30-أبريل-2019

رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح (أ.ف.ب)

عقدان من الحكم عمل عبد العزيز بوتفليقة خلالهما على عزل المؤسسة العسكرية من المجال السياسي دون جدوى. لم يكن للرجل مبررات وقناعات سياسية تمهد الطريق نحو تمدين الدولة أو الانتقال إلى دمقرطة النظام السياسي، بل لوجود حساسية شخصية وتاريخية تجاه المؤسسة التي أبعدته عن حلم الرئاسة سنة 1978، أين كان عبد العزيز بوتفليقة المرشح الأكثر حظًا في تولي إدارة البلاد بعد وفاة هواري بومدين.

ميزانية الجيش التي تقدر بـ10 مليار دولار، تمد مؤسسته بعناصر القوة والنفوذ للعمل على تقويض صلاحيات السياسي-المدني

بعد الاستقالة، أو إقالة عبد العزيز بوتفليقة، في الثاني من نيسان/أبريل 2019، عاد الحديث عن دور المؤسسة العسكرية في المجال السياسي، ليثير النقاش والحوار بين الفاعلين السياسيين حول: لماذا يقتحم الجيش مجال ليس محل تخصصه؟ لماذا تتحمل المؤسسة العسكرية بصورة علانية مرافقة العملية الانتقالية؟ و لماذا تدعو الأحزاب السياسية الجيشَ إلى المرافقة في الانتقال الديمقراطي؟

اقرأ/ي أيضًا: هل مرافقة الجيش للحراك الشعبي مجرد ادعاء؟

أعتقد أن هناك جملة من المبررات والمعطيات الموضوعية والتاريخية، التي يمكن أن تقدم لنا أجوبة محتملة لهذه التساؤلات:

1. الميزانية العسكرية

تقدر ميزانية وزارة الدفاع الوطني بـ10 مليار دولار. وتشكل هذه الميزانية عاملًا هامًا في تزايد ميل المؤسسة العسكرية في توريط نفسها في العملية السياسية، فهذه الميزانية الضخمة تجعل البحث عن الاستقلالية السياسية هدفًا ومقصدًا، وتفسح المجال للهروب من الرقابة المدنية. 

يمد هذا الجانب المالي المؤسسة بعناصر القوة والنفوذ للعمل على تقويض صلاحيات السياسي-المدني، بالإفلات من رقابة المؤسسات المدنية، التي قد لا تتقاسم مع الجيش نفس المخاوف والهواجس الأمنية.

إذًا فتقليص الميزانية العسكرية قد يحدث فجوة مع المؤسسات المدنية السياسية، وينطبق الأمر حتى على الجمهوريات الأكثر ديمقراطية، على سبيل المثال: استقالة قائد الأركان الفرنسي دو فيلييه بعد خلاف مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على خلفية خفض الإنفاق الدفاعي لميزانية 2017.

2. التركيبة الاجتماعية العسكرية

عامل آخر قد يفسر التدخل العسكري في الشأن السياسي، بالاستناد إلى البنية الاجتماعية للجيوش الوطنية، فهي ليست جيوش ملكية، أو تستند إلى دعمٍ إقطاعي أوليغارشي، حيث تتقاسم الرؤى الوطنية والانشغالات الاجتماعية نظير ارتباطها بالأوساط الاجتماعية والطبقات المتوسطة والدنيا، فاشتغال العسكري بالسياسة قد يكون من باب "الالتزام الوطني" تجاه الدولة، فيحرص الجيش على إقامة تحالفات مع أحزاب تقليدية تاريخية، تنتمي إلى نفس المساق الأيديولوجي والطبقي. 

3. الجذور التاريخية في التكوين السياسي

تدخل الجيش في السياسة له جذور تاريخية، عملت على تكوينه كفاعل سياسي أكثر منه عسكري. لقد عرف ميلاد الدولة الوطنية عملية التحديث السياسي والمؤسساتي، وكان الجيش جزء لا يتجزء من عملية بناء الدولة.

وتعزز الأمر في عهد هواري بومدين، بالمادة 82 من دستور 1976، التي تنص على أن "الجيش أداة الثورة في تنمية البلاد وتشييد الاشتراكية". وقد ساهم الجيش فعلًا في تنمية البلاد، لذا فقد كان فاعلًا أساسيًا في دولة الاستقلال.

يقال إن الجيش بنى الدولة، وهذا ينطبق على دولة الاستقلال بعد التحرر الوطني، لكن تحولات مجتمعية عميقة حصلت على مستوى النخبة السياسية وصعود المجتمع المدني كبدائل قوية قادرة على إدارة الدولة الوطنية، ما جعل الفجوة تتسع بين الجيش وطموحه السياسي.

على المؤسسة العسكرية البحث عن الأطر العصرية التي تسمح لها بالمشاركة في البناء الوطني بآليات أكثر شفافية ووفق المعايير الديمقراطية

على كل لم يعد الأمن القومي مرتبط بالمفهوم الكلاسيكي، بل بات للمسألة الأمنية أبعاد سياسية وثقافية واقتصادية، وعلى المؤسسة العسكرية البحث عن الأطر العصرية التي تسمح لها بالمشاركة في البناء الوطني، عبر آليات أكثر شفافية، ووفق المعايير الديمقراطية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"العصابة" أم الجيش.. من هو صاحب القرار في الجزائر الآن؟

مخاوف الحراك الشعبي من الالتفاف والعسكرة.. هل من مبرر؟