قبل أيام دعا بيان للحركة الطلابية الجزائري إلى تأسيس تكتل جديد وصف الأول من نوعه يتعلق بالتنظيمات الطلابية، بهدف "بعث روح المبادرة في الطلبة الجزائريين، من أجل أن ينظر إليهم كإطارات وقادة لمستقبل البلاد وتسهم في المقترحات وجميع القرارات بكل جدية في مختلف القضايا من أجل المساهمة في بناء الجزائر الجديدة"، فضلًا عن استعادة التنظيمات دورها و"إحراجها من الإقصاء للمساهمة في القرارات التي تتخذها البلاد".
استغلت بعض التنظيمات الطلابية في الانتخابات والاستحقاقات السياسية خاصة في فترة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة
تطور النقابات الطلابية أو التنظيمات الجامعية كان يتمظهر حسب السياقات التي عاشتها الجزائر، إذ ظهرت تاريخيًا منذ الفترة الاستعمارية، تحت غطاء ما كان يسمى " الاتحاد الوطني للتجمّعات الطلابية"، فترة الحرب العالمية الثانية، وهو الإطار والتكوين الثوري الذي تشكّلت تحت لواءه، إذ اختلفت في الخلفيات الإيديولوجية ولكنها اتفقت على المقاومة بشتى طرقها.
في تلك الفترة استقرّت مطالب النّقابيين الطلبة وقتها حول حقّ التعليم، ونبذ التجهيل الممارس في حقّ الجزائريين، خاصة في ظلّ الفوارق الاجتماعية في البلاد آنذاك، والفقر الذي كان من نصيب الجزائريين لسنوات طويلة، لكن" يكشِف أستاذ التاريخ الباحث من جامعة الجزائر عبد الله رحمون أن " الاتحاد الوطني للتجمعات الطلابية" كتكتل واحد كان جسرًا بين الاستعمار و (الأهالي الجزائريين) كما كان يصفهم المستعمر، وحلقة وصل وتواصل فيما بينهم".
قبل ذلك، شهدت الجزائر أول تنظيم طلابي فترة الاستعمار الفرنسي هو "جمعية الطلاّب المسلمين لشَمال أفريقيا"، في العام 1919، ثم توجت النضالات بتنظيم طلابي آخر ينشط في فرنسا "جمعية الطلاب المسلمين لشمال افريقيا بفرنسا " في سنة 1927، لتتحول الفكرة من الدفاع عن حقّ التعليم إلى التحرر.
في العام 1953، وقبل الثورة التحريرية بسنة واحدة برزت حركة طلابية وسمت وقتذاك بــ: "الاتحاد الوطني للطلبة المسلمين الجزائريين"، إذ استهدفت حسب محدّث " الترا جزائر" تجميع الطلبة الجزائريين في مختلف المناطق سواء من الداخل أو الخارج.
بعد الاستقلال ارتبطت العناصر الطلابية بالمشروع السياسي للسّلطة في 1962 واستهداف بناء الدولة، وكان لتنظيم " الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين" دور كبير في ذلك إذ كان الجناح الأساسي لحزب جبهة التحرير الوطني، وكان عمله واضحًا في التوعية التطوع عبر القرى والمداشر.
سياق جديد
ولدت التنظيمات الطلابية في الجزائر زمن التعددية السياسية والحزبية والإعلامية، على إُثر انتفاضة الخامس من تشرين الثاني/أكتوبر 1988، إذ تماهت مع الآداء النقابي والسياسي في الجزائر طيلة أكثر من ثلاثة عقود منذ تعديل الدستور في 1989، غير أنها لم تسلم من الزجّ بها في العديد من المواعيد السياسية فيما كان دورها النهوض بالجامعة والطلبة.
رغم أ ن القانون واضح في تشكيل التنظيمات الطلابية واعتمادها لتنشط في الساحة الجامعية، إلا أن هناك إشكالية تطرح دومًا في الممارسة في الميدان، إذ لاحظ البعض وجود انحراف في هذه الأخيرة، أي من حيث الممارسة، كما اعتبر المتبعون لشؤون النقابات الطلابية في الوسط الجامعي أنها حادت عن أهدافها الأساسية القائمة على تحقيق أهداف طلابية بحتة، نحو القيام بنشاطات تتقاطع مع الأحزاب بشكل مباشر أو غير مباشر.
يتحدث وسيم بن بتقة الطالب في سلك الماستر حقوق بجامعة الجزائر العضو في تنظيم " الاتحاد الطلابي الحرّ " أن أيّة حركة طلابية فهي مطلبية بالدرجة الأولى تستهدف إلى تحسين الظروف المادية والمعنوية للطالب من وسائل بيداغوجية لأجل الدراسة والسكن وظروف إقامة وخدمات النقل والإطعام.
ولفت بن بتقة لـ" الترا جزائر"، أن العمل الجمعوي في التنظيمات الطلابية يعتبر "تمرين للطلبة لممارسة الحياة الديمقراطية بمختلف أشكالها، وعلى سبيل المثال لا الحصر الترشح في المجالس الطلابية والهيئات الداخلية للكتل الطلابية، والانتخاب إضافة إلى المشاركة الطلابية في الحياة العامة".
مرحلة ما بعد الجامعة
ولا يختلف البعض من أعضاء الاتحادات الطلابية في الجامعات الجزائرية على هذه الأغراض والأهداف من وراء التنظيمات الطلابية وتشكيلاتها، إذ يتعلم الطالب المنخرط في كيفية تسيير مرحلة من مراحل حياته الجامعية من خلال حياة تشاركية.
وعلى هذا الأساس أكدت العضو في الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين سمية بن عودة، (طالبة علوم سياسية – سلك ماستر بجامعة وهران غرب الجزائر ) على أن انخراطها في هذا التنظيم " العريق" حدّ قولها يشكل تدريبًا أو تكوينًا للطالب للدفاع عن حقوقه، موضحة في تصريح لـ" الترا جزائر" أن العمل الفعلي تحت غطاء تنظيم طلابي يؤسس لمرحلة ما بعد الجامعة، بل "لحياة المشاركة في دواليب السياسة"، إذ يتعلم المنخرط " كيفية ممارسة الحياة الديمقراطية والمشاركة في القضايا العامة، عبر المشاركة في الانتخابات وحملة انتخابية واحترام إرادة النخابين من طلبة وقبول النتائج بمن سيمثل الطلبة".
بالعودة إلى الميدان، كثيرًا ما يطرح السؤال التالي: هل تهدف التشكيلات الطلابية إلى خدمة المصلحة العامة للطلبة؟ سؤال كثير ما يبقى محلّ استفهام من قبل الطلبة الجدد خاصة، ممن" ينبهرون" بعروض تفاصيل القوانين الأساسية للتنظيمات الطلابية ونشاطاتها في الجامعات، خاصة الإضرابات وما يسمع من هيمنة الطلبة المنخرطين على عديد القرارات التي تخرج من إدارة الجامعة.
"الكثير من الطلبة بحكم الأقدمية في الجامعة ينظُرون إلى هذه التنظيمات وكأنها مطية يعتليها أصحابها للوصول إلى أهداف مبطّنة ومخفية"، ما رأيك؟ "كلام فيه الكثير من الحقيقة" تردّ الطالبة بن بتقة، غير أنه في المجمل لا يوجد تنظيم طلابي يعلن عن أهدافه الكاملة حتى بين أعضائه، والمنتسبين إليه، مفسرة ذلك بقولها أنّه "على العُموم فأيّ تنظيم في الجامعة هو مدرسة " سياسية" سينتهي بالناشطين فيها إلى التأهيل لممارسة السياسة خصوصًا لمن يريد الاستمرار في المشاركة في التنمية الاجتماعية وتفعيل أداء المؤسسات".
عملة واحدة
من المفترض أن تسهم التنظيمات الطلابية في تكوين نخب اجتماعية وسياسية مؤهلة للقيادة وتحقيق طموحات عديد الفئات في المجتمع، إذ يعتبرها الكثيرون محضنة للتدريب على القيادة والدفاع عن الحقوق وأيضا تأطير الكوادر الشبابية، غير أن هناك مشكلات تواجهها مثلما ذكر الأستاذ الباحث في العلوم السياسية محمد غانس من جامعة وهران بـ "التجنيح الحزبي والانتماء السياسي الذي أدى إلى تفكّكها كجزر مستقلة لا يربط بينها إلا التواجد داخل الجامعة"، مشددًا على أن هذه التنظيمات باتت فرعًا مستترًا لبعض الأحزاب السياسية الناشطة، بل وتسيطر عليها وفق سياسات وتوجهات حزبية وأيديولوجية".
ويقصد بالتجنيح أنها ستكون أحد الأجنحة أو أطراف الكيانات السياسية الموجودة في الساحة والناشطة في البلاد، بينما تأخذ هذه المنظّمات حيّزًا في الفضاء الجامعي ،ذكر الباحث في إفادته الأكاديمية بأن هذه النظرة التي توصّل إليها من خلال الميدان البحثي الأكاديمي تلخصت في كون بعض التنظيمات تقوم بدعم برامج حزبية وحضور الفعاليات المنظمة من قبل التّشكيلات السياسية".
ومن خلال هذا المسار، يرى الباحث أن التنظيمات والأحزاب باتت "عملة واحدة بوجهين وبتسميات فقط"، إذ لاحظ استغلال بعضها في الانتخابات والاستحقاقات السياسية، وخير دليل دعم غالبية التنظيمات الطلابية للعهدة الثالثة للرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة في العام 2009، بمباركة ما سمي وقتذاك أحزاب التحالف الرئاسي، من أحزاب التيار الديمقراطي الوطني، في مقابل استناد تنظيمات طلابية على أحزاب التيار الإسلامي.
فضاء جامعي مغلق
بعيدًا عن الانتماء السياسي، فإن التّنظيمات الطلابية كثيرًا ما واجهت صراعات كبرى في خضمّ التحولات السياسية التي عاشتها الجزائر، خصوصًا خلال العقدين الأخيرين، ما جعلها " إناء فارغًا" كثيرًا ما يتمّ تعبئته من طرف كيانات سياسية، ما ينفي فتح المجال العام أمام جيل الطلبة الشباب للعب دورهم في النقاش والرفع من قيمة المستوى التعليمي في فضاء الجامعة المغلق.
والملفت للنظر في هذه الجزئية من الفضاء الجامعي، هو اختيار القيادات الطلابية، إذ تعتمد أساسًا على الانتخابات، سواءً للفروع التنظيمية أو الشُّعب الفرعية، وتعيين مرشحين لعضوية المجلس الوطني أو المكتب التنفيذي الوطني، فهم يلتزمون بالهيكل التنظيمي للتنظيم الطلابي والقدرة على استيعاب وفهم العمل النقابي.
لكن يرى بعض الأساتذة أن مهمة الجامعة هو تكوين طلبة أكاديميين، وليس قيادات سياسية أو نقابية، لأنه ليس من مهامها التكوين السياسي، بل ينظر إليه بعضهم إلى أنه عمل غير مشروع يصب في مصلحة جماعات ليس لها علاقة بالجامعة، وهو ما جعل هذه التنظيمات حِملًا ثقيلًا وعاملًا منغّصًا للحياة الأكاديمية، خاصة أثناء إشهارها الاحتجاجات والإضرابات الطلابية التي تؤرق الكثيرين في الفضاء الجامعي وتوقف الدراسة.
يرى بعض الأساتذة أن من مهام الجامعة التكوين الأكاديمي وليس خلق قيادات سياسية أو نقابية
في المقابل من ذلك، دعا البعض من المنخرطين في التنظيمات الطلابية إلى ضرورة فتح نقاش لإعادة هيكلتها والتخلص من وصاية بعض الأحزاب السياسية، بعيدًا عن الاستغلال الحزبي والتوجه الإيديولوجي الضيق عن طريق التحول إلى العمل العلمي والتربوي والتوعوي النضالي ودعم المبادرات التي تهتم بقضايا الطالب في بيئته العلمية.