27-مارس-2023
دار الصحافة الطاهر جاووت بالعاصمة (فيسبوك/الترا جزائر)

دار الصحافة الطاهر جاووت بالجزائر العاصمة (الصورة:Getty)

أصدر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في اجتماع مجلس الوزراء الأخيرة أوامر للحكومة بالكفّ عن استعمال عبارات "التملّق" لشخصه وربط  كلّ نشاط بمنصبه على وسائل الإعلام، وهي رسالة تعيد إلى الأذهان خطابه بعد توليه مقاليد الحكم حين طلب قبل ثلاث سنوات بإسقاط لقب "فخامة" عن الوصف الذي يسبق كلمة رئيس الجمهورية.

دعوة الرئيس للتخلص من لغة التمجيد والتقديس إعلاميًا ليست سوى رغبة في التخلص من سلوكات فترة الرئيس السابق

الرسالة الأخيرة عن تبون في مجلس الوزراء، جاء فيها دعوته إلى "الامتناع النهائي عن الاستعمال المُبالغ فيه للعبارات السياسية النمطية التي تمجّد الشخصيات وتقدسّهم عبر أيّة وسيلة إعلامية، توحي بأن كل نشاط حكومي مهما كان نوعه، هو بتوجيه من السيد رئيس الجمهورية".

يُشار هنا، إلى أن التلفزيون العمومي ووكالة الأنباء الجزائرية، دائمًا ما تستبقان أخبارهما المتعلقة بنشاطات رئيس الجمهورية، بعبارة "تحت الرعاية السامية للرئيس"، و"تجسيدًا لبرنامج الرئيس وتوجيهاته" أو "بأمر من رئيس الجمهورية" بشكلٍ مكثف، حتى أن هذه العبارات تُدرج في عناونين التقارير الإخبارية وعناونين شريط الأخبار  خلال الزيارات الرسمية، وهو تقليد نقلته القنوات الإعلامية ووسائل الإعلام الخاصة عن المصادر الرسمية.

الملاحظات التي وجهها رئيس الجمهورية لوسائل إعلامية كثيرة،  القاضية بالتخلي عن التمجيد والإشادة للشخصيات والأشخاص، أمر لا يُلغي تراجع حرية التعبير في البلاد منذ وصوله الحكم، حسب متابعين، فقد شهدت فترة ملاحقة كثير من الصحافيين ممن خرجوا في فترة الحراك الشعبي، أو ممن عبّروا عن رأيهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ورغم أن القانون واضح في هذا المجال، ولا توجد عقوبة سالبة للحرية للصحافيين الجزائريين، إلا أن دخول بعضهم السجن بتهم مختلفة، يجعل من توجيهات الرئيس الأخيرة للصحافة أمرًا شكليًا فقط.

دعوة الرئيس للتخلص من مظاهر التمجيد والتقديس إعلاميًا، ليست سوى رغبة في التخلص من سلوكات فترة الرئيس السابق التي التصقت به، وهي اللغة التي اعتمدتها وسائل إعلامية طيلة عشريتين سابقتين، وإن كانت الرئاسة ترفض لغة المدح والمبالغة وربط الإنجازات بصورة الرئيس، فإن لغة الانتقاد السياسي منعدمة تمامًا في الصحافة الجزائرية.

ورغم تراجع  النشاط السياسي للأحزاب في عهد الرئيس تبون الذي جاء بعد حراك 22 شباط/فيفري 2019، إلا أن ما يوصف بـ"التملق" وربط كل عمل برئيس البلاد سلوك ما يزال ديدن كثير من المسؤولين من أعلاهم مرتبة إلى أصغر درجات التسيير في البلاد.

اهتم الرئيس تبون منذ توليه مقاليد السلطة بالعبارات التي تلصق باسمه،وحرص فور أدائه اليمين الدستوري على  الدعوة للكف عن إرفاق كلمة "الفخامة" بمنصبه و شخصه، رغم أن هذا الوصف مصاحب لمنصب عدد من رؤساء دول العالم، وقال الرئيس وقتها "اسحبوا كلمة الفخامة من كل وصف لرئيس الجمهورية بداية من اليوم"، داعيًا إلى استبدالها بعبارة "السيد" التي تستخدم لجميع المسؤولين.

وفي شهر 21 نيسان/أفريل 2020 ، أعلن الوزير المستشار للاتصال الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية السابق محند أوسعيد بلعيد أن الرئيس تبون أصدر تعليمة إلى جميع مسؤولي الدوائر الوزارية ومؤسسات الدولة، بالكف عن استخدام عبارة "بتوجيهات وبتعليمات من رئيس الجمهورية".

وأضاف الراحل بلعيد إن "الذي أمر بسحب لقب الفخامة يوم تنصيبه، لم يطلب التقديس والتمجيد إنما طلب من الجميع أن يكونوا سندًا قويًا له حينما قال في مراسم تأدية القسم: ساعدوني وشجعوني إذا أصبت وقوموني وصوبوني إذا جانبت الصواب، لا مكان في الجزائر الجديدة لعبادة الشخصية، ذلك أمر ولّى إلى غير رجعة".

وإن التزم مختلف المسؤولين والأحزاب في البلاد بالتخلي عن لقب "الفخامة"، إلا أن اغلبهم بما فيهم أعضاء من الحكومة لم يستطيعوا التخلي عن عبارة "بتوجيهات وتعليمات الرئيس"، وهو الخطاب الذي يزداد رواجا من خلال الحرص على تداوله في البيانات والتصريحات التي تقدم لوسائل الإعلام سواء الحكومية أو الخاصة.

وفي اجتماع الوزراء المنعقد الأسبوع الماضي، شدد تبون من جديد على ضرورة "الامتناع النهائي عن الاستعمال المُبالغ فيه، للعبارات السياسية النمطية التي تمجد الشخصيات وتقدسهم، عبر أي وسيلة إعلامية، توحي بأن كل نشاط حكومي مهما كان نوعه، هو بتوجيه من السيد رئيس الجمهورية".

تركة وتشريع

من جهته، أوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأغواط البروفيسور علي بقشيش لـ"الترا جزائر"، أن هذه السلوكيات ارتبطت بالأساس بفترة الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة، حيث كان الولاء للرئيس برنامجًا سياسيًا.

وأضاف بقشيش أن الأمر مرتبط أيضًا بالثقافة السياسية السائدة في المجتمع ومستوى الطبقة السياسية التي تمارس العمل الحزبي، حيث يربط أستاذ العلوم السياسية سلوك التملق  للرئيس ونسب كل الإنجازات إليه بـ"طبيعة النظام السياسي في الجزائر الذي بني على محورية شخصية رئيس الجمهورية في البناء المؤسساتي الدستوري، حيث أنه في رأي الكثيرين أنه فوق كل المؤسسات، والسلطات الأخرى التشريعية أو تنفيذية  تابعة له، وتعبر عن إرادته وتوجهاته، لأنه هو من يرسم السياسية الداخلية والسياسة الخارجية ويبادر بتبني السياسات والخطط".

وتابع أن رئيس الجمهورية في الدستور الجزائري هو من يمتلك سلطة التعيين والعزل في كل مفاصل الدولة، مما يجعل كل المسؤولين يسعون إلى تبني أطروحاته وسياسته كنوع من الولاء المطاف للمحافظة على المناصب والمزايا.

تقاليد سابقة

رغم الرفض العلني الذي عبر عنه الرئيس تبون لسوكات يعتبر أن زمنها قد ولى، إلا أن  القيام بها لا يزال يتكرّر، وهو ما يربطه البروفيسور علي بقشيش باستمرار الأشخاص نفسهم في مناصب المسؤولية ذاتها، مع تبادل للأدوار فقط، ولكن رغم ذلك، يعتبر بقشيش أن إلحاح إدارة الرئيس تبون على التخلّص من سلوكيات "التملق والانبطاح" للمسؤول الأعلى درجة قد تكون بداية للتغيير، مبينًا أن "الأمراض السلوكية لا تتغير بين عشية وضحاها، لذلك وجب معالجتها بتشريعات صارمة، حيث يمكن إصدار قانون يعاقب المسؤولين الذين يقومون بهذا النوع من الخطاب والسلوك بالعزل أو التنزيل في الرتب".

يبقى التخلص من هذه السلوكات أو تقليلها مرتبط بمدى توفير هامش للحرية والنقد السياسي للسلطة

وفي الحقيقة، يبقى التخلص من هذه السلوكات أو تقليلها مرتبط بمدى توفير هامش للحرية والنقد السياسي للسلطة، كي لا يكون خطاب الإشادة والتثمين بأداء الرئيس والحكومة الغالب في الساحة السياسية والاعلامية، وأن تكون الكفاءة هي أساس التوظيف والتعيين في المناصب الحكومية سواءً على مستوى الحكومة أو على المستوى المحلي في الولاية والدائرة، وهو الأساس الذي يجب أن يعتمد بالمؤسسات الاقتصادية والتعليمية، لأن عدم تكرار ما حدث بجامعتي الجلفة وباتنة يقتضي اليوم اعتماد الحكومة منطق الكفاءة والأهلية في التوظيف في جميع المجالات بعيدًا عن الولاءات الحزبية والجهوية والعشائرية.