أخلط خطاب قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، الأوراق مجددًا في الساحة السياسية وأعاد الأمور إلى نقطة الصفر، بعد خطوة أولى كانت اتخذتها الرئاسة الجزائرية بتشكيل هيئة حوار وطني، يرأسها رئيس البرلمان الأسبق كريم يونس، لكن الهيئة طرحت سبعة شروط أساسية، اعتبرت أن تنفيذها سيدعم موقفها أمام القوى السياسية، ويعزّز الرغبة في الحوار، قبل أن ينسف الجيش هذه الشروط.
رئيس أركان الجيش رفض كل المقترحات التي أعلنتها هيئة الحوار الوطني
الجيش مجدّدًا
قال قائد أركان الجيش، في خطاب ألقاه خلال حفل تكريم الطلبة النجباء في مدارس أشبال الأمّة "نؤكّد من جديد، أن مؤسّسات الدولة تعدّ خطًا أحمرًا، لا تقبل المساومة والشروط المسبقة والإملاءات غير القانونية من أيّ جهة كانت، وستستمرّ في أداء مهامها، إلى غاية انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، الذي له كامل الصلاحيات لمباشرة الإصلاحات الضرورية"، موضحًا أن "الشعب واع أكثر من أي وقت مضى ولا يمكن تغليطه أو دفعه إلى متاهات محفوفة بالمخاطر".
اقرأ/ي أيضًا: بن صالح يستقبل قادة الحوار.. الحراك في قصر الرئاسة
كما وصف قايد صالح، دعوة فريق الحوار والقوى السياسية والمدنية إلى تخفيف الإجراءات الأمنية المتعلّقة بمراقبة مداخل العاصمة كل يوم الجمعة، لتقليص دخول المتظاهرين بـ "الدعوة المشبوهة" قائلًا إنه "بخصوص الدعوة المشبوهة وغير المنطقية، المطالبة بتخفيف الإجراءات الأمنية المتّخذة على مداخل العاصمة والمدن الكبرى، أودّ التوضيح أن هذه التدابير الوقائية التي تتخذها مصالح الأمن لتأمين المسيرات، هي في مصلحة الشعب وحمايته وليس العكس، وهو الأمر الذي لطالما أكدنا عليه أكثر من مرّة بضرورة تنظيم وتأطير المسيرات لتفادي اختراقها".
رفض شعبي
أسقطت تصريحات رئيس أركان الجيش الجزائري، كل المقترحات التي أعلنتها هيئة الحوار الوطني، واعتبر متتبّعون للشأن السياسي في البلاد أن ما حدث، هو عودة إلى نقطة البداية، ونتيجة حتمية للّغط الذي عرفته الهيئة وأعضاؤها، وذلك بسبب الانتقادات التي وُجّهت لهم منذ إنشائها، فضلًا عن إدراج أسماء -بشكل مريب- إلى قائمة قيادة الحوار مع السلطة دون علم أعضاء لجنة الحوار، مما جعل الهيئة تواجه رفضًا شعبًا أيضًا.
برغم استقالة إسماعيل لالماس أحد أعضاء الهيئة، احتجاجًا على خطاب قائد الجيش، فإن هيئة الحوار الوطني (6-1) لم تعلن عن موقفها بشأن استمرارها في الحوار من عدمه، خاصّة وأن رئيس الهيئة كريم يونس، كان قد ربط استمرار عمل الهيئة بتنفيذ السلطة لسبعة شروط، وهي الإفراج عن معتقلي الرأي في الحراك، واحترام الطابع السلمي للمظاهرات من طرف قوّات الأمن، ووقف أعمال العنف والاعتداء ضدّ المتظاهرين السلميين، وضمان حريّة الإعلام، وفكّ الحصار الأمني المفروض عن العاصمة خلال المسيرات.
بالإضافة إلى هذه الشروط، طلبت هيئة الحوار استبعاد حكومة نور الدين بدوي الحالية واستبدالها بحكومة توافقية وتكنوقراطية غير متحزّبة، ومنح السلطة أسبوعًا لتنفيذ ذلك.
إنهاء مهام
باتت هيئة الحوار في وضع لا تحسد عليه اليوم، إذ تواجه موجة انتقادات من طرف القوى السياسية والشعبية، وصلت إلى طرد أحد أعضائها من مسيرات الحراك الشعبي الجمعة الماضية، إضافة إلى رفض أحزاب وشخصيات سياسية التعاون معها، ورفض السلطة الفعلية تحقيق شروط كان يمكن أن تشكّل مكاسب مرحلية لها، والآن لا يُعرف إذا كانت هذه الهيئة قادرة على الاستمرار في عملها في المرحلة المقبلة أم لا؟.
يُفهم أيضًا، من موقف الجيش وخطاب قائد الأركان رفضه لهيئة الحوار وتشكيلتها، خاصّة بعد الرفض الشعبي والسياسي الذي قوبلت به، وهو اعتبره متابعون خطوة اختصرت الطريق لانهاء مهام الهيئة ودفعها إلى الاستقالة وطلب الإعفاء، تمهيدًا لتشكيل هيئة حوار ثانية أكثر توزانًا.
يعتقد الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عبد النور طرافي، أن تصريحات قائد الأركان، يمكن قراءتها من عدّة زوايا، أهمّها أن الهيئة لم تحظ بقبول واسع، وخصوصًا من طرف الشارع الجزائري، موضحًا في تصريح لـ" الترا جزائر"، أن الجيش تفهّم الموقف الشعبي والسياسي، "وهو ما يحيلنا إلى أنّ الجيش حاول توفير مخرج لها، عبر رفض الاستجابة لمطالبها وبالتالي دفعها إلى الاستقالة".
السلطة الفعلية
لم تكن كل المواقف ضدّ ما آلت إليه لجنة الحوار، إذ كانت هناك أحزاب وشخصيات سياسية أيّدت الشروط التي وضعتها هذه الهيئة، وهو ما ذهب إليه رئيس حزب "جيل جديد" سفيان جيلالي، في بيان نشره عبر صفحته قال فيه: "من الواضح أن شروط حوار سياسي حقيقي و هادئ غير متوفّرة حتى الآن. وفاء لالتزاماته المعلنة جيل جديد سيرفض أيّ حوار بدون تجسيد الشروط المسبقة للتهدئة والانفتاح السياسي، إلى حدّ الآن، تبدو الأذهان غير مهيئة للتنازلات المتبادلة والانسداد أصبح حقيقة".
من جهته اعتبر محسن بلعباس، رئيس التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية في موقفه عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، "أن خطاب قائد الجيش يُثبت أنه صاحب السلطة الفعلية في الوقت الحالي. نائب وزير الدفاع لم يتمالك نفسه أكثر من أسبوع ليذكّر الناس بأنه هو وحده الآمر والناهي".
وأضاف بلعباس، أن الجزائر ضيعت الكثير من الوقت، وأن السلطة الفعلية تريد رئيسًا على المقاس، على حدّ تعبيره.
هل يعود الحراك الشعبي إلى نقطة البداية بعد فشل لجنة الحوار ورفض مقترحاتها من طرف الجيش؟
بعد أكثر من خمسة أشهر من الحراك الشعبي، أدّت إلى استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وفتح ملفّات الفساد وتوقيف عدد من المسؤولين، يعود هذا السؤال إلى الواجهة: هل يعود الحراك إلى نقطة البداية؟ سؤال من المنتظر أن تحسمه السلطة الفعلية في الجزائر، بعد أن يعرف الجزائريون مصير لجنة الحوار التي ربطت استمرارها في العمل بشروط رفضها الجيش، وهو ما يعني أن الكرّة عادت مجدّدًا إلى مرمى المسيرات الشعبية.
اقرأ/ي أيضًا: