18-مارس-2019

كان أويحيى من أبرز المدافعين عن خيار العهدة الخامسة (Getty)

الترا صوت - فريق التحرير

سُئل الرّئيس عبد العزيز بوتفليقة (1937) في حوار سابق عن سبب ثقته في رئيس حكومته أحمد أويحي ورئيس ثاني حزب حاكم في البلاد وهو "التجمّع الوطنيّ الدّيمقراطيّ"، الذّي ولد من رحم السّلطة عام 1997، وبقي شريكًا في الهيمنة على مفاصلها مع الحزب الحاكم تاريخيًّا "جبهة التّحرير الوطنيّ"، فقال إنّه حين يسافر إلى الخارج، فهو يعتقد أن "سي أحمد" آخر من يمكنه أن يخونه.

يرى مراقبون أنّ أويحي شريك جوهريّ للجماعة الحاكمة، وما كان لينشقّ عنها لولا علمه بانهيارها الوشيك، في ظلّ تلميح مؤسّسة الجيش إلى إمكانية أن تلعب دورًا سياسيًّا لصالح الخيارات الشّعبيّة

ظلّ أحمد أويحي (1952) وفيًّا لبوتفليقة، ومدافعًا عن خياراته وبرامجه وسياساته. فهو لا يتبرّم إذا عزله من رئاسة الحكومة ومنحها لغيره، حتّى وإن كان غريمًا سياسيًّا له، ولا يتأخر عن دعوته إليها مرّة أخرى، وقد حدث ذلك أكثر من مرّة، ولا يُفوّت فرصة ليقول فيها إنّه بصفته مسؤولًا حكوميًّا وحزبيًّا لا يملك برنامجًا خارج برنامج الرّئيس.

اقرأ/ي أيضًا: 3 سيناريوهات جزائرية معلّقة بين الشارع و"الدولة العميقة"

بعد الحراك الشّعبيّ، الذي انطلق يوم 22 شباط/فبراير الفائت، كان أحمد أويحي، الذي أطلق عليه الجزائريّون لقب "رجل المهمّات القذرة" منذ منتصف تسعينات القرن العشرين، حين كان رئيسًا للحكومة في عهد الرّئيس اليمين زروال، وقام بتنفيذ إملاءات صندوق النّقد الدّولي في مقدّمتها تسريح آلاف العمّال وخصخصة عشرات المصانع والمؤسّسات العموميّة، في صدارة المدافعين عن خيار الولاية الخامسة للرّئيس بوتفليقة، ووصفها بالفرصة الرّبّانيّة، التّي ستضع البلاد في المسار الصّحيح.

بالغ أويحي في استعراض مزايا الرّئيس المترشّح وثمار برنامجه على مدار عشرين عامًا، وفي تتفيه مسعى الحراك، وفي تخويف الجزائريين بالمصير السوريّ، إن هم لم يعودوا إلى الصفّ والموافقة على خيار العهدة الخامسة.

أرغم الحراك بسلميته وكثافة المشاركة الشّعبيّة فيه المحيط الرّئاسيّ على التّنازل عن ترشيح الرّئيس، وتأجيل الانتخابات الرّئاسيّة، التّي كانت مبرمجة يوم 18 نيسان/أبريل الدّاخل، وإسقاط أحمد أويحي وحكومته، ليحلّ محلّه وزير داخليته نور الدّين بدوي (1959)، الذّي رفض الحراك الشّعبيّ تعيينه، لأن المطلب كان رحيل الرّئيس ومحيطه أصلًا.

بعد تسليم مهمّة رئاسة الحكومة للوافد الجديد، اختفى أحمد أويحي تمامًا، حتّى نسيه الجزائريّون، بالنّظر إلى تسارع وتيرة الحراك، وظهور أحداث ووجوه جديدة على مدار اليوم الواحد. وهو ما جعل ظهوره، الإثنين، يُفاجئهم فكأنّه عاد من غابر الأزمان. وباتت المفاجأة مضاعفة حين ارتبط خبر ظهور "رجل المهمّات القذرة" من جديد، بكونه قال في اجتماع لإطارات حزبه، ثمّ أكّد ذلك في رسالة مكتوبة، إنّه على السّلطة الحاكمة أن تستجيب للمطالب الشّعبيّة فورًا.

تداول روّاد موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك موقف أحمد أويحي بكثافة، حتّى أنّه غطّى على جميع الأخبار، بما فيها سفر وزير الخارجيّة الجديد رمضان العمامرة إلى موسكو وسفر الدّبلوماسي الأمميّ وصديق الرّئيس الأخضر الإبراهيميّ إلى بكين لإقناعهما بالوقوف إلى جانب الخيارات الرّئاسيّة، في حالة تدخّل مجلس الأمن الدّوليّ، وإضراب قطاعات حيوّية مساندة للحراك، ورفض 13 نقابة وازنة المشاركة في المشاورات الحكوميّة.

بين القراءة التّي تقول إنّ أويحي يريد أن يلمّع صورته أمام الجزائريين، وينقذ مستقبله السّياسيّ، بعد أن تأكّد من نهاية الرّئيس بوتفليقة، والتي تقول إنّه مكلّف بمهمّة من طرف الجماعة الحاكمة لاختراق المسعى الشّعبيّ، لم يجد رئيس الوزراء السابق من يرحّب بخطوته من داخل الحراك.

علق الكاتب رابح بلّطرش في تدوينة عبر صفحته في موقع فيسبوك: "لا تأمنوه. توعّدنا بأنّها تبدأ بالورود وتنتهي بالبارود. على أحرار الشّعب أن يُجرجروه للمحاكم. لا تتركوه يُشعل الوطن بالفتنة. حاسبوه على ما اقترفت يداه. إنّه سبب الخراب الذّي نعيشه". ونقرأ للإعلاميّ عثمان لحياني: "وحدها الوقاحة ما يدفع الفاشل إلى تقديم نصائح بدلًا من الاعتذار. مدير جهاز التجمّع الوطنيّ الدّيمقراطيّ نموذج للسّياسيّ المتجاوز للحالة الأخلاقيّة".

اقرأ/ي أيضًا: كيف تفاعل الجزائريون مع تحرك جميلة بوحيرد ضد بوتفليقة؟

من جهته يسأل الإعلاميّ رياض هويلي: أليس هذا هو أويحي، الذّي حكم رقاب النّاس منذ 1995؟ أليس هو الذّي ظلّ يخنقنا ويُهدّدنا ويُحذّرنا؟ أليس هو الذّي ظلّ يسرد علينا نموذج سوريا وليبيا؟ أليس هو من حذّرنا من الخروج إلى الشّارع؟ أليس هو من اتهمنا بالأيادي الخارجيّة؟".

بالغ أويحي في استعراض مزايا الرّئيس المترشّح وثمار برنامجه على مدار عشرين عامًا، وفي تتفيه مسعى الحراك، وفي تخويف الجزائريين بالمصير السوريّ

ويرى مراقبون أنّ أويحي شريك جوهريّ للجماعة الحاكمة، وما كان لينشقّ عنها لولا علمه بانهيارها الوشيك، في ظلّ تلميح مؤسّسة الجيش إلى إمكانية أن تلعب دورًا سياسيًّا لصالح الخيارات الشّعبيّة، سعيًا منه إلى استرجاع بعض ما فقده في الشّارع، وإنقاذ مستقبله السّياسيّ، في ظلّ المرحلة الجديدة، التّي يبدو أنّها لن تتقبّل من وقف مع الرّئيس إلى آخر لحظة.