15-سبتمبر-2020

في أحد أجنحة معرض الجزائر الدولي للكتاب (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

هل يُمكننا الحديث عن "دخول أدبيّ" في الجزائر في ظلّ غياب ثقافة المطالعة؟ سؤالٌ يتكرّر في مثل هذا الوقت من السنة، وسط المثقفين والأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي في البلاد، بالتزامن مع غياب منظومة حقيقية وفعالة تُعنى يإنتاج ونشر وتسويق الكتاب.

أدّت الظروف الاستثنائية التي فرضها تفشي وباء كورونا إلى حجب مختلف التظاهرات والفعاليات 

إضافة إلى كلّ ما سبق، أدّت الظروف الاستثنائية التي فرضها تفشي وباء كورونا وتمديد فترات الحجر، وصعوبة تطبيق إجراءات الوقاية في ظلّ تخفيف الحجر تدريجيًا، إلى حجب التظاهرات والفعاليات المختلفة، فخَبَتِ النشاطات الثقافية والأدبية، وصار سوق الكتاب المُحتضَر في حالة شللٍ تام، وأُجِّلت المعارض والنشاطات إلى مواعيد غير معلنة، على رأسها معرض الكتاب الدولي "سيلا" الذي يعد من أهمّ التظاهرات الأدبية في الجزائر.

اقرأ/ي أيضًا: تأجيل الطبعة الـ 53 لمعرض الجزائر الدولي للكتاب بسبب كورونا​ 

نسخة افتراضية

كان من المفترض أن يتم تنظيم معرض "سيلا" التزامًا برزنامة معتادة تخضع لتنسيق دولي بين معارض الكتاب العالمية كل سنة، إذ يكون من الصعب تغيير موعده أو إلغاؤه.

معرضٌ يضمّ كل سنة عددًا كبيرًا من دور النشر المحليّة والأجنبية، ويستقطب أكثر من مليون زائر سنويًا حسب إحصائيات رسمية، لكن مع هذا أُلغي منذ بضعة أسابيع بقرار من وزارة الثقافة، وعُوّض بنسخة افتراضية  حسب ما جاء في تصريح لمدير دائرة الكتاب والمطالعة بوزارة الثقافة جمال فوغالي، الذي قال عبر وكالة الأنباء الجزائرية إنّ "قرار تنظيم نسخة افتراضية للطبعة الـ 25 من معرض الجزائر الدولي للكتاب، والتي لم يحدد موعدها بعد، جاء بعد تشاور مع ممثلي دور النشر المحليّة، ومسؤولين بالوزارة".

من جانبهم، يعتبر مهتمون بالنشر والكتاب في الجزائر، محاولات تعويض الفراغ الذي سيخلفه إلغاء المعرض الدولي عبر نسخة  افتراضية تبنتها الوزارة الوصية، بُغية جَبرِ هذا الكسر، خاليةً من حلول ناجعة وشافية، إذ أن سوق الكتاب والنشر يشتكي بالأصل من عللٍ كثيرة استمرّت لسنوات، ما يجعله بحاجة ماسة لعلاج عميق وطويل الأمد عبر سياسات إصلاح جادة ومدرسة، وهو ما طالب به رئيس المنظمة الوطنية لناشري الكتب السيد قلاب ذبيح في حوار صحافي  سابق، وأكّد من خلاله قيامه بمراسلة الوزير الأوّل، وتواصله مع وزارة الثقافة ممثلة بالوزيرة ومستشاريها، حيث دعا إلى إنقاذ هذا القطاع الاستراتيجي، ليس على المستوى الاقتصادي فحسب، بل على المستوى الثقافي والاجتماعي وحتى الهويّاتي، لكن لا يوجد شيء ملموس مُذ ذلك الحين حسب قوله.

هل سيكون فيروس كورونا سببًا في دخول أدبي باهت؟ أم أن الوضع الراهن هو امتدادٌ لركود أدبي طال أمده، وتمديدًا لفترة الموت السريري التي وقعت تحت رحمتها ثقافة الكتاب في الجزائر؟

 الترويج للكيتش 

هنا، يعتقد الباحث ميلود حكيم في حديث لـ "الترا جزائر"، أن الدخول الأدبي فكرة صاغتها الثقافة الفرنسية بالخصوص، وهي مرتبطة حسبه بالترويج التجاري للكتب، وبالمسابقات الأدبية وجوائزها التي توزّع في نهاية كل سنة وبداية السنة الجديدة، فيحدث تنافسٌ بين دور النشر والآلات المروّجة لها.

يضيف ميلود حكيم أن هذا التقليد الثقافي، بقدر ما أفاد الأدب والفكر والثقافة، ساهم من جانب آخر في تغليب الأبعاد التسويقية والإعلامية على حساب المنتج الأدبي والفكري الحقيقي الذي لا يستجيب بالضرورة للنزعة التجارية المغالية، وساهم في تتفيه الكتابة ونشر كتب سطحية وبسيطة تروج للكيتش الثقافي وللبهرجة وتعميم الجهل، حتى صارت الكتب التي تدعو للفضائحية والعنصرية والخطاب السياسي الغبيّ، واعترافات الشخصيات القادمة من كل فج هي الغالبة والرائجة حسب قوله.

في السياق ذاته، أشار المتحدّث إلى "وجود تعميم لسلطة التفاهة والربح ما جعلها المظهر المشوه للثقافة، حيث صرنا نسمع حسبه، عن موت الأدب وموت الفكر والفلسفة لهذه الأسباب، لتبقى هذه الظاهرة حاضرة بوصفها علامة على تراجع الإبداع الحقيقي".

لهذا لا يمكن الحديث عن دخول أدبي في الجزائر، يقول حكيم، "لأنّ صناعة الكتاب والنشر عندنا متخلفة، وإن حاول البعض ربط الدخول الأدبي بمعرض الكتاب الدولي الذي ينظم نهاية تشرين الأوّل/أكتوبر وبداية تشرين الثاني/نوفمبر من كل سنة، ويأخذ شكل احتفال غير معلن بالكتاب، وتنظم فيه نشاطات على هامشه للترويج لبعض الكتب الجديدة، ليسارع الكتاب الذين يختفون في بقية السنة للترويج لأعمالهم، لهذا لا يمكن الحديث عن دخول أدبي ما لم تتوفّر له الشروط الضرورية".

دخول أدبي باهت

من جهتها، قالت الصحافية المختصّة في الشأن الثقافي حياة سرتاح، في حديثها إلى "الترا جزائر"، إن الجزائر لا تعرف دخولًا أدبيًا بمفهومه المتعارف عليه، بل هو مرتبط حسبها على مدار سنوات بتنظيم معرض الجزائر الدولي للكتاب الذي اعتبرته فرصة لالتقاء الكتاب والناشرين مع الجمهور، لهذا يرفض كثير من المثقفين الاتفاق على مصطلح "الدخول الأدبي في الجزائر" في كل سنة.

في هذا السياق، ترى محدّثة "الترا جزائر"، أن الحظ متاحٌ للناطقين باللغة الفرنسية، إذ انفتحت دور النشر التي تُعنى بهم وتأثرت بنظرائهم الفرنسيين الذين يملكون أحد أشهر المواسم الأدبية على الإطلاق في العالم حسبها، لتُسَخِّر المكتبات والفضاءات الثقافية لأسابيع أروقتها بغية الحديث عن الثقافة والنشر والكتّاب، سواءً هنا في الجزائر (مكتبة العالم الثالث مثلًا)، أو في فرنسا بتنسيق مع دور نشر فرنسية (تجربة دور النشر: البرزخ، القصبة، الشهاب).

سبب آخر، تضيفه الصحافية حياة سرتاح، إلى جملة الأسباب التي أدت إلى تراجع سوق الكتاب، وهو إغلاق نافذة الدعم الثقافي الحكومي، وتوقف صندوق دعم الكتاب منذ تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015، أمورٌ صعّبت على أغلب الناشرين الاستمرار في طبع العشرات من الكتب سنويًا كما في السابق، حيث كان يتكفّل الكاتب بنفقات طباعة الكتب بنفسه، وبحلول وباء كورونا، أصبحت خطوة طبع كتاب جديد ووجوده في المكتبات خطوة غير محمّسة لكثيرين حسبها.

تتوقّع سرتاح أن يُؤجل أغلب الكتاب طرح أعمالهم الجديدة هنا بالجزائر، للأسباب التي ذكرتها سابقًا، إضافة إلى نقص التوزيع وقلة الإقبال وغياب رؤية واضحة حول المواعيد الثقافية الكبيرة التي يمكن أن يلتقي فيها الكاتب بالقارئ، سواءً عبر معرض الكتاب المؤجل لغاية الآن، أو تعويضه بفضاءات أخرى مستقبلًا كاللجوء إلى معارض بالمكتبات الكبيرة بأغلب الولايات.

مشاريعٌ تتشبث بأمل التّغيير

تُعدّ دار "الوطن" للنشر والتوزيع لصاحبها كمال قرور، من بين المشاريع المستقلّة التي تؤسّس لثقافة متفردة في الساحة الأدبية، كما تُحاول تأثيث مشهد مستقلّ ومختلف للنشر الأدبي والتعليمي في الجزائر. في هذا الموضوع، حدثّنا قرور عن اختلاف نظرته للكتاب، حيث تؤسس الدار لاستراتيجية تجعل من القراءة جزءًا من يوميات الجزائري مثل الخبز والحليب والهواء، لذلك رفعت شعار 365 يومًا للكتاب، على حدّ قوله.

يُضيف  قرور، أن طاقم دار "الوطن" يعمل جاهدًا للذهاب إلى القارئ ولا ينتظر قدومه، حيث غامرت هذه المؤسسة بفتح نقاط بيع كتبها على طول الطريق السيار في محطات خدمات نفطال، حيث كانت التجربة موفقة حسبه، بالإضافة إلى تجربة المعارض داخل الجامعات.

وعن تجربة دار النشر، يقول صاحبها إنه تم التخطيط لدخول فضاءات جديدة تزامنًا مع الدخول الأدبي ليتمكّن الجمهور من ارتيادها، اعتمدت على توصيل الكتب للقراء في الولايات عبر البريد، وباستغلال كل وسائل النقل، لكن جائحة كورونا أجهضت كل شيء حسبه.

في هذا السياق، يعتقد كمال قرور أن العودة للنشاط حاليًا تتسم بالكثير من الحذر والخوف، في انتظار فتح الجامعات وانطلاق المعارض المحليّة والجهوية، لأن الخسائر كانت كبيرة، كما أشار إلى أنه سيتم الإعلان عن المتوّجين بمسابقة الرواية التاريخية التي أطلقها دار "الوطن" نهاية العام الماضي، مثلما أطلقت من قبل مسابقة القراءة والتلخيص والقصة القصيرة.

يكشف محدّث "الترا جزائر"، عن إطلاق نسخة إلكترونية لمشروع "الدليل الوطني للقراءة"، والذي لقى حسبه ترحيبًا كبيرًا من قبل المثقفين والإعلاميين والأسرة التربوية، حيث "أشرفت على إعداده أكثر من 100 شخصية ثقافية وجامعية وتربوية وإعلامية، وذلك باقتراح 100 كتاب في الثقافة الجزائرية والعربية والغربية، ليتمكّن أبناء المدارس من الإبتدائي إلى الثاوي من الاطّلاع عليها".

يأمل الناشر كمال قرور أن تُدرج مادة القراءة إجباريًا في امتحان البكالوريا، ليُمتحن فيها كل الطلبة بتخصّصاتهم المختلفة، وبهذا الإجراء، "يتم تكريس العمل على بلوغ مستوى ثقافي واحد لأبنائنا، وترسيخ القراءة كسلوكٍ يوميٍّ في حياتهم، لصنع قارئ حقيقي يستهلك الكتاب بنهم".

يأمل الناشر كمال قرور أن تُدرج مادة القراءة إجباريًا في امتحان البكالوريا

بالعودة إلى تأثير الأزمة الصحيّة على الوضع العام في البلاد، لا يشّكل تأخّر افتتاح الدخول الأدبي في الجزائر الاستثناء، فقد مسّت جائحة كورونا كل القطاعات تقريبًا، وتبقى عودة الحياة الاجتماعية إلى حركتها العادية، بحسب تصريحات رسمية، مرهونًا بقرارات اللجنة الصحية في البلاد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

معرض افتراضي.. وزارة الثقافة تدرس بدائل لـ "سيلا"

إشكالية النشر والقراءة.. أزمة كورونا تشدّد الخناق على الكتاب