14-أغسطس-2022
(صورة أرشيفية/دان كيتوود/Getyy)

عاد الحديث مجدّدًا في الجزائر عن الجامعات الخاصة في الجزائر، إذ أثار إعلان عدد من الباحثين الجزائريين في الخارج لجامعة في مجال الأمن المعلوماتي حملت اسم "نوميديا للتكنولوجيا " بالعاصمة، من بينهم العالم الجزائري بلقاسم حبة، وهي أول جامعة خاصة من نوعها في البلاد حسب الإعلان، أسئلة كثيرة تتعلق أساسًا بحقيقة التكوين الجامعي الخاص في الجزائر، وهل تملك الجزائر فعلًا جامعات خاصة؟

يوجد في الجزائر مراكز تكوين عالية المستوى تقدّم شهادات توازي شهادات الليسانس أو مهندس الدولة فقط

كيف يمكن تدعيم هذا القطاع الخاص الذي سيكون مرافقًا للتكوين الجامعي العمومي، وهل سيسمح المجال أمام تخصصات كثيرًا ما تمارس في الخارج، مثل الذكاء الاصطناعي وتمكين العشرات من الولوج إلى عالم التكنولوجيا والعلوم الدقيقة وصقل الخبرة الجزائرية التي لازالت إلى وقت قريب ذخيرة متحركة في أيدي المؤسّسات العالمية؟

يعتقد الباحث في الاعلام الآلي بجامعة العلوم والتكنولوجيا بقسنطينة شرق الجزائر نورالدين سيدهم، أن الاستثمار في التخصّصات التكنولوجية نحو الذكاء الاصطناعي على وجه التحديد، "أمر لا مفرّ منه في الجزائر ونقل تجارب الجزائريين الموجودين في أرقى الجامعات العالمية"، خصوصًا أمام التطور التقني في العالم أجمع وتوجّه المئات من الشباب ومن الأدمغة نحو هذا القطاع، لافتا في تصريح لـ" الترا جزائر" أنه لا يمكننا أن نقف نتفرج في هذه التخصّصات التي باتت صناعة بأتم المعنى ونظلّ في رواق المستهلك فقط، ومن الدرجة الدنيا، أو نجعل منها في قادم السنوات حِكرا فقط على التكوين العمومي.

في هذا السياق، اعترف الباحث أنه واجه العديد من الصعوبات فيما تعلق بالوسائل والإمكانيات التي يستثمر فيها الطلبة دروسهم وابتكاراتهم في الجامعات الجزائرية، مشيرًا إلى أن التكنولوجيا المستوردة ثروة لكنها ليست بالقدر الذي يطمح له الخبراء الجزائريون في الخارج ولا تنسجم مع قدرات العشرات من الأدمغة من الطلبة الشباب، إذ "نحن أمام واقع سيفرض نفسه في هذا المجال وعلى تطوره أيضًا في السنوات المقبلة".

معاهد تكوين جامعي

وبالنّظر إلى التكوين الجامعي الخاص، يطرح البعض فكرة أن المراكز التي تقدم شهادات معترف بها من قِبَل وزارة التعليم العالي قليلة جدًا، إذ وجب الإشارة  هاهنا إلى أن المؤسّسة الجامعية المرتقب فتحها أمام الطلبة "معهد نوميديا للتكنولوجيا"، ليست هي الأولى من نوعها في الجزائر، إذ رصدت "الترا جزائر" عدة مؤسّسات تقدّم الدروس في المستوى الجامعي وهي: المعهد العالي للعلوم ببرج الكيفان شرق العاصمة الجزائرية، فضلًا عن "معهد فوتيريس" في ريادة الأعمال والتكنولوجيا بولاية سطيف شرق الجزائر، وجميع ما ذكر آنفًا حصل على الترخيص الرسمي من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ويسلم الشهادات في الماجستير لمختلف الطلبة وحتى الأجانب خاصة منهم من دول أفريقية.

وبذلك، كان لزامًا على هذه المؤسسات الجامعية أن تتكيّف مع قانون التعليم العالي في الجزائر وآليات تدريسه وطرق تطبيق مناهجه أيضًا، لكنها نموذج لا يمكن القياس عليه، لأنها ليست جامعات حسب ما هو متعارف عليه في سجلات ودفاتر شروط إنشاء الجامعات من حيث الكمّ في عدد التخصّصات والأقسام وهيئة التدريس.

الاختصاصات حجر الزّاوية

ميدانيًا، ما يوجد في الجزائر هو عبارة عن مراكز تكوين عالية المستوى – مستوى جامعي-تحصلت على اعتماد من وزارة التعليم العالي، ولكن في اختصاصات محدودة، وتحوز على رخصة تقديم شهادات توازي شهادات الليسانس أو مهندس الدولة فقط، إذ هي مرت بعدة مراحل حتى تمكنت من تقديم شهادات عليا معترف بها على مستوى مديرية التصديق على الشّهادات الجامعية بالوزارة الوصية.

 بالبحث عن مفهوم الجامعة الخاصة، يرى المختص في الإدارة وليد بوفناية (سبق وأن تقلد عدة مناصب في إدارة المشروعات التعليمية على مستوى مدينة عين طاية وباب الزوار بالعاصمة الجزائرية) أن الجزائر تحصي 17 معهدًا خاصًا يقترب إلى التكوين الجامعي، لكنها في الوقت نفسه لا تمثل جامعة خاصة من حيث تعدد الاختصاصات والكادر البيداغوجي والمناهج والخدمات المقدمة وأيضا مساحة المعاهد.

وقال بوفناية في تصريح لـ" الترا جزائر" إنّ أي مشروع لتأسيس جامعة هو مشروع استراتيجي طويل المدى، إذ يحتاج إلى التقيّد بشروط التّأسيس وأهمّها: أن يكون بمواصفات مأمولة إذ وجب الاستثمار في بناء المرافق الخاصة بها كجامعة وهذا يحتاج بدوره إلى أموال ضخمة وعلى مستوى مساحة وموقع استراتيجي.

وهنا طرح المتحدث سؤالًا جوهريًا من بإمكانه الاستثمار في مشروع جامعة خاصة بهذه المواصفات " العالمية" في المقابل ينتظر أيضًا الربح، خصوصًا وأن مثل هذه المشاريع تكون الأرباح بعد مدة طويلة قد تتجاوز العشر سنوات،وهنا يطرح سؤالًا جوهريًا ثانيًا: "هل المستثمر الجزائري بإمكانه أن يصبر على هذه المشاريع التي لا تدخل الأرباح إلا بعد عشرية أو أكثر من الزمن؟".

يتفق البعض على أن تأسيس الجامعات الخاصّة في الجزائر تتحكم فيه شروط، حددتها الحكومة منذ العام 2016 أهمّها أن تكون في جميع التخصصات ماعدا العلوم الطبيبة، وتسلمها رخصة بعد المرور على لجنة وزارية لتقييم المؤسّسة التعليمية وميدان تكوينها والخدمات المقدمة.

بنايات كبرى: أين الخلل؟

بحسب المواصفات فإن الجامعة وجب أن تضع التخصصات المعنية بالتكوين بالموازاة مع توفير الكادر التكويني، وهو ما يفسره البعض بأنها لن تكون موازية للجامعات العمومية التي تملك بنية تحتية مجهّزة بالمال العام، وهو ما يطرح سؤالًا جوهريًا: ماذا انتجت البنايات الجامعية الحكومية الكبرى؟

هناك من يرى أن بناء جامعة بمواصفات ملائمة، ضرب من "ضروب الجنون" في الجزائر، وهذا للتكلفة الباهظة لذلك، لكن في المقابل من ذلك، هناك من حمل شمعة لتضيء هذه العتمة، كما ذكر أستاذ علم الاجتماع عبد الله خلاصي في تصريح لـ" الترا جزائر" معتبرًا أن الأمر ليس سهلًا في البدايات ولكن هناك إمكانية باتمام هذه المشاريع وتخفيف العبء على الجامعات العمومية خصوصًا وإن عكف البعض على إخراجها من محيط العاصمة الجزائرية بسبب تهالك العقار والابتعاد عن سياسة تشييد معهد في فيلا أو في عمارة.

وأضاف خلاصي في حديثه أنه بإمكان توسيع الهياكل وتوسيع التخصصات أيضًا، وهو ما يكسب هذه الجامعات إقبالًا من قبل الطلبة، فالأمر أشبه بالقطاع الصحي الخاص الذي بات يتطور شيئًا فشيئًا.

يرى متتبعون أن شروط وتكلفة الاستثمار  تقف عائقًا أمام تأسيس جامعات خاصة بمعايير عالمية في الجزائر

في سياق مُنفصِل، يرى البعض أن التّعليم العالي العمومي سيظلّ المتحكّم والمسيطر في سوق التّكوين العلمي في الجزائر لسنوات أخرى، وذلك بالنّظر إلى نوعية التكوين الخاص، وهو ما يستدعي تأسيس جامعات خاصة بمضامين ذات جودة وتكوين عالي المستوى، هذا من جهة، فيما تقف الشروط وتكلفة الاستثمارات حاجزًا أمام تأسيس جامعات بمقاييس عالمية وتضمن الإبداع الفكري والنهوض بالطاقات البشرية الكامنة.