في الأخير "أجمل وأروع وأغلى بطاقة صعود طائرة في حياتي"، هكذا كتب كريم قالم وهو أحد الرعايا الجزائريين العالقين في مطار لندن ببريطانيا، لمدّة أزيد من خمسة أيام، عقب قرارات استعجاليه بتعطيل حركة الملاحة الجوية والبحرية وغلق المطارات والحدود البرية، بسبب فيروس كورونا.
لقد أزاحت أزمة فيروس كورونا، الكثير من الحقائق التي تناساها البعض في زحمة الحياة اليومية المتسارعة
كريم والمئات من أمثاله، من الرعايا الجزائريين العالقين بعديد مطارات العالم، يحملون بين يديهم، جواز السفر الجزائري، ويلهثون للحصول على بطاقة الركوب عبر الطائرة للعودة إلى الجزائر، بعد أن ضرب الفيروس عديد الدّول وتفشّى فيها خصوصًا في أوروبا، مع مخاوف من العدوى السريعة، التي أعلنت الحكومة تخصيصها لنقل الرعايا الجزائريين العالقين في مطارات العالم، للسفر نحو الجزائر.
اقرأ/ي أيضًا: لجنة متابعة كورونا.. احذروا تناول "كلوروكين" تلقائيًا
هم صادقون في قولهم إن "الأزمة كشفت أن البلد الأم، هو الذي يجمع كلّنا، رغم كل شيء، ورغم الاختلافات، ورغم الانتقادات لطبيعة البيئة الجزائرية وظروف العيش فيها"، يردّد كثيرون في الوقت الذي يمتعض فيه كثيرون من عودة المغتربين للجزائر في ظلّ هذه الفترة، مع تدني الخدمات الصحيّة في البلاد، ورفض الكثيرين منهم الحجر الصحّي فور وصولهم إلى الجزائر.
الوطن أخيرًا..
لقد أزاحت أزمة فيروس كورونا، الكثير من الحقائق التي تناساها البعض في زحمة الحياة اليومية المتسارعة حينًا والفوضوية حينًا آخر، والمادية في أحايين كثيرة. كلّ المسافرين عبر الفيديوهات أو ممن شاركت "الترا جزائر" رحلاتهم ومصاعبها ولهفتهم للوصول إلى أرض الوطن. كثيرٌ منهم اكتشفوا دفعة واحدة، عديد المسارات في الحياة المنسية، وباتت الأزمة تفتح الباب أمام مواقف التضامن فيا بينهم، و طرح أساليب التكافل المتبادل بين الأفراد والتخلّي عن المشاحنة والقلق جانبًا، والبحث عن طريق لاحتواء المعضلة تحت قبعة الإنسانية.
كريم لم يكن الوحيد الذي، تعلّقت عيناه ببطاقة الركوب والعودة. الآلاف ممّن يريدون العودة للجزائر لحضن العائلة، البعض منهم أخرجت أزمة الفيروس إلهامهم للعن، لكتابة أمنياتهم في فترة انتظار الفرج ووصول طائرة جزائرية لإعادتهم إلى الوطن، وتسجيل تفاصيل هذه "المحنة"، كما قالت سمية كودوري لـ "الترا جزائر"، مستطردة: "إن عيني تدمع، وأنا أتلقّفُ بصبر المضطر خبر تسفيرنا إلى الجزائر. مخاوف تفشّي الفيروس، وتوجّسٌ حيال إصابة الأهل والأحباب والأصدقاء، جعلني أعترف أننا لا نعرف كيف ننتهز فرصة الحياة اليومية، للتعبير عن امتنانا".
هذه المهندسة العالقة في مطار اسطنبول بتركيا، مثلها مثل العشرات من الرعايا الجزائريين أضافت في حديث لـ" الترا جزائر"، أنها وجدت فرصة سانحة خلال الفترة الطويلة من انتظار وصول المجهول، موضحة أنها طالبة في سلك الدكتوراه، بكلية الهندسة المعمارية، سافرت قبل شهرين في منحة طويلة الأمد استفادت منها من قِبَل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، غير أن هذه الأزمة العالمية، جعلتها تنظر إلى الأمر من زاوية أخرى، معلقّة بالقول: "في الجزائر، هناك العائلة، هناك المرسى الذي نلجأ إليه، والصدر الذي يجمعنا جميعًا، والأهل الذي نتخلّص معها عن أنانيتنا، والأحبة الذين نتكئ عليهم في مختلف مراحل الحياة".
وأضافت، إنه "عالم سخيف، بل من السذاجة أن نتعلّق بالأشياء، أو بالأحلام دونما أفعال، فاليوم بات إنقاذ الأرواح فعلًا إنسانيًا عالميًا، نتخلص فيه من الحدود والجنسيات وشهادة الولادة".
كبُر الأبناء.. نحن أمام حقيقة
كثيرة هي المشاريع التي أطلقها البعض والأحلام، والطموحات التي يحاولون تحقيقها، لكن "كورونا" أوقف العالم، بل أغلقه بالكامل، وجعل كثيرين في الجزائر، يرضخون للأمر الواقع ، وإعادة اكتشاف أنفسهم كما يقول الأستاذ الجامعي عبد الحميد بلمنور في حديث إلى "لترا جزائر" مؤكّدًا على أن الحجر الصحّي "ألزمه أن يعيد اكتشاف نفسه وأسرته". لقد منحت الأزمة، العائلات الفرصة لإعادة اكتشاف الجوّ الأسري، وكيف كبر الأبناء دون أن يدري الآباء، كما قال المتحدّث.
لقد ساعد بقاء الجزائريين في المنزل، في ترميم العلاقات الاجتماعية بين أفراد داخل الأسرة الواحدة، والالتقاء لوقت أكبر، مثلًا "تناول الوجبات مع بعض، والاتصال بين العائلات التعاون على المشاغل المنزلية"، وهو الأمر الذي لم تمنحه فترة أخرى.
كثيرٌ من النساء، أصبحن يحرصن على تقديم الدروس لأطفالهن ومتابعتهم أكثر من وقت مضى، بل اكتشف الزوجان أنفسهما بعدما "ضاعا في توفير الحاجيات المنزلية لهما وللأطفال واللهث وراء لقمة العيش".
زيادة على هذا الوضع، كثيرون اعتبروا أنفسهم اليوم أسرى لهذا الوباء، إذ يبحثون عن تلك الحياة المفعمة بالحركة والالتقاء بالأصدقاء في المقاهي التي باتت اليوم محظورة، بل هناك من اشتاق للحياة، "بدل التذمر من صعوبة الحياة ويومياتها، غير أن اليوم أقصى طموحنا هو أن نعود لتلك الحياة". مثلما قالت الناشطة نرجس كرميش في تدوينة فيسبوكية.
كثيرون اعتبروا أنفسهم اليوم أسرى لهذا الوباء، إذ يبحثون عن تلك الحياة المفعمة بالحركة والالتقاء بالأصدقاء في المقاهي
كما وجه البعض اهتمامهم، من أجل إعادة التعرف على شغفهم، خاصّة القراءة، إذ جاءت الفرصة للتفرّغ لها خلال فترة الحجر المنزلي، إضافة إلى التلاميذ وطلبة الجامعات، والباحثين، ممن يريد إتمام دراسات عليا، إذ يخصّصون أوقات للعمل البحثي، في مقابل ذلك هناك من يبحث للعودة إلى "نهم الكتابة"، يقول الطالب الجامعي سليم بلجيلالي، في حديث إلى " الترا جزائر"، معتبرًا أن الحياة خارج البيت، والانغماس في وسائل التواصل الاجتماعي، " قتلت فيه روح القراءة والكتابة والتعلّم أيضًا"، لافتًا إلى أنها فرصة لـ "إيجاد فضاء لتحقيق شغف معين، والنظر للعالم من حولنا بنظرة مغايرة".
اقرأ/ي أيضًا: