27-أبريل-2019

رحيل العصابة هو مطلب الحراك الرئيسي (ياسين بوعزيز)

كنت صغيرًا حين حضرت عرسًا مفخخًا، زُوّجت العروس فيه بغير حبيبها، فعمد هذا الأخير إلى الهجوم على موكب العرس واختطافها، فيما عمدت أخته إلى إخفاء حلي العروس في ثنايا صدرها.

إن اعتقالات الفساد وبهذه الطريقة الانتقائية، ستعمل على إلهاء الشارع عن مطلبه الرئيسي وهو رحيل بقايا نظام بوتفليقة

ما أدهشني يومها، أن والدة العروس كانت تحث على استرجاع الذهب، بالبحث عن شقيقة المختطف، عوضًا عن حثها على استرجاع العروس نفسها! من الأغلى والأهم، الذهب أم الإنسان، خاصة إذا كان من الرحم؟!

اقرأ/ي أيضًا: اعتقال أغنى رجل في الجزائر.. عدالة انتقالية أم انتقائية؟

وها أنا ذا بعد أن كبرت، أرى المشهد نفسه يتكرر، لكن بوجوه أخرى وصيغة أخرى، وعلى مستوى آخر تمامًا. إذ ما معنى الشروع في استرجاع أموال الجزائر، من خلال استدعاء بعض وجوه العصابة إلى المحكمة، قبل تحرير الجزائر نفسها من كل العصابة؟!

ألم يكن كافيًا التحفظ على أرصدة هؤلاء، ومنعهم من مغادرة البلاد ريثما يتم بناء نظام جديد ومنتخب تتولى عدالته حينها الحساب والعقاب على ضوء القوانين، وفي ظل شفافية تكرس قيم العدالة؟

إن ما يحدث في هذا الصدد وبهذه الطريقة الانتقائية، سيعمل على إلهاء الشارع عن مطلبه الرئيسي، الذي هو رحيل بقايا نظام بوتفليقة في الرئاسة والحكومة والبرلمان والمجلس الدستوري، فيصبح الفرع أصلًا، والأصلُ فرعًا. وهو ما يُمكّن الأصل الأول، الذي تشكل الحراك أصلًا ضده، من الإفلات تمهيدًا لإجهاض الحراك نفسه.

ثمة مطلب واضح: رحيل "العصابات"، إذ لم يعد الأمر يتعلق بعصابة واحدة. وعلى الحراك أن ينتبه إلى أن ضبط المصطلح في معركة التغيير حاسم جدًا. كما أن هناك إجراء واضح ينبغي اتخاذه لتحقيق هذا المطلب: إنفاذ الإرادة الشعبية، بالاستناد إلى المادتين السابعة والثامنة من الدستور، حيث يتم تعطيل "دستورية" الوجوه الحالية، واستبدالها بوجوه يرضى عنها الحراك، لإنجاز انتخابات حقيقية، فيصبح لمحاكمة الفاسدين جدوى ومعنًى.

ولن تطول الأيام حتى تتحالف معطيات أخرى مع معطى تعسف هذه المحاكمات (تعسف التوقيت والطريقة والانتقائية)، ليتخلق من داخل الشارع ورم العنصريات والجهويات، التي ستجد لها مبررًا شعبويًا، بعد أن فشلت محاولات سابقة في ذلك.

وما شروع وجوه العصابات، في مسح الخنجر في منظمة فرحات مهني الانفصالية الداعية إلى استقلال منطقة القبائل الأمازيغية، في قضايا كثيرة؛ إلا مقدمة لذلك.

هنا، على قوى الحراك أن تفصل نهائيًا في موقفها من مرافقة المؤسسة العسكرية لها، انطلاقًا من أنه نعم نحتاجكم ونقبل بمرافقتكم في مسعى استرجاع الجمهورية المدنية، لكن لن نمنحكم وقتًا آخر للبت في تنفيذ الإرادة الشعبية، فقد ظهر خيار احترام الحل الدستوري، وخيار محاكمة بعض الفاسدين، قبل إزاحة عصابات الفساد من الحكم، خطرًا على البلاد والحراك والوحدة الوطنية، التي هم ملزمون بحمايتها.

أظهر خيار الحل الدستوري ومحاكمة بعض الفاسدين قبل إزاحة عصابات الفساد عن الحكم، خطرًا على البلاد والحراك والوحدة الوطنية

نفشل حين ينجحون في نقل الصراع من ثنائية "شعب - عصابات حاكمة" إلى ثنائية "شعب - شعب"، حينها سنخسر الذهب والعروس معًا، فيكون عرسنا "عرس بغل"!

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل يفرض الحراك الشعبي منطقه على الجيش؟

هل انتهى "الأفلان" بنهاية عهد بوتفليقة؟