح والمبالغة وربط الإنجازات بصورة الرئيس، فإن لغة الانتقاد السياسي منعدمة تمامًا في الصحافة الجزائرية.

ورغم تراجع  النشاط السياسي للأحزاب في عهد الرئيس تبون الذي جاء بعد حراك 22 شباط/فيفري 2019، إلا أن ما يوصف بـ"التملق" وربط كل عمل برئيس البلاد سلوك ما يزال ديدن كثير من المسؤولين من أعلاهم مرتبة إلى أصغر درجات التسيير في البلاد.

اهتم الرئيس تبون منذ توليه مقاليد السلطة بالعبارات التي تلصق باسمه،وحرص فور أدائه اليمين الدستوري على  الدعوة للكف عن إرفاق كلمة "الفخامة" بمنصبه و شخصه، رغم أن هذا الوصف مصاحب لمنصب عدد من رؤساء دول العالم، وقال الرئيس وقتها "اسحبوا كلمة الفخامة من كل وصف لرئيس الجمهورية بداية من اليوم"، داعيًا إلى استبدالها بعبارة "السيد" التي تستخدم لجميع المسؤولين.

وفي شهر 21 نيسان/أفريل 2020 ، أعلن الوزير المستشار للاتصال الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية السابق محند أوسعيد بلعيد أن الرئيس تبون أصدر تعليمة إلى جميع مسؤولي الدوائر الوزارية ومؤسسات الدولة، بالكف عن استخدام عبارة "بتوجيهات وبتعليمات من رئيس الجمهورية".

وأضاف الراحل بلعيد إن "الذي أمر بسحب لقب الفخامة يوم تنصيبه، لم يطلب التقديس والتمجيد إنما طلب من الجميع أن يكونوا سندًا قويًا له حينما قال في مراسم تأدية القسم: ساعدوني وشجعوني إذا أصبت وقوموني وصوبوني إذا جانبت الصواب، لا مكان في الجزائر الجديدة لعبادة الشخصية، ذلك أمر ولّى إلى غير رجعة".

وإن التزم مختلف المسؤولين والأحزاب في البلاد بالتخلي عن لقب "الفخامة"، إلا أن اغلبهم بما فيهم أعضاء من الحكومة لم يستطيعوا التخلي عن عبارة "بتوجيهات وتعليمات الرئيس"، وهو الخطاب الذي يزداد رواجا من خلال الحرص على تداوله في البيانات والتصريحات التي تقدم لوسائل الإعلام سواء الحكومية أو الخاصة.

وفي اجتماع الوزراء المنعقد الأسبوع الماضي، شدد تبون من جديد على ضرورة "الامتناع النهائي عن الاستعمال المُبالغ فيه، للعبارات السياسية النمطية التي تمجد الشخصيات وتقدسهم، عبر أي وسيلة إعلامية، توحي بأن كل نشاط حكومي مهما كان نوعه، هو بتوجيه من السيد رئيس الجمهورية".

تركة وتشريع

من جهته، أوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأغواط البروفيسور علي بقشيش لـ"الترا جزائر"، أن هذه السلوكيات ارتبطت بالأساس بفترة الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة، حيث كان الولاء للرئيس برنامجًا سياسيًا.

وأضاف بقشيش أن الأمر مرتبط أيضًا بالثقافة السياسية السائدة في المجتمع ومستوى الطبقة السياسية التي تمارس العمل الحزبي، حيث يربط أستاذ العلوم السياسية سلوك التملق  للرئيس ونسب كل الإنجازات إليه بـ"طبيعة النظام السياسي في الجزائر الذي بني على محورية شخصية رئيس الجمهورية في البناء المؤسساتي الدستوري، حيث أنه في رأي الكثيرين أنه فوق كل المؤسسات، والسلطات الأخرى التشريعية أو تنفيذية  تابعة له، وتعبر عن إرادته وتوجهاته، لأنه هو من يرسم السياسية الداخلية والسياسة الخارجية ويبادر بتبني السياسات والخطط".

وتابع أن رئيس الجمهورية في الدستور الجزائري هو من يمتلك سلطة التعيين والعزل في كل مفاصل الدولة، مما يجعل كل المسؤولين يسعون إلى تبني أطروحاته وسياسته كنوع من الولاء المطاف للمحافظة على المناصب والمزايا.

تقاليد سابقة

رغم الرفض العلني الذي عبر عنه الرئيس تبون لسوكات يعتبر أن زمنها قد ولى، إلا أن  القيام بها لا يزال يتكرّر، وهو ما يربطه البروفيسور علي بقشيش باستمرار الأشخاص نفسهم في مناصب المسؤولية ذاتها، مع تبادل للأدوار فقط، ولكن رغم ذلك، يعتبر بقشيش أن إلحاح إدارة الرئيس تبون على التخلّص من سلوكيات "التملق والانبطاح" للمسؤول الأعلى درجة قد تكون بداية للتغيير، مبينًا أن "الأمراض السلوكية لا تتغير بين عشية وضحاها، لذلك وجب معالجتها بتشريعات صارمة، حيث يمكن إصدار قانون يعاقب المسؤولين الذين يقومون بهذا النوع من الخطاب والسلوك بالعزل أو التنزيل في الرتب".

يبقى التخلص من هذه السلوكات أو تقليلها مرتبط بمدى توفير هامش للحرية والنقد السياسي للسلطة

وفي الحقيقة، يبقى التخلص من هذه السلوكات أو تقليلها مرتبط بمدى توفير هامش للحرية والنقد السياسي للسلطة، كي لا يكون خطاب الإشادة والتثمين بأداء الرئيس والحكومة الغالب في الساحة السياسية والاعلامية، وأن تكون الكفاءة هي أساس التوظيف والتعيين في المناصب الحكومية سواءً على مستوى الحكومة أو على المستوى المحلي في الولاية والدائرة، وهو الأساس الذي يجب أن يعتمد بالمؤسسات الاقتصادية والتعليمية، لأن عدم تكرار ما حدث بجامعتي الجلفة وباتنة يقتضي اليوم اعتماد الحكومة منطق الكفاءة والأهلية في التوظيف في جميع المجالات بعيدًا عن الولاءات الحزبية والجهوية والعشائرية.

 

الكلمات المفتاحية

 الزبير بن بردي

حوار| الزبير بن بردي: فلسطين كانت في صلب اهتمام الجزائريين حتى خلال فترة نضالهم ضد الاحتلال الفرنسي

ما يزال هول الإبادة الجماعية المستمرة التي يتعرض إليها فلسطين منذ أكثر من عام ونصف يشد انتباه الجزائريين، وبالخصوص الأكاديميين المتخصصين الذين لاحظوا أوجه تشابه كثيرة بين نضال الشعب الفلسطيني وحركة التحرر الجزائرية، لذلك ازدادت المؤلفات التي تتناول قضية العرب الأولى خلال هذه الفترة، ولعل آخرها كتاب ""قضية فلسطين في كتابات أحمد توفيق المدني والفضيل الورتلاني" لمؤلفه الدكتور الزبير…


عبد الرزاق مقري.jpg

على خلفية تعيين عسلاوي وزكريا بلخير.. سجال سياسي وأيديولوجي بين مقري والأرسيدي

اندلع سجال سياسي وأيديولوجي حاد في الجزائر، بين حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، المعروف بتوجهه العلماني، وبين الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، بعد تعيين نائب إسلامي على رأس لجنة التربية في البرلمان.


السفير الفرنسي الأسبق لدى الولايات المتحدة و"إسرائيل"، جيرار أرو

سفير فرنسا السابق في "إسرائيل" يردد أطروحات استعمارية حول تاريخ الجزائر.. وحسني عبيدي يرد عليه

أعاد السفير الفرنسي الأسبق لدى الولايات المتحدة و"إسرائيل"، جيرار أرو، ترديد أطروحات اليمين الفرنسي المتعلقة بتاريخ الجزائر، في موقف أثار ردود فعل مستنكرة بالنظر لتاريخ هذا الدبلوماسي المثير للجدل.


زكريا بلخير

الأرسيدي يهاجم تعيين نائب إسلامي على رأس لجنة التربية.. هل عاد الصراع الأيديولوجي على المدرسة؟

وصف التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، تعيين نائب إسلامي على رأس لجنة التربية في البرلمان بأنه "إهانة لروح الجمهورية"، داعيا للوقوف في وجه هذا "الانحراف الخطير".

بوضياف
راصد

محمد بوضياف.. رئيس يرفض أن يرحل من ذاكرة الجزائريين

في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين، لا يزال الرئيس الراحل محمد بوضياف يثير مشاعر الحنين والأسى لدى الجزائريين، الذين يتذكرونه كأحد أكثر الشخصيات السياسية التي جمعت بين التاريخ الثوري والرغبة في إصلاح الدولة.

علي ذراع
أخبار

وفاة الصحفي علي ذراع بعد صراع مع المرض

توفي مساء أمس الثلاثاء بالجزائر العاصمة الإعلامي علي ذراع عن عمر ناهز 78 سنة بعد صراع مع المرض، حسب ما أفاد به أقاربه.


حالة الطقس في الجزائر
أخبار

طقس الجزائر: حرّ شديد ورعد وضباب

توقعت مصالح الأرصاد الجوية، اليوم الأربعاء 16 تموز/جويلية 2025، تسجيل موجة حر وتساقط أمطار رعدية معتبرة محليا على عدة ولايات من الوطن.

الارسيدي
راصد

"الإسلاميون استحوذوا على مفاصل الدولة".. الأرسيدي يشعل مواقع التواصل وشخصيات من حمس تنتفض

أثار حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي) جدلاً واسعاً مجدداً في الساحة السياسية الجزائرية، بعدما أورد في لائحته الأخيرة، الصادرة عن المجلس الوطني، اتهامات مباشرة لما وصفه بـ"تيار الإسلام السياسي" بالاستحواذ على مفاصل الدولة والسعي لطمس أسس الهوية الوطنية.

الأكثر قراءة

1
أخبار

ممثل الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة: زوال الاحتلال الإسرائيلي "حتمية تاريخية"


2
أخبار

بطلب من الجزائر.. اجتماع طارئ لمجلس الأمن بشأن العدوان الإسرائيلي على سوريا


3
أخبار

طقس الجزائر.. درجات حرارة قياسية في 6 ولايات جنوبية


4
مجتمع

رفع سنوات تكوين الأساتذة..تحسين للمستوى أم تمطيط بلا جدوى؟


5
أخبار

الجزائر تدين العدوان الإسرائيلي على سوريا وتدعو مجلس الأمن لتحمّل مسؤولياته