أصبح إنتاج الهيدروجين الأخضر من الملفات التي تراهن عليها الجزائر لدخول نادي الطاقات المستقبلية، فقد أصبحت تصريحات المسؤولين لدى التطرق إلى قطاع الطاقة لا تخلو من الحديث عن هذا الوقود النظيف رغم الصعوبات التي تواجه الحكومة لتنفيذ المشاريع الخاصة بها، إلا أن امتلاك الجزائر إمكانات مساعدة تتمثل في الغاز وأنابيبه زادت من تفاؤل الحكومة بالنجاح في هذه المهمة غير أن للخبراء رأي آخر في الموضوع.
البروفيسور عبد الرحمان مبتول: في حال قيام الحكومة فعلا بالخطوات اللازمة لإنتاج الهيدروجين وفق المتطلبات اللازمة، فلن يكون دخول الجزائر بقوة لهذا المجال إلا بعد 2030
يندرج اهتمام المسؤولين الجزائريين بالهيدروجين الأخضر، ضمن توجه دولي يريد الاستفادة من هذه الطاقة النظيفة، بالنظر إلى أن المختصين يعتقدون أن الجزائر بإمكانها أن تكون ضمن أهم المنتجين رغم الصعوبات التي تواجهها لتحقيق هذا الهدف. فماهي ظروف إنتاج هذه الطاقة في الجزائر وماهي الصعوبات التي تقف أمامها؟
اهتمام حكومي
أمر الرئيس عبد المجيد تبون مؤخرًا خلال اجتماع مجلس الوزراء بالشروع فورًا في تنفيذ خطة العمل المتعلقة بتطوير إنتاج الهيدروجين الأخضر، وهو ما أكد أن الحكومة وضعت الاستثمار في هذا المجال ضمن أولوياتها، بالنظر إلى أن تعليمات تبون تتقاطع مع تصريحات سابق لمختلف المسؤولين الجزائريين المعنيين بملف الطاقة.
وكان الرئيس تبون قال في الذكرى الـ66 لتأميم المحروقات المصادفة لـ24 شباط/فيفري إن الأفضلية التي تصبو إليها الجزائر في مسار التحول الطاقوي خلال السنوات المقبلة "تكمن أيضًا في إمكانية انخراطنا في أكثر الحلول المناخية نجاعة، وهو الهيدروجين، لكون استخداماته تتميز بصفر تلوث".
الهيدروجين الأخضر
وأضاف أنه "يمكننا اليوم الانخراط كفاعل أساسي في المشاريع العالمية والإقليمية للهيدروجين الأخضر"، مبينا أنّ الجزائر "تمتلك أفضل الخيارات عالميًا في هذا المضمار، بفضل العديد من الميزات والإمكانيات التي تتوفّر عليها، من إمكانات شمسية هائلة، وشبكة كهربائية واسعة، ومساحة كبيرة، وبنى تحتية وطنية ودولية لنقل الغاز الطبيعي، ونسيج صناعي، لاسيما ذلك المرتبط بإنتاج الأمونياك والهيدروجين، وكذلك الشبكة الواسعة من الجامعات ومراكز البحث".
و أعلن تبون حينها أن "الجزائر تعمل حاليًا على وضع إستراتيجية وطنية لتطوير الهيدروجين، بما في ذلك الهيدروجين الأخضر، من أجل تمكينها من الاندماج الكامل في الديناميكية العالمية المرتبطة بالانتقال الطاقوي والبيئي".
وأوضح الرئيس الجزائري أن هذا التوجه يندرج ضمن "سعي الدولة إلى تعبئة جميع مواردها وتثمينها، لاسيما الطاقات المتجددة، خاصّة وأن الجزائر، تتمتع بإمكانيات هائلة من الطاقة الشمسية ومصادر أكيدة من الهيدروجين الأخضر".
عوامل نجاح
يرجع اهتمام الجزائر المتزايد بإنتاج الهيدروجين إلى امتلاكها عناصر تساعد في تحقيق هذا الهدف، وفق ما ذكر محافظ الطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية نور الدين ياسع في مقابلة مع وكالة الأنباء الجزائرية
وقال ياسع " بفضل إمكاناتها الكبيرة من الطاقة الشمسية، ومواردها الكبيرة من الغاز الطبيعي والبنى التحتية المرافقة بها، فإن الجزائر في وضع جيد لإنتاج الهيدروجين الأخضر وربما الأزرق (انطلاقًا من الغاز الطبيعي مع التقاط الكربون وتخزينه) بتكاليف جد تنافسية".
وأشار إلى أن العديد من الدراسات التي أجراها مركز تنمية الطاقات المتجددة وهيئات بحثية وطنية ودولية أخرى، أظهرت بوضوح المزايا "الهامة جدًا" والتي يمكن للجزائر الاعتماد عليها في التحول نحو استغلال الهيدروجين، وخاصة الأخضر، كناقل للطاقة النظيفة.
وفي التفاصيل، تتمثل هذه العوامل في الإمكانات الكبيرة في مجال الطاقة الشمسية، والتي تترافق بشساعة التراب الوطني، مما يجعل من استغلال الهيدروجين على نطاق واسع مربحًا، على أكثر من صعيد، إضافة إلى توفر الجزائر على شبكة واسعة من الجامعات ومراكز البحوث، وشبكة كهرباء كبيرة، وبنى تحتية للتخزين والتوزيع والنقل، وبنى تحتية وطنية ودولية لنقل الغاز الطبيعي، إضافة إلى موقعها الجغرافي المناسب بفضل قربها من الأسواق الأوروبية، ووجود نسيج صناعي لإنتاج الهيدروجين والأمونيا.
استراتيجية ؟
رغم الإمكانيات المساعدة التي تتوفر عليها الجزائر لتكون فاعلًا أساسيًا في أنتاج الهيدروجين على المستوى العالمي، إلا أن خبير الطاقة البروفيسور عبد الرحمان مبتول لا يقدم خطابًا تفاؤليًا كبيرًا في الوقت الحالي مثل ذلك الذي يصدر عن مختلف المسؤولين الجزائريين.
وقال مبتول لـ" الترا جزائر" إن الدخول إلى مجال إنتاج الهيدروجين لن يكون بالسهولة التي يتصورها البعض، لأن الأمر يتطلب وضع إستراتيجية واضحة وعلمية من قبل الحكومة لتحقيق الأهداف التي تتحدث عنها، والتي تظلّ "غائبة لحد الآن".
وبين مبتول أن هذه الإستراتيجية لا تنحصر في مجال الطاقة فقط، إنما تشمل الاقتصاد الجزائري ككل الذي يظلّ حتى اليوم رهينة تقلبات أسعار برميل النفط.
ويرجع مبتول الذي قدم استشارات للحكومة الجزائرية ومراكز بحث خارجية في أكثر من مرة حول قطاع الطاقة موقفه إلى ما حدث مع ملف الطاقات المتجددة ككل الذي لا يزال الاهتمام بها وتطويرها مجرد شعارات حتى اليوم.
ويعتقد المتحدّث أن القيام بالإستراتيجية المطلوبة لتحريك الاقتصاد الجزائري والدخول بجدية لإنتاج الهيدروجين ينطلق من قيام الرئيس عبد المجيد تبون بتغييرات في الطاقم الحكومي، بالنظر إلى فشل بعض الوزراء في تأدية المهام الموكلة لهم كما ينبغي، وعدم قدرتهم على تقديم رؤية اقتصادية تساعد في التحرر من التبعية للمحروقات.
ويتوقع مبتول أنه في حال قيام الحكومة فعلا بالخطوات اللازمة لإنتاج الهيدروجين وفق المتطلبات اللازمة، فلن يكون دخول الجزائر بقوة لهذا المجال إلا بعد 2030، رغم وجود برنامج وطني لتطوير قطاع الطاقات المتجددة والمستقبلة يمتد من الآن حتى نهاية العقد الحالي، على حدّ قوله.
غير أن نور الدين سايع يخالف مبتول، فقد كشف في تصريحات سابقة عن التحضير لورقة طريق وطنية من طرف مجموعة عمل تتكون من وزارة الطاقة والمناجم، وزارة الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ومحافظة الطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية.
وأوضح ياسع بأن هذه المجموعة التي تأسست نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عقدت عدة اجتماعات عمل ووضعت بالفعل تقريرًا عن العناصر الأولية لإستراتيجية تطوير الهيدروجين في الجزائر، مبينًا أن ورقة الطريق ستمنح الفاعلين الجزائريين والدوليين، رؤية أوضح للسياسات والتنظيمات والإجراءات التحفيزية لصالح قطاع الهيدروجين في الجزائر.
وقال "بالنظر إلى الخصائص والمزايا العديدة التي نمتلكها في أكثر من جانب، فإن تنفيذ ورقة الطريق هذه سيجعل من الجزائر فاعلًا إقليميًا رئيسيًا في مجال الهيدروجين وخاصة الأخضر". لكن سايع يقر أن تنفيذ الجزائر لمشاريعها سيحتم عليها البحث عن شراكات مع الدول الرائدة في هذا المجال، من أجل إنجاح إستراتيجيتها لتطوير هذه الطاقة.
أخطار الهيدروجين
أما الخبير الطاقوي أحمد مشراوي، فينبه في حديثه مع "الترا جزائر" إلى أن الجانب الصعب في ولوج ميدان إنتاج الهيدروجين هو مدى القدرة على أخذ الوسائل والاحتياطات اللازمة لنقله إلى الزبائن، لما تشكله العملية من خطورة على الأشخاص، ويتوجب توفير كل الجوانب الأمنية لنقله.
وبدوره ينبه البروفيسور عبد الرحمان المبتول إلى الخطورة الأمنية التي تتمثل في نقل الهيدروجين وتتطلب توفر شبكة نقل آمنة.
عالميًا، يتفق مختصّون على أن المشكلة الرئيسية التي تظل تواجه تطوير إنتاج الهيدروجين الأخضر والتقليل من تكلفة مشاريعه هي كيفية إيصاله إلى حيث يُحتاج إليه، بالنظر إلى أن تخزين ونقل الغاز القابل للاشتعال ليس أمرًا سهلًا؛ ويتطلب توفر مساحة كبيرة، خاصة وأن الأنابيب الفولاذية قد لا تكون فعالة في نقله، لهذا السبب، سيتطلب نقل كميات كبيرة من الهيدروجين خطوط أنابيب بمواصفات خاصة، وفق ما يقول المختصون.
ولهذا السبب، يشدد محافظ الطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية نور الدين ياسع على أن التوجّه إلى إنتاج الهيدروجين يكون "من خلال شراكات إستراتيجية تسمح بحشد التمويل الضروري ونقل التكنولوجيا والخبرات، وإقامة عدة مشاريع تجريبية، من أجل تقييم ومراقبة مختلف التقنيات والتكنولوجيات المتعلقة بسلسلة القيم في مجال إنتاج الهيدروجين ، وذلك في إطار المرحلة الأولى من تنفيذ ورقة الطريق".
ولحد الآن توجد طرق محددة لنقل الهيدروجين تتمثل في نقله في شكل أمونيا عبر السفن والتي تظلّ أقل تكلفة، أو إيصاله كهيدروجين سائل أو عبر ناقلات الهيدروجين العضوية السائلة أو عبر خطوط الأنابيب التي تحاول الجزائر الاعتماد عليها، بالنظر إلى توفرها على بنية تحتية واسعة في نقل الغاز.
التعجيل بدخول الجزائر نادي المنتجين للهيدروجين أصبح أمرًا لا مفر منه إلا أن ذلك لن يتحقق في حال ما لم تتوفر الجدية الميدانية اللازمة
والأكيد أن التعجيل بدخول الجزائر نادي المنتجين للهيدروجين أصبح أمرًا لا مفر منه، إلا أن ذلك لن يتحقق في حال ما لم تتوفر الجدية الميدانية اللازمة من قبل جميع المسؤولين عن تجسيد مشاريع الطاقة لتبقى الجزائر بحق مصدرًا موثوقًا به في الإمداد بمختلف مصادر الطاقة.