04-أغسطس-2021

وزير الشؤون الخارجية، رمطان لعمامرة (الصورة: فرانس 24)

لطالما عُرفت الجزائر منذ الاستقلال بدبلوماسية "إطفاء الحرائق"، ورغم تعاقب الرؤساء والحكومات على مدار العقود الأخيرة، إلا أنّ ما يُحفظ للجزائر، حفاظها على سياستها الخارجية القائمة على عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول، والإمساك بالعصا من الوسط في فضّ النزاعات العربية والأفريقية، والدفاع عن القضايا الإنسانية العادلة، على رأسها القضية الفلسطينية.

تحاوِل الدّبلوماسية الجزائرية العودة سريعًا إلى المشهد الإقليمي والسّاحة الدولية بعد سنوات من الغياب

ويمكن التذكير هنا، بموقف الجزائر الإيجابي بخصوص النزاع الإريتري والإثيوبي الذي انتهى باتفاقية السلام سنة 2000، وكذا التنويه إلى دور الوساطة الجزائرية في النزاع المالي، ضف إلى ذلك تدخّلها لحل النزاع الإيراني - العراقي سنة 1975. بالإضافة إلى الجهود الدبلوماسية الجزائرية المبذولة في إنجاز مجلس السلم والأمن الأفريقي الهادفة إلى تجسيد الاستقرار الإقليمي.

اقرأ/ي أيضًا: جولة رمطان لعمامرة.. ما علاقة عضوية إسرائيل في الاتحاد الأفريقي؟

تحاوِل الدّبلوماسية الجزائرية العودة سريعًا إلى المشهد الإقليمي والسّاحة الدولية بعد سنوات من الغياب، محكومة بظروف سياسية داخلية، قبل الحراك الشعبي في الـ 22 شباط/فيفري 2019، بسبب مرض الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وأيضًا عقب الحَراك بسبب انشغالات المنظومة السياسية بترتيبات الوضع الدّاخلي والانتخابات الرئاسية والدستورية والبرلمانية.

ولا غرابة، إذا كانت الجزائر تُراهن على إحياء دور دبلوماسي فاعِل والاستفادة من عامل الخِبرة والثِّقل التي تتوفّر لوزير الخارجية رمضان لعمامرة، فإنّ محاولات العودة هذه، تواجه مصاعب جدّية تتعلّق بتعقد الأزمات الاقليمية ودُخول قِوى وأطراف جَديدة توسَّع تأثيرها إلى المنطقة المحُيطة بالجزائر، إضافة إلى مُشكِلات داخلية سياسية واقتصادية تُعيق الدبلوماسية الجزائرية ولا توفّر لها الدّعم الكافي للعب دور يليق بالوزن الجزائري.

مواعيد دولية مهمة

المتتبّع للفعاليات الدولية، يقف على تحضير الجزائر لاستحقاقات عربية وقارية مهمّة خلال الفترة المقبلة، أبرزها القمّة العربية المؤجّلة والتي كانت منتظَرة في آذار/مارس 2020، ومؤتمر قمة أفريقية تسعى الجزائر لاحتِضانها في غُضُون العام المقبل، وهي قمم ذات أهمية قصوى على الصعيد القاري والإقليمي.

وحول هذه الاجتماعات، بإمكان الدّبلوماسية الجزائرية أن تشتغِل على تفكيك عديد القضايا الدّولية العالقة، عبر اجتماعات ثُنائية مع الشُّركاء العرب والأفارقة، وتوضيح الرّؤى ووجهات النظر حِيالها.

والمُلاحظ أنّ الدّبلوماسية الجزائرية مرّت إلى سُرعة أكبر، هذه الأيام، بعد فترة من الارتِباك السّياسي نتيجة الوضع الدّاخلي وتعقّد الأوضاع الإقليمية واختلال العلاقات بين الدّول الفاعلة في المنطقة.

وتُفسّر الجولات التي يقوم بها الوزير لعمامرة، أنّ الدّبلوماسية الجزائرية تُحاول إحياء الحضور الجزائري في المنطقة، وتبحثُ عن مداخِل جدّية كسبل عودة إلى السّاحة، ولعلّ إقدام الجزائر على استلام ملفّ أزمة سدّ النّهضة مستفيدة من ثقل دبلوماسي يحظى به الوزير لعمامرة، خُطوة تدخل في هذا السياق، على الرغم من تعقيدات هذه الأزمة وتشابُك أطرافها.

يُحيل ذلك إلى قراءة سياسية تذهب باتّجاه بحث السّلطة السياسية والرئيس عبد المجيد تبون عن منجز دبلوماسي إقليمي يصبّ في صالحه، وتكرار المنجز نفسه الذي حققه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في عهدته الرئاسية الأولى/ عندما نجح في تحقيق اتفاق سلام بين إثيوبيا وإريتيريا سنة 2000.

في هذا السياق، يعتقد الأستاذ في العلاقات الدولية عبد المجيد بودالي من جامعة باتنة شرق الجزائر، أن هذه الخطوات لرئيس الدبلوماسية من شأنها أن تُعزِّز مواقف الجزائر تّجاه القضايا الإقليمية، قائلًا في تصريح لـ "الترا جزائر" أن العامل الخارجي يبقى دوما خلفية قوة البلد، ومَدى تحقِيقها لبعض الرِّهانات سواءً على المُستوى العربي أو القاري.

وأضاف الأستاذ بودالي، أن البحث عن منجز دبلوماسي إقليمي يبقى أصعب بكثير في الظّروف الحالية والتي باتت أكثر تعقيدًا بفعل دخول قوى إقليمية مجال التأثير ومجالات حيوية بالنّسبة للجزائر، كالأزمة في ليبيا والنيجر ومالي وغيرها.

والواقع أن الجزائر أسهمت في حلحلة بعض المشكلات الإقليمية، وهذا خلال سنوات طويلة إذ "لم تغفَل فيها الدبلوماسية الجزائرية أن تكون ذات تأثير وفعل، كما أنها لم تتموقع في صفّ ردّ الفعل"، مضيفًا أنّ الفواعل الإقليمية في العلاقات الدولية، دائمًا ما تلعب دورًا في تحولات المواقف و"مدى قدرة الدول على إمالة الكفّة إليها والقيام بدورها على أكمل وجه، كدور الوساطة ومساعي المصالحة وإيجاد الحلول السلمية للمشاكل، دون التدخّل في الشؤون الداخلية للدول كمبدأ دبلوماسي، وذلك أهمّ محدِّد من  محدّدات الدبلوماسية الجزائرية".

الجوار وعامل الاستقرار

في اتجاه آخر، تُفيد بعض القراءات أن التوتُّرات الحاصِلة في بعض الدّول التي تهتمّ بها الجزائر، ليست بالسّهلة في الحلّ على المستوى القريب أو المتوسّط، خصوصًا الأزمة الليبية وما يحدث على الأرض التونسية، وهما دولتان مجاورتان للجزائر وما يحدُث فيهما بالضّرورة يؤثّر على الجزائر على أكثر من صعيد، ومن عدّة جوانب من خلفية "نظرية الدومينو" أو"انتقال العدوى" وهو ما يعني أن وجود أيّة مشكلات في هذين البلدين يؤثّر على استقرار الجزائر خاصة في علاقة مع المسألة الأمنية والاجتماعية.

وحول ذلك شرحت المختصّة في الشؤون المغاربية البروفيسور وهيبة جنادي،أن الجزائر لا يمكن لها أن "تلعب دور المتفرّج حول ما يجري في بلدان قريبة منها حدوديًا ولديها معها علاقات واقتصادية تاريخية واجتماعية"، مؤكدة في تصريح لـ "الترا جزائر" على أنّ الحالتين الليبية والتونسية، يمكنها أن تؤثّر في مواقف الجزائر وتصريحات مسؤوليها وآرائهم، سواءً في تأثيرها على المستوى الجغرافي والإقليمي وفي قراراتها أيضًا في خضمّ المحافل الدولية كالقمة العربية والأفريقية" على حدّ تعبيرها.

الداخل مؤثّر ومؤشّر

إضافة إلى ما سبق هناك معطى مهمّ في الساحة السياسية الجزائرية، إذ تبقَى المُشكِلات الدّاخلية في البلاد بالِغة التّأثير على الموقِف الجزائري الخارجي، في ظلّ أزمة مالية واقتصادية وتوتّرات سياسية داخلية، خاصة وأن بنود القوّة والثّقل الدّبلوماسي التي كانت تتّكِئ عليها الجزائر في السّابق، لم تعد وحدها كافية للتّأثير في الموقف الإقليمي.

ويذهب البعض إلى القَول، إنّ الجزائر تمرُّ عبرَ مرحَلة تركِيز لعَدِيد المؤَسَّسات الرسمية، وهي مرحلة لا زالت مُستمِرّة، بعدَما أتمَّت انتِخابات الدُّستُور الجديد ثم الانتخابات التّشريعية لتثبِيت برلمان منتخَب، بعد إجراء انتِخابات رئاسِية نهاية سنة 2019، أعقَبت حراكًا شعبيًا استمرت مسيراته لأزيد من 125 أسبوعًا.

هناك عوامل داخلية من شأنها أن تُشتّت الجهود السياسية في الجزائر أهمّها الأزمة الصحية التي تواجهها البلاد والعالم أجمع

ولكن، هناك عوامل داخلية من شأنها أن تُشتّت الجهود السياسية في الجزائر، أهمّها الأزمة الصحية التي تواجهها البلاد والعالم أجمع، إذ ترمي الحكومة بكامل ثقلها لمكافحة الوباء وتخصيص أغلفة مالية لتوفير إمكانيات مادية وتحفيز الكوادر الطبيّة لذلك، في مقابل ذلك، تبقى الحلول المنتهجة لقضايا وأزمات خارجية تحتاج إلى رصيد سياسي مهمّ لاستتباب الأمن في المنطقة أولًا، وحلحلة النّزاعات الإقليمية ثانيًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تحرّكات دبلوماسية لوزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة

لعمامرة يلتقي رئيسة إثيوبيا في ثاني محطة أفريقية له