أثارت تصريحات رئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، في التجمعات الشعبية التي قادته إلى عدّة ولايات، في إطار الحملة الانتخابية لفائدة المرشح الحرّ، عبد المجيد تبون جدلا واسعا لدى الرأي العام، وخاصة عبر الفضاء الافتراضي من ناحية، بل وسببت استنكارا لدى أوساط سياسية مقرّبة من "الرئيس" المرشح.
الانتخابات انتهت.. والفائز معروف
خاض بن قرينة خلال ثمانية أيام من الحملة الانتخابية، في عدة مواضيع، مستفزة حيناً ومثيرة للاستياء أحياناً، من مستوى أنّه قطع حبل الحملة الانتخابية وكسر جسر التجمعات الشعبية لكل المترشحين الثلاثة بقوله إنّ"النّتائج محسومة" وإنّ"المنافسة ستكون بين صاحب المرتبة الثانية والثالثة".
سياسيا، وبحسب المتابعين من المرجّح أن يكون هذا التصريح "خطير جدا"؛ لأنّه يضرّ بمداومة المرشّح الحرّ من جهة، ويضرب مصداقية الانتخاباتمن جهة أخرى، إن افترضنا أننا أمام برامج ومشاريع سياسية انتخابية يراها البعض جديرة بالمتابعة والتحقق والتمييز فيما بينها، حتى وإنّ الكثيرين علقوا بأن الأمر "صحيح محسوم لفائدة المرشح الأوفر حظا".
ولكن من ناحية الاستحقاق الرئاسي برمته، يمكن لمثل هذه التصريحات أن تنسِف مجهودات الحكومة والمترشحين الآخرين، في شخص كل من مرشح جبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، ومرشح حركة مجتمع السلم، وعبد العالي شريف حساني، في مساعيهم تشجيع المواطنين على الإقبال على مراكز الاقتراع.
بعبارة أخرى تصريحات مثل هذه يمكن أن تنسف جهد خمس سنوات عمل للرئيس تبون في حدّ ذاته، نحو اتجاه المقاطعة، وكأنّ الانتخابات انتهت قبل أن تبدأ، وكما ردد الكثيرون بأنه لا حاجة لنا بـ"تكسار الرأس".
وحول حسم الانتخابات قبل أن تُجرى، ذهب البعض إلى طرح سؤال: "هل يصدر هذا من رجل سياسي؟.
إذا كان التنافس قائم على المرتبة الثانية، فالأمر يُشجّع بالأساس على مقاطعة الانتخابات الرئاسية أكثر من أيّة عوامل أخرى، لأنّه يفسر تفسيرا في اتجاه واحد بالقول، وبوضوح للجزائريين أنّ الانتخابات انتهت قبل أن تُجرى، وليس هناك داع للذهاب إلى صناديق الاقتراع، وأنّ التصويت من عدمه سيان.
شعوذة سياسية.. العزوف ممكن
انتخابيا، هل تخدم التصريحات المثيرة للجدل لبن قرينة، الانتخابات الرئاسية المقبلة أم من شأنها أن تخلق مواقف مختلفة؟
حتى وإن لم يذكره بالاسم، إلاّ أنّ مرشّح حمس، ردّ على بن قرينة، بقوله في منتدى نظمته صحيفة "المجاهد" الحكومية الصادرة باللغة الفرنسية بأنّ الممارسات السياسية من قبل البعض تدفع على اليأس والقنوط، وتدفع أيضا إلى العزوف الانتخابي.
من ناحيته، ردّ مرشح جبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، أيضاً على رئيس حركة البناء الوطني، ودون أن يذكره بالاسم، وقال" في تجمع شعبي بولاية الشلف إنه "لا يجب أن نستمع للمتملقين والمهرجين السياسيين لأننا نحاول جاهدين لإعادة الاعتبار للعمل السياسي النبيل".
استفزازات وصدمة
يجدد بن قرينة، الذي يعرِّف نفسه بأنه: "سياسي ومفكّر استراتيجي جزائري"؛ صورة أخرى لمشاهد عاشتها الجزائر سابقا، لكنه هذه المرة، ابتعد كثيرا في خطابه أو " كلامه" غير المحسوب العواقب وبقناعته الظاهرة، بقوله:" أنه فخور بأن يكون "شيّاتاً"، أي "متزلفا"ـ أي يقدم خدمات ولو دون مقابل، وأنّ التزلف شعبة من شعب الإيمان، أنا مستعدّ لأنظف الطريق للجزائريين، " دفاعا عن دولتي وانقل المشاكل للمسؤولين، وهي تصريحات جذبت له تعليقات ساخرة ومستنكرة بل ومكفرة أحيانا.
كما أثار الجدل والنقاش مرة أخرى بقوله إنّ "الرئيس خط أحمر"، لأنّه يمثل وحدة الشعب وهذا الوطن أن "من يمس عبد المجيد تبون، فإنّه يمس فيّ وفي عرضي وفي أمي وفي زوجتي".
"ثمانية وزراء بن قرينة سبب إقالتهم"
في الاتصال السياسي يمكن أن نطرح سؤال جوهري: ماهي مهمّة بن قرينة؟ لقد ردّ رئيس حركة البناء الوطني المحسوبة على التيار الإسلامي في الجزائر في تجمع شعبي في إطار الحملة الانتخابية، بكلام خطير مفاده أنّه كان سببا في إقالة 7 إلى 8 وزراء من مناصبهم، بعدما نقل انشغالات المواطنين وشكاوي ضدهم إلى الرئيس؟
وقال: "كل وزير نشكوه للرئيس تبون يقوم الأخير بتنحيته"، بل وطلب منه الرئيس تبون ألا ينقل له شيء الآن حتى بعد الرئاسيات، في حال نال تزكية الشعب في الرئاسيات القادمة سيقوم باللّازم"، مع العلم أنه ذكر في تصريحه بأنّ التواصل بينه وبين الرئيس تبون تم قبل ثمانية أشهر.
لم تكن هذه التصريحات وليدة الانتخابات الرئاسية الحالية 2024، فسبق لبن قرينة له أن صنع الجدل كثيرا ففي سنة 2023، بأن يكون كل جزائري أن يكون "خبارجي" أي أن يكون مُخبِراً لفائدة الرئيس ومؤسسات الدولة الجزائرية لحماية الجزائر.
مُزايدة
وقبل هذا التاريخ، منذ ترشّحه في انتخابات 2019، كان بن قرينة قد أثار حينها سلسلة من التصريحات التي جعلته يحجز مكانا في المشهد السياسي لحركة البناء بعد أقلّ من عقد منذ تأسيسها.
لكن سياسيا، هل الإثارة المستمرة للجدل، تخدُم بنقرينة سياسيا واتصاليا أم العكس؟.
دائما ما تكون هناك أدوار تُلعب فالأشياء التي تتكرّر معناها أنها مدروسة، تستدعي ولا بد النقاش والتساؤل حول ملابساتها، كذلك الجدل الذي يثيره رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة بتصريحاته التي لا تمر من دون أن تحدث نقاشات بين مؤيد ورافضه لهاولمضمونها.
من جهته، يقول المحلل السياسي كريم لعلالي لـ"الترا جزائر":" في السياسة لا يمكن أن نقول أنّ الخطاب عفوي أو غير مدروس أو بعبارة أخرى نضع له حواجز، خصوصا إن تعلق بإثارة المتلقي-الجمهور- الناخبين، فالمعاني لها مدلولات أبعد بكثير، فكلّ شيء ممكن لدى البعض ومباح في عدة مناحي".
ويُمكِن وصف ما يقوم به اليوم بأنّه "استعراض قوة، واللعب على المشهدية التي تجلب التفاعل الشعبي وعلاقة المخاطب بالرئيس مثلا"، بحسب شرح أستاذ العلوم السياسية لعلالي، لافتاً في السياق ذاته إلى أنّ ذلك ما يكسبه التفاعل الجمعي- الجماهيري، لكن في المقابل من ذلك، فمثل هذه التصريحات الغريبة والمثيرة يمكن أن تؤثر على حياة أي سياسي وسيرتهم الذاتية، كما هو الأمر في مجالات أخرى إن "عرجنا هنا على تجارب السابقين من وزراء ورجال دولة ورؤساء أحزاب، فهل تزلفهم السياسي وحتى عائلاتهم أنقذهم في النهاية؟.