13-يناير-2024
 (الصورة: Getty)

(الصورة: Getty) ممثل الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة بنيويورك السفير عمار بن جامع

بدأت الجزائر مطلع هذا العام في ممارسة مهامها، في إطار صلاحيات عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن التي تمتد لعامين، آملة أن تحقق المبادئ والأهداف التي تعهّدت بها، فهل سيكون تحقيق هذه الغاية سهلًا أم أن التغيرات التي تعرفها الساحة الدولية تجعل المهمة أصعب مما كانت عليه في عضويتها السابقة؟ 

ترفع الجزائر عدّة رهانات في ظروف مختلفة عن عهداتها السابقة في مجلس الأمن

ترفع الجزائر عدّة رهانات داخل هيئة دولية تقرر مصير الدول في ظروف مختلفة عن عهداتها السابقة في مجلس الأمن التي كانت سنوات 1968-1969 و1988-1989 و2004-2005، سواء بالنسبة لوضعها الداخلي أو للعوامل والعلاقات الخارجية التي صارت لا تحتكم في أغلب الحالات للقانون الدولي، وهو ما يطرح عدّة أسئلة حول تأثير الدبلوماسية الجزائرية التي اعتمدتها لعدة سنوات في سياستها الخارجية مع قرارات الهيئة، و عن جدوى هذه القرارات غير الملزمة في العرف الدولي، والتي يتم تجاهلها باستمرار من طرف بعض الدول.

أهداف واضحة

تسعى الجزائر عبر عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن لتحقيق أهداف تشكل أولوية بالنسبة لها، والتي رددها وزير الخارجية أحمد عطاف في أكثر من مرة، والتي ترتكز على  "الالتزام الثابت بمبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، حيث ستعمل بمعية جميع الدول الأعضاء على الإسهام في ترقية وتكريس أهداف السلم والأمن التي تصبو إليها شعوب المعمورة بالقدر نفسه وعلى حدّ سواء".

وحسب عطاف، فإن أولويات الجزائر تتمثل في في ثلاثة محاور رئيسية، منها "ذات الطابع الشامل المتمثلة في السعي لإعادة تفعيل وتعزيز دور العمل الدولي متعدد الأطراف في مواجهة مختلف التحديات والتهديدات التي تتجاوز أبعادها نطاق الأوطان ويتعدى مداها حدود الدول"، حيث ستعمل على تشجيع اعتماد "مقاربات شاملة وتشاركية" للمساهمة في معالجة الأسباب الجذرية للتحديات المتعلقة بالحروب والإرهاب والجريمة المنظمة ومخاطر التغيرات المناخية، مع "التكفل بآثارها وأضرارها، لاسيما في الدول النامية".

أما الأولويات الثانية فذات طابع إقليمي تفرضها الأوضاع المتأزمة في الفضاءات الإفريقية والعربية، وهنا أكد عطاف أن الجزائر ستعمل في مجلس الأمن على "تشجيع الحلول السلمية المستدامة للأزمات التي تحرم أشقائنا من نعمة الأمن والاستقرار في كل من ليبيا ومالي والسودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية افريقيا الوسطى والصومال واليمن وسوريا".

وأشار إلى أن الجزائر ستواصل داخل مجلس الأمن "دعمها الثابت لقضيتي فلسطين والصحراء العادلتين وفق ما تنص عليه لوائح وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة".

أما ثالث الأولويات، فتتعلق بالطابع المؤسسسات، حيث شدد عطاف على أن بلاده "باعتبارها عضوًا هامًا في لجنة العشرة التابعة للاتحاد الأفريقي والمعنية بإصلاح مجلس الأمن، ستولي هذا الموضوع كل ما يستحقه من أهمية في إطار عضويتها بمجلس الأمن، لا سيما في جوانبه المتعلقة بتحسين طرق وأساليب عمل المجلس بغية إضفاء المزيد من الشفافية والديمقراطية والتشاركية على أشغاله".

وستركز الدبلوماسية الجزائرية في هذا الإطار على "تعزيز علاقات التعاون والشراكة في مجالات السلم والأمن بين منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية المعنية، وعلى رأسها الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية".

ولخص عطاف أن كل هذه المحاور تندرج في إطار مبادئ الدبلوماسية الجزائرية المبنية على "ضرورة وحتمية تكريس حق جميع الشعوب في الحرية وحق جميع الأمم في الأمن والأمان وحق جميع الدول في السيادة وفي صنع قراراتها بذاتها وتحديد سياساتها بأيديها".

ليست سهلة

تختلف عهدة الجزائر الحالية في مجلس الأمن عن العهدات الثلاث السابقة، بالنظر للتغييرات التي حدثت في الجزائر داخليًا رغم حفاظ الدبلوماسية الجزائرية على مبادئها المعروفة، وكذا بالنظر للمتغيرات المتسارعة التي يعرفها العالم، وهو ما يجعل "المؤمورية صعبة" وفق ما يراه أستاذ العلوم السياسية عمار سيغة.

وأضاف سيغة في تصريح لـ"الترا جزائر" أن بدء الجزائر عضويتها غير الدائمة الرابعة في مجلس الأمن تأتي في ظروف دولية خاصة تتميز بتوسّع الصراعات الدولية، ممثلة في النزاع الدائر في أوكرانيا بين الغرب الذي تقوده الولايات المتّحدة والخصم الشرقي ممثلا في روسيا.

وبين سيغة أنه بالرغم من أن الجزائر استطاعت من خلال القمة العربية التي استضافتها في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 إعادة بعث دورها الذي غيب في السنوات الماضية، إلا أن  التطوّرات التي أحدثها طوفان الأقصى في السابع من شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي  زادت من صعوبة مهمتها بالنظر إلى الشرخ الموجود في الصف العربي، حتى بعد عودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة عبر "طوفان الأقصى".

إلى هنا، يُبين سيغة أن "الجزائر التي تدافع عن تحرر الشعوب تجد نفسها اليوم أمام محيط عربي بعضه يدعم التطبيع متخليًا عن القضية الفلسطينية، مسايرًا لتوجه دولي يتجاهل جرائم الاحتلال الصهيوني على مستوى أغلب المؤسسات الدولية رغم فظاعتها".

بلا انتظار

بالنظر إلى التغيرات الدولية الحادثة في الوقت الحالي، وبالخصوص في غزة، لم تنتظر الجزائر كثيرًا للتحرك على مستوى مجلس الأمن، والذي تمثل في دعوتها للجلسة الاستثنائية التي عقدت الجمعة وخصصت لمحاولات التهجير القسري للفلسطينيين بغزة.

ودعا ممثل الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة بنيويورك السفير عمار بن جامع, المجتمع الدولي، خاصة مجلس الأمن، أن يتكلم "بصوت واحد وقوي"، لرفض تهجير الفلسطينيين، مُذكّرًا في الوقت نفسه، بما صرح به الرئيس تبون سابقًا بأن "ما يحدث بغزة سيبقى وصمة عار في جبين الإنسانية".

وتساءل بن جامع "ألا يكفي قتل أكثر من 23 ألف شخص منهم أكثر من 10 آلاف طفل؟ ألا يكفي جرح أكثر من 60 ألف شخص؟ ألا يكفي تهديم أكثر من 60 بالمائة من مباني غزة؟ ألا يكفي أن كل سكان غزة يواجهون خطر المجاعة؟ هل سيقبل المجتمع الدولي أن يبقى أكثر من 2 مليون شخص يعانون الجوع والمرض؟".

واعتبر أستاذ العلوم السياسية عمار سيغة أن التحركات التي تقوم بها الجزائر منذ بدء عضويتها دليل على أنها تريد أن تستثمر في عهدتها للدفاع عن القضايا التي تشكل أساسيات دبلوماسياتها ومواقفها الخارجية.

وقبل هذا، كانت الجزائر قد امتنعت عن التصويت على قرار لمجلس الأمن الدولي يدعو لوقف "فوري" لهجمات الحوثيين على سفن في البحر الأحمر، وذلك لـ"تجاهل الرابط الواضح الذي يراه الجميع بين هجمات الحوثيين على السفن التجارية وما يحدث منذ ثلاثة أشهر في غزة".

الأكاديمي عمار سيغة: التحركات التي تقوم بها الجزائر منذ بدء عضويتها دليل على أنها تريد أن تستثمر في عهدتها للدفاع عن القضايا التي تشكل أساسيات دبلوماسياتها ومواقفها الخارجية

من المؤكد أن تغيير قرارات مجلس الأمن الدولي في ظل الانقسام العالمي حول عديد القضايا لن يكون سهلًا على الجزائر، وبالخصوص مع استمرار حق النقض للأعضاء الخمسة الدائمين، إلا أن وجودها في هذه الهيئة الدولية سيساعد في إسماع صوتها في المشهد السياسي الدولي،