09-نوفمبر-2019

فرقة جنود من الجيش الجزائري (تصوير فاروق باتيش/ الأناضول)

أظهرت حادثة استشهاد عسكريين خلال عملية عسكرية في منطقة الداموس بولاية تيبازة، 160 كيلومتر غربي العاصمة الجزائرية، وجود تعاطف كبير مع قوّات الجيش العاملة في الميدان لمكافحة الإرهاب واستتباب الأمن، تجسّدت في تفاعلاتهم مع هذا الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي، وإبداء التفافهم حول المؤسّسة العسكرية.

ارتبط الجيش بالنسبة للجزائريين بالدفاع عن الوطن، وتعدّاه إلى ارتباطه بكل العائلات الجزائرية في مختلف المدن والقرى

مع كلّ حادث مأساوي يتعرّض له أفراد الجيش الوطني الشعبي، تبرز حالة إجماع لدى الجزائريين حول الجيش كمؤسّسة محورية وركيزة أساسية للدولة، إذ تجسّدت مؤخّرًا في حملة تعاطف كبيرة مع عائلات العسكريين الذين استشهدوا في عملية الداموس، كما في غيرها من العمليات والحوادث الأمنية السابقة، وأظهرت تلاحمًا طبيعيًا وحميميًا بين الجزائريين والجيش، وهو ما ترجمته الشعارات التي ظهرت في بداية الحراك الشعبي أهمّها:" الجيش الشعب خاوة خاوة".

اقرأ/ي أيضًا: دوافع تدخل الجيش في السياسة

ارتبط الجيش بالنسبة للجزائريين بالدفاع عن الوطن، وتعدّاه إلى ارتباطه بكل العائلات الجزائرية في مختلف المدن والقرى، فالثابت أن عناصر الجيش الجزائري هم من أبناء العائلات الفقيرة ممن يرون في الجيش ملاذًا لهم لمواجهة الفقر، مثلما أكدته الإعلامية نرجس كرميش، مستطردةً أن "الجيش ملاذُ للفقراء، وكثير ممن يلتحقون بصفوفه هم أبناء الطبقات البسيطة، القادمون من الأرياف والقرى"، حيث "يحلم كل شاب بأن يلبس الزيّ العسكري ليُخرج عائلته من الفقر وتكون له مكانة اجتماعية معنوية".

في الأزمة الأمنية التي عرفتها الجزائر، لم تتوقّف عمليات الالتحاق بصفوف الجيش رغم المخاطر الأمنية، بحسب كرميش، لافتةً إلى أن"العسكريين كانوا مستهدفين من طرف الجماعات المسلّحة، ولحدّ الآن ما زال الفقراء ينخرطون في صفوفه".

فرقاء السياسة

بخلاف هذا الإجماع حول الجيش كمؤسّسة حيوية، لها امتداد في أوساط المجتمع في كل فئاته ومستوياته، يبرز انقسامٌ شعبيٌّ وسياسي إزاء المواقف والقرارات السياسية التي تتّخذها قيادة الجيش؛ حيث يرفض جزءٌ كبير من المجتمع المدني والسياسي والشعب استمرار هيمنة الجيش على صناعة القرار، والتدخّل في الشأن السياسي وتحديد مسارات معيّنة، يقول الباحث في العلوم السياسية لونيس خلف الله في حديث إلى"الترا جزائر"، موضّحًا بأن "تجارب سابقة في هذا السياق انتهت بالجزائر إلى محطّات مأساوية، كأزمة التسعينات التي تدخّل فيها الجيش بتوقيف المسار الانتخابي، ما أدخل البلاد إلى متاهة صعبة كلّفت الجزائر 200 ألف قتيل وآلاف المفقودين حسب تقديرات منظّمات حقوقية".

يتمظهر الانقسام إزاء الموقف السياسي للجيش؛ في رفض مسيرات الحراك الشعبي يومي الثلاثاء والجمعة لتدخّل الجيش في الشأن السياسي، وفرضه خيار الانتخابات، دون إتاحة الفرصة لبناء توافقات وطنية.

في قراءة لذلك يعتقد الباحث في علم الاجتماع السياسي عبد الله مخناش أن المسيرات "وسيلة لرهن كلّ المقترحات والمبادرات السياسية من طرف الجيش، ورفع الثقل السياسي عنه، خاصّة وأنّ الجزائر لن تخرج من الأزمة الحالية سالمة من كل النواحي"، يضيف المتحدّث، موضحًا أن الجزائر ستعرف ارتدادات سياسية فيما يتعلّق بالعملية الحزبية والفعل السياسي، فضلًا عن مشاكل اقتصادية واجتماعية تنتظر الحلّ أيضًا، وهو ما يُعتبر عبئًا على المؤسّسة العسكرية، أكثر من ما هو فعلٌ لمرور الجزائر نحو حل الأزمة الحالية، منذ استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

جدلية الجيش والسياسة، لا زالت تطرح بإلحاح في الظروف السياسية الكبرى، لهذا برزت رؤى مختلفة حول تدخّل الجيش في العملية السياسية، والموقف الأساسي حول الانتخابات، إذ تشهد الأخيرة انقسامًا واضحًا في وجهات النظر بين رافض لإجرائها بهذه الطريقة، وبين داعٍ للذهاب نحو انتخاب رئيس الجمهورية وبعدها القيام بالتغييرات التي يمكنها أن تُحدث القطيعة مع فترة حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، طيلة 20 سنة، وهو ما يُلقي بالمؤسسة العسكرية في واجهة حلّ الأزمة أو في ثنائية (الأزمة/الحلّ)، وبين إيجاد توافقات قبل الانتخابات واستقالة حكومة نور الدين بدوي، ومختلف الوجوه التي ترمز لنظام الرئيس السابق، مثلما يدعو الرافضون من نشطاء الحراك الشعبي. 

ورقة الشارع

في المقابل، ظهرت في الفترة الأخيرة محاولة السلطة استعادة الشارع من خلال الدفع بمسيرات شعبية تبدو عفوية في ظاهرها، تدعم المسار الانتخابي والجيش في شعاراتها، وعلى الرغم من أن هذه المسيرات تبدو محتشمة، إلا أن السلطة تدفع إلى تعميمها في كل الولايات وإخراج أنصارها الداعمين اقتناعًا أو بدافع إلى الشارع لإحداث توازن مع مسيرات الحراك الشعبي.

 نُظّمت في مدينة بسكرة جنوبي الجزائر مسيرة لدعم المؤسّسة العسكرية، رُفعت خلالها صور لقائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح

مدينة الجلفة، كانت أوّل مدينة تجري فيها مسيرات داعمة للجيش والانتخابات وضدّ المرحلة الانتقالية قبل شهرين، لكن تلك المسيرة أخفقت، قبل أن تشهد مدينة وهران الأسبوع الماضي مسيرة شعبية على هامش ندوة للزوايا والطرق الدينية، عقدت في وهران غربي الجزائر. كما شهدت ولاية وادي سوف مسيرة مماثلة داعمة للجيش والانتخابات، وفي مدينة بسكرة جنوبي الجزائر أيضًا، نُظّمت مسيرة لدعم المؤسّسة العسكرية، رُفعت خلالها صور لقائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح ووزير العدل بلقاسم زغماتي. وعلى الرغم من تفاوت التجاوب مع هذه المسيرات، إلا أنها تُعبّر عن رؤية مغايرة لما هو موجود في الساحة، مع 76 مسيرة شعبية كل يومي جمعة وثلاثاء، منذ بدء الحراك الشعبي، وهي بذلك تعطي قراءات متجدّدة لما سيحدث في الشارع في قادم الأيام، ومن سيربح الورقة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"العصابة" أم الجيش.. من هو صاحب القرار في الجزائر الآن؟

مخاوف الحراك الشعبي من الالتفاف والعسكرة.. هل من مبرر؟