18-أكتوبر-2019

رسم كاريكاتور لـ علي ديلام (جريدة ليبارتي/ 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2019

نشر فنّان الكاريكاتور الجزائري علي ديلام رسمًا، على صفحات جريدة "ليبارتي"، يصوّر ملعب "بيار موروا" بمدينة "ليل" الفرنسية وهو مكتظ بالجماهير التي تحمل الأعلام الجزائرية، ويظهر مدّرب منتخب كولومبيا البرتغالي "كارلوس كيروش" يُحاول التخفيف من دهشة لاعبيه قائلًا: "بلى، بلى، أنتم بالتأكيد في مدينة ليل بفرنسا".

إنها "التغربية" الجزائرية الأبدية، التي تذكّرنا بـ"تغربية بني هلال" الشعبية

بعد أيّام قليلة من مباراة مخيّبة لـ"ثعالب الصحراء" في الجزائر، اكتفوا فيها بالتعادل أمام منتخب الكونغو الديمقراطية، أبدع رياض محرز ورفقاؤه في قهر نجوم كولومبيا، وفازوا عليهم بنتيجة "مهينة".

اقرأ/ي أيضًا: ملامح المثقف الجزائري في زمن مضى

لقد كان لقاء الكونغو "كارثيًا" بكل المقاييس؛ بدءًا بأرضية الملعب غير الصالحة تمامًا، وليس انتهاء بالجمهور الذي لم تمتلئ به المدرّجات على قلّتها ومحدوديتها. إذ لم يجد المنتخب الجزائري إلا ذلك الملعب، رغم أن الخطاب الرسمي الغارق في الشعبوية، ما يزال يردّد العبارة الشهيرة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عندما قال إن "الجزائر قادرة على تنظيم كأسين للعالم مرّة واحدة" وهي العبارة التي تحوّلت إلى عنوان للسخرية والتهكّم.

في الليلة نفسها، كان ثلاثة من أدباء الجزائر على موعد مع التتويج، عندما توّجوا بجوائز "كاتارا"، وهم أنفسهم الذين تجاهلتهم الجوائز والتكريمات في الجزائر مدّة طويلة، بل أن بعضهم لم يكن يعرفه أحد في الجزائر قبل أن يتوّج بالجائزة ذاتها قبل سنوات، لينال الاعتراف "الداخلي" بعدها.

إنها "التغربية" الجزائرية الأبدية، التي تذكّرنا بـ"تغربية بني هلال" الشعبية، ولئن كانت تغريبة الهلاليين محدودة في الزمان والمكان، فإن نظيرتها الجديدة، سيزيفية، فكلّ نهاية هي بداية لغربة جديدة.

لقد كانت الجزائر وما تزال على مرّ التاريخ بلدًا طاردًا للنخب والكفاءات، التي تجد نفسها مشلولة في الداخل، وما إن تتعدّى الحدود حتى تتفجّر مواهبها وتصنع نجاح وأفراح غيرها، ليبقى البلد غارقًا في التخلّف الاجتماعي والفكري.

قبل أيام، عدّد لي كاتب تونسي أسماء كبار ممثّلي النخبة السياسية والفكرية في تونس، منذ نهايات القرن التاسع عشر إلى الآن من أصول جزائرية، وتساءل: لماذا لا يكتب أحدٌ أن تلك النخبة المهاجرة؟ فقلت له "إن الجزائر بلدٌ طارد للنخب"، وعدّد له أسماء كثيرة أخرى في الشام وفي أوربا وفي شتّى أنحاء العالم.

تَواصل نزيف النخبة الجزائرية على مرّ السنين، وبالخصوص في محطّات تاريخية كبرى، منها السنوات الأولى للاحتلال عندما هاجر الأمير عبد القادر وكثير من المثقّفين إلى الشام، ثم كانت هجرات أخرى أيّام الثورة التحريرية، وأيّام سنوات الجنون التسعيني عندما كادت الجامعة تُفرغ من إطاراتها، وصعدت أسماء في البلاد تفتقر إلى التكوين، ملأت الفراغ وفرضت قيّمها وساهمت في انحدار المستوى عامًا بعد آخر.

ومع ضبابية الواقع اليوم، نخشى أن تتدهور الأوضاع ويحدث نزيف آخر لأسماء جديدة لم تكن تعرف محنة السابقين، تجدها حاولت جاهدة أن تصنع واقعًا جديدًا قبل أن يصدمها جدار الواقع ويكون مصيرها مصير سلفها.

المقولة التي تلخّص الواقع هي أنّ "أقصر وأضمن طريق إلى المستقبل في الجزائر هو طريق المطار"

ولأنّ الصورة سوداء بالفعل، فإن ما يختصرها هي نكتة قاتمة على الطريقة المحلّية، يقول فيها صاحبها "إن أقصر وأضمن طريق إلى المستقبل في الجزائر هو طريق المطار"، بعد أن أصبحت الشواطئ ممتلئة بالخفر، الذين يمنعون آلاف الشباب من ركوب زوارق الموت التي أصبحت أخبارها لا تثير أحدًا.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

حوار | محمد بن جبّار: الحراك الجزائري تجاوز المثقف والنخبة

المثقف والسّلطة في الجزائر.. قناع لوجهين