22-مايو-2022
مصورون جزائريون يحتجون أمام مقر وزارة الاتصال (تصوير: بلال بن سالم/أ.ف.ب)

مصورون جزائريون يحتجون أمام مقر وزارة الاتصال (تصوير: بلال بن سالم/أ.ف.ب)

شهدت الفترة الأخيرة منذ بداية الحراك الشعبي في الجزائر، اختفاء عدد من القنوات والجرائد والمواقع الإلكترونية، بعضها كان مملوكًا لرجال أعمال تورّطوا في قضايا فساد، وبعضها أعلن إفلاسه بسبب شّح موارد التمويل، وزُجّ بعدد من الصحافيين في السجن بتهم ابتعدت في مجملها على الممارسة الإعلامية.

رجال المال والأعمال استحوذوا على قطاع واسع من المؤسّسات الإعلامية خاصة في مجالي الصحافة المكتوبة والسمعي البصري

هنا، يجمع كثيرون من ممارسي مارسي مهنة الإعلام في الجزائر حول تراجع الحرّيات في الجزائر في الآونة الأخيرة، وظهور ضغوطات موازية لذلك، إذ بات السؤال المطروح اليوم: أي قوانين تسير الإعلام اليوم؟ وأية حرية يريدها الصحافيون أو تريد فرضها السلطة؟ 

لا يُمكن الحكم على واقع الممارسة المهنية في مجال الصحافة في الجزائر إلا من خلال محدّدات رئيسية جوهرية، أوّلها آليات الممارسة المهنية وقوانينها وهوامش الحرية في علاقة مع المنظومة السياسية، وعلاقة الإعلام بالمال، وما انجرّ عنه من تأثير صارخ على العمل الإعلامي.

ميدانيًا، يشتكي  الصحافيون من أوضاعهم الصعبة حسب ما يؤكده رياض هويلي مدير جريدة " أخبار الوطن" والأمين العام لنقابة ناشري الإعلام في الجزائر، معتبًرا أن وضعية القطاع عمومًا "هشة لأن معالجته وجب أن تتم في حلّ مشكلات مهنية بالدرجة الأولى والقوانين الناظمة للمهنة فضلاً عن البيئة الاقتصادية التي تشتغل فيها هذه الوسائل".

وبخصوص حرية الصحافة، كشف هويلي في حديث لـ"الترا جزائر" أن الحرّية تطرح هاهنا في إطار شامل يتعلق بهامش حريات التعبير داخل المجتمع، إذ لا يمكن تجزئتها بمعزل عنها.

ولفت إلى أن المسألة جوهرية في مسارات المجتمع وبناء الدولة، ضمن توليفة واحدة منها حرّية الصحافة وحريات الممارسة السياسية، مشيرا إلى أنه" لا يمكن أن يكون هناك نقاش حرّ في الإعلام في مقابل حالة الغلق أو الحجر عل النقاش السياسي، إذ بات الأخير – حسبه-غائبًا أو مغيّبًا.

ومن متطلبات الحرية  في القطاع الإعلامي؛ أضاف هويلي "توفّر بيئة اقتصادية من شأنها أن تؤدّي إلى استقلالي مالية للمؤسسات الإعلامية والصحافية، في إطار إصدار قوانين تنظم القطاع وتضمن هذه الحريات، مشيرًا إلى أن حالة الحرية في الإعلام في الجزائر نسبية أو مشروطة أو موجهة، ومازالت بعيدة عن هذه انتظارات المهنيين بسبب عدم استقلالية المؤسسات، على حدّ قوله.

الديمقراطية وحرية الصحافة

تكرّر النِّقاش في الجزائر في هذه المسائل، ويتجدد في مناسبات متعددة، خصوصًا توسيع فضاءات الحريات إمّا في هرم السلطة على لسان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أو وزير الاتصال أو الحكومة، أو في مناسبات الاحتفالات باليوم العالمي لحرية التعبير أو اليوم الوطني للصحافة في الجزائر، في المقابل فإن النقاش لم يؤت ثماره بعد، وذلك لعدّة أسباب تتعلق بالممارسة في الميدان والقوانين النّاظمة للمهنة التي تأخرّت كثيرًا في بيئة غلبت عليها التكنولوجية أو ما يسمى بالبيئة الرقمية.

من جهتها، ذهبت أستاذة الإعلام بجامعة عنابة حسينة بن الشيخ إلى أن تصف الحرية كممارسة هي معضلة الإعلام في الجزائر، إذ لا صحافة دون حرية ولا ديمقراطية دون حرية الصحافة، لافتة إلى أن " القوانين الناظمة للقطاع حبر على ورق إلى حين".

بحديثها عن القوانين تطرح أستاذة الإعلام في حديثها لـ" الترا جزائر" أن القوانين موجودة منذ التعددية السياسية والإعلامية أي منذ سنة 1990، وغيرها من القوانين التي جاءت لتنظم القطاع لكن في الواقع هناك تجاوزات لهذه القوانين من باب أخلاقيات المهنة وتكوين الصحافيين والتفريق بين المهنة والحرفة والوظيفة والمؤسسة وبين الصحفي المحترف والصحفي المواطن، والصحفي الإلكتروني.

وفي خِتام إفادتها قالت الأكاديمية، إن العمل الإعلامي هو متحرِّك بتحرك المحامل الإعلامية والوسائل الإعلامية التي تتحكّم فيها التكنولوجيا، إذ دخلت المؤسسات في تنافس حول "السّبق" ونقل المعلومات دون التحري منها وارتكاب عدّة تجاوزات منها التضليل والتزييف لبعض الحقائق، على حدّ قولها.

ثورة تكنولوجية

من الناحية الإجرائية، ترنُّح القوانين الناظمة للقطاع بات واضحًا، إذ طالب الرئيس تبون الحكومة بإعادة النظر في هذه القوانين، وأمرها بإصدار قانونين مختلفين لتنظيم القطاعين، يضمّ تعريفًا واضحًا للصحافي المحترف في مختلف المجالات التابعة للإعلام والصحافة.

ويفسرّ هذا القرار بإلغاء مسودّات عرضتها الحكومة على مجلس الوزراء برئاسة الرئيس تبون، بأن هناك تردّدًا واضحًا في تنظيم القطاع وصعوبة في إيجاد متن قانوني يهيكل القطاع ولكن على مقاس السلطة السياسية، بإدخال تعديلات وقراءات متجدّدة بحسب تجدد القطاع مع الثورة التكنولوجية التي فسحت الباب على مصراعيه لممارسة المهنة من الجميع.

خسارة  تجربة التسعينات

بالعودة إلى المكاسب التي حصلت عليها وسائل الإعلام الجزائرية خلال السنوات الماضية، أي بين مرحلة الأحادية الحزبية ومرحلة التعددية أي ما قبل 1990 وما بعدها، يعتقد ممارسون أن فضاء الحريات توسع كثيرًا إن قارنّا بين المرحلتين سالفتي الذكر، غير أن هناك مقياس آخر ينظر إليه الإعلاميون بعين الريبة والشكّ أن الحريات في حركة حلزونية وفي حركة مدّ وجزر أيضًا في علاقة مع  ضغوط السلطة غير الواضحة في غالب الأحيان،وتموقع رجال المال والأعمال الذين استحوذوا على قطاع واسع من المؤسّسات الإعلامية خاصة في مجالي الصحافة المكتوبة والسمعي البصري.

منذ اعتلاء الرئيس تبون الحكم في نهاية كانون الأول/ديسمبر 2019، ظلت القوانين الخاصة بالإعلام بين مدّ الحكومة وجزر مجلس الوزراء، رغم الوعود التي أطلقها الرئيس منذ ترشحه ثم بعد توليه السلطة بفتح المجال أمام المهنيين وتوسيع  فضاء الحريات، وهو ما يطرح السؤال أي إعلام تريده السّلطة؟

في انتظار الإفراج عن هذه القوانين، يتوضح جليًا كل يوم منذ الحراك الشعبي في شبّاط/فيفري 2019، أن الحكومة لم تجد التصور الكامل لتنظيم المهنة، ومطالبتها بإشراك المهنيين من الممارسين في حوار شامل حول ذلك، غير أن الملفت للملاحظة هو أن الواقع الإعلامي في الجزائر خسر الكثير من المكتسبات التي ضمنها في مرحلة التعدّدية الإعلامية ولو بنسبية بعيدًا عن الخلفيات الإيديولوجية والسياق السياسي لكلّ مرحلة.

بين الحقّ والواجب

مازال الصحفيون ينتظرون إصدار قانون الإعلام السمعي البصري، وقانون الصحافة الإلكترونية، وتوضيح واجبات وحقوق الصحافيين، أمام توالد للمؤسسات الإعلامية الشبكية إذ وصل عددها إلى 160 موقعًا إلكترونية مع أزيد من 30 قناة خاصة تشتغل بقانون أجنبي على أساس أنها مكاتب أجنبية تشتغل في المجال الجغرافي الجزائري.

30 قناة خاصة تشتغل بقانون أجنبي على أساس أنها مكاتب أجنبية تشتغل في المجال الجغرافي الجزائري

وفي مِضمار الواجب والحقّ، ذكر الصحفي علي بن جدو خليف ( رئيس تحرير جريدة الواحات اليوم)، أن الحرية الإعلامية لا تعني فقط حرية التعبير بل الحرية في الممارسة داخل المؤسسات الإعلامية التي "لا تضمن حقوق عمالها" لافتًا في إفادته لـ" الترا جزائر" أنه "في غياب القانون الإعلامي فالصحفي لم يتحرّر حتى داخل مؤسسته، إذ أن مطالبته بحقّ الأجرة وظروف العمل المواتية يعتبر جريمة يعاقب عليها ربّ المؤسسة بطرده دون أن يمكنه أن يحصل على حقوقه .