28-نوفمبر-2016

الصحفي بشير حمادي (فيسبوك)

من الصدف الجميلة أن التقيت في المعرض الدولي للكتاب بالجزائر في طبعته الأخيرة بقامات إعلامية، لم ألتقِ بهم منذ ما يزيد عن سنتين، مشاغل الحياة اليومية وصاحبة الجلالة "الصحافة" جعلتنا نلتقي فقط عبر الفضاء الافتراضي الأزرق، نسأل عن بعضنا أو نتبادل التهاني "الجوفاء" والمشاعر "الباردة" التي تنقلها لوحة حروف الكمبيوتر أو الهاتف الذكي. ومن محاسن الصدف أن ألتقي بالصحفي الأستاذ بشير حمادي، صحفي جزائري تقلد مناصب عديدة، أهمها رئيس تحرير لمدة ما يقارب الـ30 سنة.

قبل عشرين يومًا فقط القدر قال لنا: "هو آخر لقاء مع أحد عمالقة الصحافة الجزائرية، وكأن الوقت سيسرق منا أجمل اللحظات، كل شخص يعيد شريط الذكريات في لحظات عابرة، للأسف -أقول للأسف- لأن المرحوم استرق هاتفه ليلتقط بعض الصور ويوثق اللحظات مع عديد الإعلاميين الذين "قبض" عليهم بالصدفة.

كان يتحدث بصوت عالٍ، لم نعهده كذلك، وبحماسة منقطعة النظير قائلًا للزميل الإعلامي مروان الوناس: "التقط لي صورة مع ابنتي"، الصراحة لحظتها فاجأتني كلمة ابنتي وأنا قد فقدت الوالد وعمري 13 سنة، وكلمة "ابنتي تعني لي الكثير. خصوصًا من طرف رجل نراه نحن التلامذة من الصحفيين: "المعلم والأستاذ والملقن والمدرب".

اقرأ/ي أيضًا: عمرو العراقي.. أول كتاب عربي عن صحافة البيانات

اللقاء الأخير، هكذا فعل القدر الذي ساق المرحوم إلى أعز أصدقائه وتلامذته وأصحاب المهنة "الصعبة"، مهنة أدخلته في دوامة الهزات، عاشها خلال السنين الماضية، كانت كلها صراع من أجل الكلمة، وبقلم لم يجف رغم الرياح القوية التي اقتلعت مختلف الصحف التي أنشأها وأطفأت معها كل شموع الأمل التي كان يشعلها في كل مرة.

أجمل لحظة كان يعيشها الصحفي بشير حمادي عندما يغلق الصفحة الأخيرة من الصحيفة ويرسلها للمطبعة، كأنه يولد من جديد

الرجل بقي بشوشًا رغم المحن التي مرت عليه، فكانت أجمل لحظة يعيشها عندما يغلق الصفحة الأخيرة من الصحيفة ويرسلها للمطبعة، وكأنه يولد من جديد، فكل الصحف التي ترأسها أو اشتغل فيها أو ساهم في إخراجها للنور، كانت بالنسبة له إنجاز وتحدٍ يومي وأسبوعي وشهري وسنوي.

سعادته كانت لا توصف، بأن يلتقي بالصحفيين ممن مرت مقالاتهم على يديه، ممن عاتبهم وأنبهم، وممن هنأهم، نعم كان فرحًا فرحة لا توصف، وكأنه الوالد الذي يجتمع بأبنائه جميعًا، يلتقط الصور معهم واحدًا واحدًا، كان يرمق بعينيه كل زملاء المهنة، ويتوقف كلما لاحظ أحدهم، ربما كان يودعهم بأجمل ذكرى، فالمعرض كان فسحة أدبية وعلمية للقاء الأحبة.

نعم فذلك الفضاء الفكري كثيرًا ما يجمع من فرقتهم المهنة، وغيبتم قرارات الالتحاق بعديد الصحف والقنوات، أو شتتهم الحياة هنا أو خارج الجزائر، لكن الأستاذ حمادي رحمه الله مات وبقلبه غصة "الصحافة مهنة جميلة ولكنها بيت النكران".

كثيرًا ما دافع عن الكلمة والبحث عن مسارات الحقيقة، وكثيرًا ما دافع عن المهنة، لكن كثيرًا ما تنكرت له لأنها "لا ترحم"، بل وتقتل عشاقها بجلطة أو سكتة قلبية، لكنها اليوم باتت "يتيمة"، وتجفف حبر أقلام الجيل الذهبي واحدًا تلو الآخر، دون أن يتركوا لنا حتى واجب الشكر والعرفان.

اقرأ/ي أيضًا:
بين صحافي وصحافي
حرية الصحافة 2016.. معركةٌ في سبيل الرسالة المهيمنة