06-سبتمبر-2019

الصحافي منتصر أوبترون يلتقط صورًا في الحراك توثيقًا للأحداث (فيسبوك/ الترا جزائر)

قبل سنوات، طلّق منتصر أوبترون الصحافة، وهو الذي تعوّد على شحذ قلمه ليقلّب دفاتر التاريخ الجزائري، ويُعيد توثيقه بلغة صحافية بسيطة، فكانت الحقيقة هاجسه الوحيد، وحرصه على نقل الرأي والرأي الآخر، هدفه في كلّ مقال ينشره في صفحات الجرائد التي مّر بها.

بعض الصحافيين أصبحوا مجرّد كتّاب عموميين، خاضعين لإملاءات وأوامر صاحب الجريدة أو القناة التلفزيونية

اليوم، يسير أوبترون في مسيرات الحراك الشعبي كلّ ثلاثاء وجمعة، ويوثّق بالصور للحظات الانتصار التي يحقّقها الجزائريون في الشارع، حتّى وهو يمرّ على جدار يحمل غرافيتي عن المسيرة الشعبية، أو دُوّن عليه اسم أحد أعلام حريّة التعبير، من أمثال الطاهر جاووت.

اقرأ/ي أيضًا: وسائل إعلامية بعد الحراك.. "مات الملك، عاش الملك"

ثورة إعلامية؟

الكاتب الصحافي منتصر أوبترون، وغيره كثيرون، ممّن رافعوا لسنوات طويلة لصالح التغيير وحريّة الرأي، في منابر النقاش وصفحات الجرائد. اليوم يأمل أوبترون في حديث إلى "الترا جزائر"، أن تكون الأزمة التي تمرّ بها البلاد، هي "من ستجعلنا نتنفّس من جديد، وفرصة سانحة لغربلة الواجهات الإعلامية، تضع الصحافيين أمام مسارهم ومسؤولياتهم".

 الطاهر جاووت: "الصمت هو الموت، إذا تكلمتَ مُتَّ، وإن سكتَ مُتَّ، إذن قلها ومُتْ"

هل يحمل الحراك الشعبي ثورة أخرى تصبّ في صالح الإعلام؟ وهل هناك ما تغيّر في هذا القطاع؟ أسئلة جديرة بأن تُطرح في فترات الثورات الشعبية والاحتجاجات السلمية، يقول الباحث في علوم الإعلام الأستاذ حميد بلمرابط، في حديث إلى"الترا جزائر".

يستدرك المتحدّث، أن وضع الصحافيين خلال فترة الحراك، هي نفسها قبل الحراك وبعد العشرية السوداء"، موضحًا بالقول "هنا أتكلّم على الأغلبية وليس على الجميع، لأنّ الأغلبية التي أتحدّث عنها، لم تلج عالم الإعلام من باب الموهبة أو الاختصاص، أو حبّ المهنة، بل لأنها مجرّد مهنة لا تختلف عن باقي المهن، المهمّ أنّها تضمن راتبًا شهريًا، والأكثر من ذلك يضيف الباحث بأنها صارت نوعًا من البريستيج الذي يقرّب البعض من أصحاب القرار، على حدّ تعبيره.

يسترسل الباحث حديثه عن مهنة الإعلام، في ظلّ الأحداث التي تشهدها البلاد، ويستنتجُ من خلال قراءته لبعض الصفحات ومشاهدته لبعض القنوات، أنّ بعض الصحافيين أصبحوا مجرّد كتّاب عموميين، خاضعين لإملاءات وأوامر صاحب الجريدة أو القناة التلفزيونية، حتى ولو كان الأخير لا علاقة له بالإعلام، ممن تمكّنوا من بسط سيطرتهم على القطاع الإعلامي في الجزائر بالمال والنفوذ، على حدّ تعبيره.

في السياق نفسه، يعتقد الباحث بلمرابط، أنّه خلال فترة الحراك التي تجاوزت ستّة أشهر، حاول الإعلام التموقع ومسايرة صوت الشارع، وراح بعض الصحافيين يتحدّث عن التحرّر والانعتاق، وكأنّهم كانوا يبرّرون فشلهم قبل الحراك، ويوعزون ذلك إلى عدم توفّر حرّية الرأي وضغوطات السلطة، على حسب قوله.

تستدعي قراءة المشهد الإعلامي في الجزائر، وضع مقارنات بين الممارسة الإعلامية التي شهدتها البلاد في فترة ما قبل الحراك، أيّ في فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وفترة الحراك الشعبي التي تلت استقالة الرئيس. هنا، يقول الإعلامي والناشط الحقوقي محمد سلامي إنّ كثيرًا من الصحافيين في مختلف المؤسّسات الإعلامية، كانوا يبحثون عن التموقع قبل الحراك وبعده، بناء على المصالح المتبادلة، وهنا، يطرح سؤالًا جوهريًا مفاده :"لماذا كان بعض الصحافيين يشاركون في احتفالات اليوم الوطني، واليوم العالمي لحريّة التعبير، وكانوا يقبلون هدايا من وزراء وولّاة في فترة حكم الرئيس المتنحّي؟".

يأمل سلامي أن يتغيّر واقع الإعلام في البلاد، بفضل عدّة عوامل أهمّها، سن مواثيق الممارسة الإعلامية، وضمان حقوق الصحافيين في المؤسّسات الإعلامية، مع ضمان تكوين دوري لكل ممارس لهذه المهنة وتنظيمها.

صحافيون على فيسبوك

يناضل كثير من الصحافيين اليوم، في قاعات التحرير وغرف الأخبار ووراء الشاشات التلفزيونية، من أجل تمرير المعلومات والحقائق، غير أنّ هناك من اختاروا الابتعاد عن الأضواء، كرهًا لا طواعية، تخلّوا عن المناصب والوظيفة، ولكنّهم في مقابل ذلك اختاروا المهنة.

القرارات التي يتّخذها أصحاب الكلمة، قدّ تكون مبرّرة في كلّ الحالات، فمن ترك الوظيفة بحثًا عن المهنية، سينتهي به الأمر مدوّنًا على مواقع التواصل الاجتماعي في كثير من الحالات، وإن التحق بأحد المنابر الإعلامية فسيكون ذلك من باب البحث عن لقمة العيش، بينما سيكتفي بالتعبير عن رأيه ومواقفه على السوشيل ميديا.

جميع هذه المبرّرات لها جانب كبير من الحقيقة، إذ يصف البعض أن قرارات الانسحاب من المشهد الإعلامي في الجزائر بالانتحار المهني، بينما يعتبرها البعض مسارًا آخر في رحلة البحث عن أكسيجين حرّية التعبير.

هذه القراءات حول وضع الإعلام في الجزائر، ناقشها مجموعة من الأساتذة والطلبة الجامعيين، على هامش إحدى احتجاجات طلبة الجزائر يوم الثلاثاء الماضي، هنا، يتساءل الطالب الجامعي عبد النور ملزي، من كليّة الحقوق، في تصريح لـ" الترا جزائر"، أليست الحريّة هي إكسير الحياة؟ سؤال طرحه في احتدام النقاش حول تصريحات الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني محمد جميعي، والذي شكّلت استضافته في إحدى القنوات استفهامًا كبيرًا، فهو من المغضوب عليهم في الشارع الجزائري، وباتت تلك الحلقة محلّ نقاش متجدّد عن دور الإعلام في الثورات، وتخندق قنوات إعلامية في الصفوف الأمامية للمواجهة بين أجنحة الصراع في السلطة.

تفاعل كثير مع الصحافيين مع برنامج" الحدث"، الذي ينشّطه الإعلامي قادة بن عمار، الأمر الذي دفعه للردّ على من وصفوه بـ التواطؤ مع الضيف لتلميع صورته، في مقابل ذلك اعتبر كثيرون بأنّ ما قدّمه الإعلامي عملًا مهنيًا واحترافيًا، وإن كان الضيف هو أمين عام أكبر حزب سياسي، وطرفًا في الأزمة التي تشهدها الجزائر، وأنّ دور الصحافي ينتهي عند طرح الأسئلة التي يجب أن تُطرح، فقد طرح قادة بن عمّار عدّة أسئلة تتعلّق بتورط جميعي في تهريب الوقود، وحول تصريحاته المؤيّدة للرئيس بوتفليقة.

الحرّية تؤخذ ولا تٌمنح

يجزم متابعون، أن فترة الحراك شهدت صعودًا وهبوطًا في مستوى حرّية التعبير والتغطيات الإعلامية، غير أنها تتخوّف من عودة التضييق وتشديد الخناق على الأقلام والصحافيين واستعمال ضغوطات الإشهار على المؤسّسات، هنا، يدعو الصحافي بلال بوزيدي، في تصريح لـ" الترا جزائر"، الإعلاميين إلى ضرورة الضغط المتواصل على ملّاك المؤسّسات لخطف حرّية الكلمة، موضحًا أن عددًا من ملاك الوسائل الإعلامية، متورّطون في قضايا فساد مالي أو سياسي، وعليه هم تحت رحمة الأوامر الفوقية. على حدّ تعبيره.

كما لم يُخفِ بوزيدي، وهو الذي وثّق العديد من المسيرات صوتًا وصورة، بأن الإعلام في بداية الحراك الشعبي، صارع التضييق في وقت كانت فيه رموز النظام السابق متمسّكة بمقاليد الحكم، ويعتبر أن الأمور انفرجت سواءً في المؤسّسات العمومية أو الخاصّة بعد استقالة بوتفليقة، معبّرًا عن تخوّفه من عودة التضييق على الإعلاميين بالقول: "بسبب الاختراقات المتكرّرة للحراك الشعبي، صارت الأمور أكثر تعقيدًا بالنسبة للإعلاميين، إذ شاهدنا كيف تعرّض البعض للضرب والشتم والتضييق، ما أدى ببعضهم إلى رمي المنشفة".

يظلّ النقاش حول الإعلام وحريّة الرأي في الجزائر، مفتوحًا على عدّة رؤىً وتصوّرات خاصّة في فترة الحراك الشعبي

يظلّ النقاش حول الإعلام وحريّة الرأي في الجزائر، مفتوحًا على عدّة رؤىً وتصوّرات خاصّة في فترة الحراك الشعبي، وقد عودّتنا التجربة، أنّ الإعلام يخضع لتأثير التغييرات السياسية والثورات، وما ستفضي إليه المرحلة الجديدة، يبقى مرهونًا على نضال رجال الإعلام، وتفتّح السلطة على الحوار والنقد، وتحويل الانشغالات إلى قوانين ومواثيق تحفظ كرامة الصحافي الجزائري، بعيدًا على احتكار وسائل الإعلام.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأخبار الكاذبة.. سيف على رقبة الحراك الشعبي!

الإعلام المرئي في الجزائر.. تجربة في صعود