تحدّثت الروائية الجزائرية جميلة طلباوي، في مقابلة مع "الترا جزائر" عن تجربتها في الكتابة الأدبية، وعملها الإذاعي، ومشاريعها، دون أن تكون مسيرة إبداعها منفصلة عن فلسطين، التي يقاوم أبطالها بكل عزم وشهامة الاحتلال الإسرائيلي، كما قدّمت رأيها بخصوص دور المثقفين العرب في القضية.
صاحبة "وادي الحنّاء" لـ"الترا جزائر": التاريخ لن يرحم المثقف الذي سكت بشأن فلسطين في هذه المِحنة
قالت جميلة طلباوي عقب مشاركتها في ندوة "المرأة تكتب روايتها"، التي جرت ضمن البرنامج الثقافي لمعرض الجزائر الدولي للكتاب في طبعته الـ26، إنّ "مداخلتها تمحورت حول تجربتها الروائية خاصة وأنّها تشتغل على تيمة الفضاء الصحراوي."
من "الخابية" إلى "الغار"
وأضافت طلباوي: "ركزت على تلك الرؤى التي انطلقت منها في كتابة رواية "الخابية" التي تتحدث عن قصر ولاية بشار (الجنوب الغربي للجزائر) وليس قصر ملوك أو سلاطين، وهو عبارة عن تجمع سكاني يحفظ ذاكرة المنطقة ويحفظ خصوصياتنا كجزائريين في ظل العولمة."
وتابعت قولها: "وتحدثت عن "وادي الحناء" التي انطلقت فيها من العشبة الجميلة التي تسحرنا بلونها وهي صديقة المرأة، ولا تعطينا ذلك اللون الجميل إلاّ عندما تجفف وتسحق سحقًا، كذلك هو الإنسان عندما تسحقه الظروف يعطينا أجمل ما لديه، هذا هو الإنسان الذي نريد لا تكسره الظروف، ولا يكون أقلّ من نبتة الحنّاء."
وعن عملها الأدبي "قلب الإسباني"، أوضحت أنّ حكايته تدور حول جزائري هاجر إلى إسبانيا وأجريت له عملية جراحية وزرع له قلب إسباني عاش به، زوجته إسيانية، ويحمل في ذاكرته الجزائر وذاكرة الأندلس، واعتبرته مزيج مربك."
تواصل طلباوي سرد تجربتها الإبداعية، قائلة عن عملها "الغار.. تغريبة القندوسي" إنّه " كان نقلا لمعاناة أبناء القنادسة (ولاية بشار) إبّان الاحتلال الفرنسي للجزائر (1830-1962)، من خلال مأساة منجم الفحم الحجري الذي أضاء أوروبا وجعل "القنادسة" أوّل مدينة يشتعل فيها مصباح، لكن كان ذلك على حساب أبناء المدينة."
وعلى ضوء هذه الأعمال، والتوازن الحاصل بين موضوعاتها على صعيد الكتابة عن الرجل والكتابة عن المرأة، ردّت المتحدثة أنّ " ذلك حدث دون قصد، جاء صدفة، وجدت نفسها تكتب عن المرأة في "وادي الحنّاء"، وعن الرجل في "قلب الإسباني"، كما وجدت بطلها في "الخابية" وفي "الغار" رجلًا ولكن بجانبه امرأة هي أمّه..أي في كتابات جميلة طلباوي هناك نصيب للرجل ونصيب للمرأة وفق قولها.
بين الإذاعة والكتابة الروائية
وفي سياق حديثها حول الإبداع الإذاعي والروائي" وأيهما أثر في الآخر، اعتبرت ضيفة "التراجزائر" أنّها كانت محظوظة جدا ككاتبة تعمل في الإذاعة (إذاعة بشار الجهوية)، لكن الكتابة بدأت أولا، بحيث التحاقها بالعمل الإذاعي سنة 1991 جاء بعد فوزها بجائزة القصة القصيرة في المسابقة التي نظمتها جمعية "أحمد رضا حوحو" (تحمل اسم الأديب الجزائري الراحل رضا حوحو)، وكانت حينها طالبة جامعية، لكن مدير الإذاعة آنذاك بعد استمع إلى صوتها اقترح عليها الانضمام إلى الإذاعة.
وأشارت في معرض حديثها إلى أنّها وجدت نفسها تعمل في الإذاعة رغم رفض أمّها في البداية حتى لا تخلّ بدراستها، ولكن شغف والدتها ببرامج الأثير، جعلها تعشق حصة "ماما نجوى" للأطفال، وبرامج المرأة، وبرامج الأدب.
ولفتت طلباوي إلى أنّ جولاتها الإذاعية مكنّتها من التعرّف عن كثب على مدينتها بشار، على أسرار قصورها، وعلى أسرار رمالها، أسرار الصحراء...إلخ.، لكن لم تخف أنّه بالإضافة إلى قراءاتها المتنوعة والمطالعة، كان للإذاعة دور في تجربتها الإبداعية.
"رضعت حبّ فلسطين في حليب أمّي"
وبخصوص قضية الراهن، وما تعيشه فلسطين وخاصة قطاع غزّة، من جرائم بشعة يقترفها الصهاينة، أكدت صاحبة "وادي الحنّاء" طلباوي قائلة: "رضعت حبّ فلسطين في حليب أمّي، في مراهقتي كنت أعشق كثيرًا فدوى طوقان، قصيدتها "مع لاجئة في العيد" كانت تسحرني، كنت أردّدها وحدي،.."أترى ذكرت مباهج الأعياد في "يافا" الجميلة؟، هذا المقطع كأنه جرح داخلي."
وأردفت: "لذا من الطبيعي أن نتضامن مع فلسطين، كنت في الجامعة أؤلف مسرحيات حول القضية الفلسطينية، كنت مع الزملاء نمثل في المسرح الجامعي ونؤدي أدوارا مختلفة تتعلق بالقضية والمقاومة الفلسطينية، في حياتنا اليومية ندعم القضية الفلسطينية سواء بالنشر الإكتروني، لإيصال صوت فلسطين إلى العالم ولنقول للفلسطينيين نحن معكم، نحن مع فلسطين "ظالمة أو مظلومة"، هذه عقيدتنا ورثناها عن الرئيس الراحل هواري بومدين، فلسطين حاضرة بالأعلام في مباريات الكرة في ملاعبنا.. فلسطين في قلوبنا دوما."
فلسطين في عيون المثقفين
وفي ردّها حول رأي المثقف الجزائري وتفاعله مع العدوان على غزّة، شددت على أنّ "هذه المحنة التي تمرّ بها غزّة لم تشهدها الإنسانية، وأنّ هذه الجرائم التي يقترفها الصهاينة، بينت أنّ المثقف الجزائري في مستوى القضية."
وفي السياق، وجهت جميلة طلباوي شكرها للقائمين على صالون الجزائر الدولي للكتاب الذين أعلنوا عن تضامنهم مع فلسطين ومساندتهم لغزّة، ببرمجة نشاطات ثقافية تتناول القضية وتخصيص فضاء يحمل اسم "غزّة" تقام فيه الندوات والأمسيات الشعرية وجميعها موضوعه فلسطين.
ولم تغفل أن تشير إلى الدور الذي لعبه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذين كان قد جمع الفصائل الفلسطينية على أرض الجزائر في لقاء تاريخي، توّج بتوقيع "إعلان الجزائر" للمصالحة.
وبخصوص من تخلّف عن نصرة غزّة والقضية، من المثقفين سواء الجزائريين أو العرب، أجابت طلباوي: "أشفق عليهم، من لم يعبّر عن رأيه في هذه المرحلة لن يرحمه التاريخ سواء كان مثقفا جزائريا أو عربيا أو أيّ إنسان كان في العالم."
وبالرغم من أنّ أغلب المثقفين مساندين لفلسطين، غير أنّها سجلت تحفظا بخصوص تراجع تأثيرهم في المشهد وقالت: "المثقف العربي بصفة عامة اليوم لم نعد نسمع له صوتا عاليا كما كنّا نسمعه عندما يتحدث محمود درويش، مثلا، أعتبرها سقطة من المثقفين، الروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله قال جملة مهمة جدا في ندوته بصالون الكتاب: "كي تكتب عن فلسطين يجب أن تكتب نصا جيدا أو لا تكتب.؟."
جميلة طلباوي، التي سكنها حب فلسطين في الطفولة، خصصت في إبداعها حيّزا للقضية، فقد كتبت عن فلسطين قصصًا قصيرة، كما أنّ محاولاتها الشعرية الأولى في بداياتها الأدبية كانت حول فلسطين."
وفي ختام اللقاء، كشفت جميلة طلباوي ابنة مدينة بشار أنّها تشتغل على رواية حول الفضاء الصحراوي، ستصدر قريبا، وقصتها تنبش في الذاكرة حول التجارب الكيميائية الفرنسية (خلال فترة الاحتلال) في وادي ملس بولاية بشار.
جميلة طلباوي، من مواليد ولاية بشار، خريجة جامعة بشهادة مهندس دولة في الميكانيك-تركيب حراري، روائية وشاعرة وقاصّة، صدرت له مجموعة من المؤلفات من بينها "شظايا" مجموعة شعرية (2000)، "وردة الرمال" رواية (2003)، "شاعر القدر" رواية قصيرة (2006)، "أوداع الذاكرة" رواية قصيرة (2008)، "الجابية" رواية.. وغيرها.