14-نوفمبر-2022
والي

والي تيارت علي بوقرة يجري زيارة ميدانية (فيسبوك/الترا جزائر)

شهدت مواقع التّواصل الاجتماعيّ، في الآونة الأخيرة، ظاهرة خروج الولّاة في زيارات ميدانيّة إلى مفاصل مختلفة من ولاياتهم، ليلًا ونهارًا، بعضها مبرمج ومعلن عنه مسبقًا وبعضها فجائيّ، مرفوقين بالصّحافة المحلّيّة، وبحضور نخبة من المواطنين، بما يسمح بتصوير تدخلاتهم المباشرة مع المسؤولين والمواطنين والمكلّفين بالمشاريع. 

يعتبر الطالب الجامعي مروان بليدي أن محاسبة مسؤولين معينين  لمسؤولين منتخبين إهانة للشّعب

وبين تثمين النّقاط الجيدة وغير المقبولة في هذه الخرجات التي تطغى عليها في كثير من الأحين، لهجة تنطوي على الصّرامة والغضب والوعيد، تصل أحيانًا إلى رفع الصّوت وإلى الإهانة وإلى التّوقيف الفوري، باتت هذه الخرجات تلفت انتباه روّاد مواقع التّواصل الاجتماعيّ، فتحوّل بعض الولّاة إلى نجوم في السوشل ميديا. 

يشار هنا، أنه يوجد في الجزائر 58 واليًا، وعدد من الولّاة المنتدبين، في بعض المدن التّابعة إداريًّا لبعض المدن الكبيرة، خاصّةً الجزائر العاصمة. ويملك الوالي المعيّن من طرف الرّئاسة صلاحياتٍ واسعةً تجعله في حكم رئيس الجمهوريّة في ولايته، فهو يشرف على كلّ القطاعات العسكريّة والمدنيّة، حتّى أنّه يستطيع توقيف مسؤول منتخب. 

في هذا السياق، يلفت بعض الولاة الانتباه على مواقع التواصل الاجتماعي، منهم والي تيارت محمّد بوقرّة. ووالي باتنة محمّد بن المالك، ووالي وهران سعيد سعيود، ووالي سطيف محمّد أمين درامشي، الذّين عُرف كلّ واحد منهم بطريقة في التّعاطي مع محدّثيه، بين السّلاسة والصّرامة والفكاهة. وقد يجمع أحدهم أحيانًا بين ذلك كلّه.

ويقرأ الكاتب ناجي أمين بن باطة إقبال الجزائريّين على متابعة الفيديوهات التّي تتضمّن الخرجات الميدانيّة للولّاة، من زاوية ما أسماه "تعطّش الجزائري إلى مسؤول ملم بقطاعه، وصارم في قراره، وحريص على المصلحة العامّة، ومواجِه للفاسدين". فالمخيال الشّعبي العامّ، بحسب محدّث "hلترا جزائر"، ما يزال محتفظًا بصورة الرّئيس هوّاري بومدين بصفته نموذجًا مثاليًّا للحكم. ويبدو أن الرّئيس عبد المجيد تبّون ومحيطه أدركوا هذا المعطى، فتمثّلوا الصّورة البومدينيّة، في مسعى إعطاء الانطباع بأنّ هناك جزائر مختلفة فعلًا. 

ولا ينبغي أن نغفل، يواصل بن باطة، أنّ قطاعًا واسعًا من الجزائريّين، بدؤوا يؤمنون بأنّ هناك جدّيّةً من طرف نظام ما بعد بوتفليقة، فقط هم محتاجون إلى التّأكّد من ذلك، فوجدوا في ما يتسرّب من خرجات الولّاة نافذةً لمعرفة ذلك. والدّليل أنّ متابعة خرجات والٍ ما لا تقتصر على سكّان الولاية التّي يشرف عليها، بل شملت مواطني الولايات الأخرى، فهم يرونه ممثّلًا لتوجّه الدّولة ككلّ.

في السّياق ذاته، يقول الطّالب الجامعي والنّاشط عامر طيكوك، إنّه علينا أن ننظر إلى خرجات الولّاة في إطار تغلل الوسائط الجديدة في الحياة العامّة، "فلم يعد إخفاء زيارة مسؤول إلى الميدان ممكنًا، حتّى وإن كانت زيارةً غير معلن عنها. وليس بوسع الوالي إلا أن يكون عفويًّا، فلماذا نطالبه بالهدوء وانتقاء العبارات، أثناء وقوفه على مظاهر التأخّر في إنجاز المشاريع أو الغشّ فيها، وهو المسؤول الأوّل في الولاية؟". 

ويتساءل محدّث "الترا جزائر" بالقول: "لماذا لا نعتبر تصوير الخرجات الميدانيّة للولّاة باعتبارهم مسؤولين نافذين وتنفذيين مظهرًا من مظاهر الشّفافيّة، في علاقة الحكومة بالمواطن؟ لماذا نطالب بوضع حدّ للتسيّب والإهمال، ثمّ نعتبر صرامة الوالي مع مسؤول محلي ما إهانةً له؟ أليس هذه الطريقة ناجعةً في ردع البعض وتخويف البعض وتحريض البعض على القيام بمهامّهم باحترافيّة، حتّى ينجوا من مقصلة المراقبة المباشرة؟". 

ويتبنّى هذا الطّرحَ المواطن حسين. ن، من منطقة جعافرة شمال ولاية برج بوعريريج، بالقول إنّه عاين خروج المسؤولين المحلّيّين إلى الميدان، لرصد المشاريع المختلفة، وتغيّر لهجة تعاملهم مع المواطن، داخل وخارج المكاتب، مخافة أن يزور الوالي المنطقة، فيصيبهم غضبُه، "نحن محتاجون إلى من يضع المسؤولين عند حدودهم، لا من يتجاوز عنهم ويغطّي عليهم".

هنا، يرفض الطالب الجامعي مروان بليدي أن يحاسب مسؤول معيّن مسؤولًا منتخبًا، "ففي ذلك إهانة للشّعب الذّي انتخبه. ولنفرض أنّ المسؤول المنتخب قصّر أو أخطأ، فبأيّ حقّ يتعرّض للإهانة من طرف الوالي أمام الكاميرات؟ لماذا لا يكتفي بتطبيق القانون عليه، أو محاسبته أو معاتبته في المكتب؟". 

ويضيف محدّث "الترا جزائر": "نحتاج منظومة إداريّة وطنيّة تعمل على المراقبة والمحاسبة الآليّة باسم القانون، وليس عبر الاستعراض أمام الكاميرات، فمهما كان الوالي مجتهدًا، فهو لا يستطيع أنّ يلمّ بكلّ التّقصيرات والاختلالات والحاجات الموجودة في إقليمه". 

ولأنّ الخرجات الميدانيّة الأخيرة للولّاة  تزامنت مع الدّخول المدرسيّ، فقد كان مدراء المؤسّسات التّربويّية، في طليعة المسؤولين الذّين تعرّضوا لتوبيخات الولّاة، شكّلت بعضها تفاعلًا ونقاشًا وطنيًّين، من ذلك ما حدث بين والي الأغواط وأحد المدراء. 

وورد في تدوينة فيسبوكيّة للنّاشط عقبي مصمودي أنّ معظم الولّاة لا يُفرّقون بين مفهوم بسط هيبة الدّولة ومفاهيم الإهانة والتّهريج والتّجريح، "فلا أحد يتهرّب من فرض سلطة الدولة وهيبتها،  فذلك هو السّبيل الوحيد لتنظيم المجتمعات والسّير بها إلى مصافّ الدّول المتقدّمة. أمّا ما نراه من تهم تُطلق جزافًا وإهانات تُمارس على  المواطنين والمسؤولين الذّين هم تحت سلطة الوالي وأمام الكاميرات أمر مرفوض اجتماعيًّا وأخلاقيًّا و دينيًّا وقانونيًّا". يختم: "نحن لا نعمّم الحكم على جميع الولاة، ففيهم من يستحقّ كلّ تقدير واحترام". 

أثبتت الإجراءات العقابيّة والرّدعيّة باسم القانون الذّي أقرّته الحكومة أنّها الطّريقة المثلى لبسط هيبة الدّولة

وأثبتت الإجراءات العقابيّة والرّدعيّة باسم القانون الذّي أقرّته الحكومة، بخصوص المضاربة في السّلع واسعة الاستهلاك، أنّها الطّريقة المثلى لبسط هيبة الدّولة، وحماية المواطن من الاستغلال. وأنّ الحكومة مطالبة بتعميم هذا المنطق، بدلًا من الاعتماد على خرجات الولّاة التّي قد تجدي لحظيًّا، لكنّها لا تستطيع وحدها تطهير الحياة العامّة من مظاهر التّقصير والإهمال والارتجال والفساد.