31-يوليو-2022

اعتقالات في ساحة حرية الصحافة بالجزائر العاصمة (الصورة: Getty)

عادت مسألة الحريات الصحافية للنّقاش مجدّدًا، خاصة أمام خفوت بعض الصحف الخاصة كان آخرها جريدة الوطن، بسبب مسألة الدّيون التي طفت على واجهة كبريات الجرائد، أو صحف ما بعد التعددية السياسية والإعلامية بموجب دستور 1989، غير أنه ما يستدعي الانتباه في المسألة انتظارات الإفراج عن القوانين النّاظمة للمهنة منذ الحراك الشعبي في 19 فيفري/شباط من العام 2019، خاصة بالنسبة للإعلام الإلكتروني.

ناشط حقوقي: نشهد اليوم محاولة الزجّ بالتفكير خارج الأطر السياسية وتحجيم الرأي والرأي الآخر

يتحدّث العارفون بخبايا الإعلام في الجزائر من الممارسين المهنيين والأكاديميين، أن الحديث اليوم في الصحافة الجزائرية اليوم يتمثل أساسًا في تلك المكاسب التي اقتنصها الصّحفيون والأشواط التي قطعوها خلال فترة سياسية صعبة، من ممارسة المهنة وحرية التعبير، واستغلال فضاءات التعبير كجرائد مستقلة بين الصحف الفرنسية والعربية.

ففي الوقت الذي ارتفعت الأصوات من أجل تكريس أوسع للحريات في القطاع الإعلامي، بدأت الممارسة الحقيقية لها تخفُت تارة، فيما تنحى بعض المؤسسات إلى المعالجة الإعلامية للأحداث ومتابعة الشّأن العام والالتزام بأحادية النظرة والوجه.

في هذا الإطار كشف الباحث والناشط الحقوقي فريد بوعون من جامعة قسنطينة شرق الجزائر، أن الخفوت أو الانحدار الإعلامي المتعلّق بنوعية ممارسة المهنة بدأت بوادره تظهر منذ فترة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، غير أن المجال وقتها كان محاطًا برجال المال والأعمال وكانت المهنة في يد السلطة بتقويض توزيع الإشهار، فيما نشهد اليوم –حسبه دائمًا- محاولة الزجّ بالتفكير خارج الأطر السياسية الرسمية في مدار المؤسسة الرسمية وتحجيم الرأي والرأي الآخر، وتقليص مساحات النقاش الحرّ وطرح القضايا التي تهمّ الرأي العام في الجزائر.

الفترة الذهبية 

وفي هذا المضمار، لفت الأستاذ بوعون الصحافة الجزائرية، مرت بعديد المراحل أهمها ما يطلق عليها الدارسون بـــ" الفترة الذهبية"، لأنها ظهرت في الساحة عقب انتفاضة 5 أكتوبر، تشرين الأول 1988، وهو ما يعني أنها أخذت حيّزا مهما في التطرق للأحداث من عديد الزوايا وعديد الخطابات.

في تلك الحِقبة استفاد الجِسم الصحافي من تسهيلات للسّلطة في حيّز الممارسة الحرّة نوعًا ما، فيما نلاحظه اليوم وبعد مضي أزيد من ثلاثة عقود فقد مرت بخطّ بياني صاعد ونازل ومتذبذب إلى أننا اليوم نشهد هذا الخطّ ينزل مجدّدًا بفعل الأحداث المتسارعة مع انتظار الإفراج عن القوانين التي تنظّم العمل الصحفي سواءً في القطاع السّمعي البصري والمكتوب والإلكتروني.

هناك مكاسب عديدة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، حصلت عليها الصحافة الجزائرية، غير أن هناك خسائر، أو نزولًا في خطّ الممارسة، كما وصفها الإعلامي مروان الوناس، إذ بعد مكاسب التسعينات رغم الأزمة الأمنية التي عرفتها الجزائر، إلا أنّها تمكّنت من تشييد صروح صحافية أو مؤسّسات وسمت بـ"المستقلة"، سواء بالنسبة للصحف العربية أو الفرنسية، وطبعا ذلك ب"سواعد الممارسين" حدّ تعبيره.

من هذا النطاق، اعتبر الوناس في تصريح لـ"الترا جزائر" أن الصحافة كانت منابر صادحة بالحريات على اختلاف التوجهات وهذا طبيعي جدا في زمن الممارسة الحرة بعد نظام المنظومة الإعلامية ذات الاتجاه الأحادي أو " أحادية زوايا الطرح"، مشيرًا إلى أننا بدأنا فقدان هذا " الشغف الحرّ" منذ فترة وهو ما نشاهده اليوم في اختفاء بعض الصحف الفرنسية والعربية على حدّ سواء، بل في انحدار الممارسة الفعلية، في مقابل زخم كمي من حيث المواقع الإلكترونية التي باتت اليوم تشكل واجهة تكنولوجية إعلامية ولكن على حساب النوعية أو المضامين التي تنشرها، عن طريق النظرة الإعلامية الواحدة، أو التقاط الزاوية الواحدة التي لا تخرج عن الأطر الرسمية.

مؤسّسات إعلامية وأرقام

لا يختلف الممارسون في المجال الصحفي الجزائري، أن هناك حالة من الانحسار أو الرّكود الإعلامي، لاحت بمشاهدها على فترة ما بعد الحراك الشّعبي، إذ تمثلت أساس في التخويف وتكميم الأفواه وقمع الصحفيين وحبسهم أيضًا، وهو ما يستدعي طرح العديد من التساؤلات تتّفق غالبيتها في القوانين التي تمنح الحرية للإعلام وتؤطّر ممارساتهم ما يضمن لهم الكرامة والمهنة والحقوق أيضًا.

ويتحدّث البعض عن الزخم الإعلامي بوجود مؤسسات ولدت ما بعد فترة الحراك الشعبي أو من نتائج الغليان الشعبي، وقدّرت وزارة الاتصال الجزائرية عددها إلى ما يربو عن 160 موقعًا إلكترونيًا، وذلك في السّنتين الأخيرتين، غير أنها لا ترقى بعد إلى مؤسسات صحافية بالمعنى الصريح للمؤسسة مادامت في نظر البعض عبارة عن" محلّ إعلامي" نظرًا لعدم توافرها على الكادر البشري القائم بأعمَال الصحافة الميدانية والتحرير والتدقيق والتصحيح والتوثيق والتصوير.

وكشف الصحفي عمار بودن وهو صحفي متفرغ أنه يشتغل في مؤسسة إلكترونية مشكلة من شخص واحد هو صاحب المؤسسة والصحفي فيها والمصور، لافتًا في تصريح لـ"الترا جزائر" أن هذا يعبّر عن تخبط أو عبث بالمهنة.

قانونيًا، ينتظِر الجِسم الصحافي الجزائر الإفراج عن القوانين التي تنظم الفضاء الإعلامي، وهو ما وصفه بودن بـ" تردد في الإفراج عن النصوص" خاصة وأنه لحدّ اللحظة تمّ الاطلاع على ثلاثة نصوص من رئاسة الحكومة وتم رفضها من قبل باعتباره رئيس الجمهورية رئيس الجهاز التنفيذي، إذ طالب في نيسان/أفريل بإعداد نصّ جديد يضع التفاصيل الدقيقة عن مهنة " الصحافي المحترف" فضلًا عن قوانين خاصة بكلّ نوع صحفي من السمعي البصري أو الورقي أو الإلكتروني.

"تلويث" مِهنة

في تحليل أعمَق للحالة الإعلامية الجزائرية، تطرق أستاذ الاتصال الاستراتيجي محمد قيراط إلى التحديات التي تشهدها وسائل الإعلام الكلاسيكية في مواجهة الفضاء الافتراضي الإلكتروني"، مشيرًا إلى أن الإعلام أصيب بعدوى لوثة الهامش الإعلامي بسبب الفضاء الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي.

ومن حيث المهنية والاحترافية، قال قيراط في تصريحات لإذاعة سطيف المحلية أنّ "مواقع التّواصل الاجتماعي لم تصبح بديلًا لوسائل الإعلام، لكنها منافِسًا حقيقيًا"، مشيرًا إلى أنّ الفضاء الرّقمي فيه الكثير من الإشكاليات من حيث عدم الالتزام بأخلاقيات المهنة والمصداقية.

ومن مفارقات التكنولوجيا أنها تتيح الكثير من الفوائد أهمها السرعة في نشر المعلومة، فضلًا عن التميّز والاحترافية حسب المتحدث لكن إذا "استخدمها صحفي متمرس ويلم بأخلاقيات المهنة، غير أننا نواجه الأخبار الكاذبة التي تهدد المنظومة الإعلامية ما يستدعي تعميم التربية الإعلامية"

كما دعا المؤسسات الكلاسيكية إلى استيعاب الدروس والابتعاد عن الإعلام التقليدي وتمجيد السلطة، وتقديم محتوى يعكس الواقع وليس محتوى يتناقض مع الواقع، وهو ما أدى إلى فقدان الكثير من الوسائل الإعلامية من مصداقيتها.

الصحافي عمار بودن شدد على ضرورة التخلص من عباءة الإعلام الكلاسيكي والتوجه نحو الإعلام الاستقصائي

وفي الأخير شدد على ضرورة الخروج من عباءة الإعلام الكلاسيكي والاضطلاع بالدور الاستراتيجي للإعلام في المساهمة في التنشئة الاجتماعية والتنمية المستدامة، علاوة على التوجه نحو الاعلام الاستقصائي والبحث عن المشاكل والحلول بكل موضوعية وشفافية.