04-أغسطس-2023
الجامعة الصيفية

جانب من الجامعة الصيفية لحركة البناء الوطني (الصورة: فيسبوك)

يضاعف فصل الصيف من متاعب الطبقة السياسية الجزائرية، التي تكافح للبقاء في المشهدين السياسي والإعلامي؛ في ظل تراجع الاهتمام بالعمل الحزبي لدى النُخب والمواطنين بالإضافة إلى نقص التمويل والقيود المتزايدة التي تضعها السلطات منذ سنوات على النشاط والعمل السياسي.

أحزاب سياسية تستغل مواقع التواصل الاجتماعي لمخاطبة قاعدتها وأخرى تختار الجامعات الصيفية لتحضير كوادرها تحسبًا للاستحقاقات المقبلة

وحتّمت كل هذه الأمور على الفاعلين السياسيين العمل تحت وطأة الإكراهات المفروضة والكفاح لمحو الصورة النمطية عن الأحزاب المتهمة بالنشاط المناسباتي، ومحاولة الإبقاء على جذوة العمل السياسي مشتعلة.

ويشكل الحضور الدائم في شكبات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، والسفر إلى الجزائر العميقة للقاء المناضلين والمواطنين واستقطاب أكبر عدد ممكن من المنخرطين مظهر من مظاهر إعلان الوجود.

وتنشر حركة مجتمع السلم "حمس"، مثلًا، بصفة شبه دورية تقارير عن نشاطات يومية لقيادتها، على غرار تحركات رئيسها عبد العالي حساني شريف في مكتبه أو الجولات التي قام بها خلال الصيف الحالي إلى عنابة بالشرق والمدية لـلقاء مناضلي حزبه.

كما ينسحب الأمر ذاته على قيادة حزب جبهة التحرير الوطني، التي تحرص على الترويج الإعلامي لكل النشاطات التي تقويم بها مركزيًا أو محليًا ومنها استقبالات لقادة أحزاب وموفدين أجانب، مع مواصلة ترقب الإفراج عن رخصة المؤتمر المتأخر عن موعده بثلاث أعوام.

ولم يغب الأمين الوطني الأول لجبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، عن المشهد، حيث قام بزيارة عدة ولايات للإشراف على لقاءات حزبية داخلية وتنصيب أمناء الاتحادات الولائية آخرها بولاية برج بوعريريج والإعداد للذكرى الستين لتأسيس الحزب المرتقبة أواخر أيلول/سبتمبر المقبل.

وأفاد محمد ذويبي، أمين عام حركة النهضة، الذي تولي مقاليد رئاسة الحزب من جديد في مؤتمر أيار/ماي الماضي أنه يحاول استغلال فترة عطلة الصيف للقاء كوادر الحزب في مختلف ولايات الوطن، بغرض اختيار اللجان المشرفة على انتخاب هياكل الحزب، وفي رزنامته أيضًا تنصيب الفرعين النسوي والشبابي للحزب.

وخلال شهر تموز/جويلية سافر البرلماني السابق إلى المعاقل التاريخية للحركة وعلى رأسها ولايات قسنطينة، سكيكدة، قالمة، عنابة وبرج بوعريرج للقاء إطارات الحزب؛ وقال ذويبي معلقًا عن نشاطه الحزبي: "لا عطلة لنا هذا العام.. التحديات الجديدة تفرض علينا الجاهزية الكاملة".

وبدوره يتحرك أمين عام حزب الكرامة، محمد الدواي، غربًا وشرقًا (تلمسان ثم عنابة) لإعادة هيكلة حزبه، الذي يحوز على معقدين في البرلمان، ويرى الداوي أنّ "نشاطاتنا تركّز على عملية تقييم وتقويم أداء الهياكل الفرعية للحزب تحسبًا للمحطات المقبلة." 

تضحية بالعطلة

قبل اختتام الدورة العادية  للبرلمان في تموز/جويلية، تقدّم عشرات النواب بملفات الحصول على تأشيرة الفضاء الأوروبي "شنغن"، على أمل السفر خلال فترة العطلة إلى أوروبا وذلك بعد أشهر طويلة من النشاط التشريعي.

بينما فضّلت فئة أخرى من النواب استغلال فترة التوقف القصيرة للعمل البرلماني، للتفرغ لتسوية قضايا عالقة لناخبيهم، ونشرت وكالة الأنباء الجزائرية الأحد 30 تموز/جويلية خبر لقاءٍ جمع نوابًا عن ولاية الأغواط (شمال الصحراء) بوزير الطاقة والمناجم، محمد عرقاب، ناقشوا خلاله ملف الربط بشبكتي الكهرباء والغاز بولايتهم.

وفي 25 من الشهر ذاته أعلنت وزارة العمل عن استقبال وزير القطاع فيصل بن طالب رئيس وعضوي لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتضامن الوطني لمجلس الأمة حبيب دواجي، رابح بغالي ومحمد عمرون، كما استقبل الوزير أيضا نوابًا يمثلون الدوائر الانتخابية لكل من ولايات سكيكدة والجزائر وعين الدفلى وبومرداس وتبسة لبحث ملفات عديدة منها قضية التشغيل.

 خصوصية..

إن اللافت هذا العام وبعكس مواسم صيف سابقة وخصوصًا فترة ذروة جائحة  كورونا، هو استمرار حالة يقظة تظهر في استمرار الحضور الدائم لعديد القيادات السياسية في مكاتبها وكأنها تستشعر شيئا في الأفق قد يكون ذا صلة بتعديل أو تغيير حكومي يجري الحديث عنه في الصالونات السياسية، حيث يعتقد أنه وفي ظل إخفاق قطاعات وزارية في إدارة بعض الأزمات في الفترة الأخيرة يقتضي الأمر القيام بتعديلات على الطاقم الحكومي والاستعانة بفريق من النُخب الحزبية للموالاة لتعويض التكنوقراط .

وتم رصد وعلى خلاف العادة تنامي وتيرة الاتصالات بين القيادات الحزبية على غير العادة في هذا الموسم، حيث قام رئيس التحالف الوطني الجمهوري بلقاسم ساحلي جولة بين مقرات أحزاب الموالاة والمعارضة ضمت حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحركة مجتمع السلم.

ترقّبٌ سياسي لتعديل أو تغيير حكومي وشيك حتّم على عدد من الأحزاب السياسية قضاء العطلة الصيفية في مكاتبها  

كما التقى رئيس حركة مجتمع السلم، حساني شريف، بدوره بأمين عام حركة النهضة حمد ذويبي الذي كان التقى مرتان رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة، الذي استضاف في وقت سابق بدوره عشرات القيادات الحزبية بمناسبة زيارة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس" إلى الجزائر.

ذروة

من المنتظر أن يبلغ النشاط السياسي  في الجزائر ذروته في النصف الثاني من شهر آب/أوت بتنظيم مؤتمر قوى مبادرة "تعزيز التلاحم وتأمين المستقيل"، التي تضم أحزابًا وشخصيات سياسية وتنظيمات مهنية.

ويأمل القائمون على المبادرة في إعطاء نفسٍ جديدٍ للعمل السياسي المشترك للفترة المقبلة، وسط تشكيك لقوى المعارضة فيها، إذ تتوجس من كونها مقاولة من الباطن قبل الانتخابات الرئاسية التي ستجرى أواخر العام 2024.

وتحظى المبادرة التي كُشِف النِقاب عنها في أيار/ماي الماضي، بدعم حوالي 50 حزبًا ونقابة داعمة للسلطة، كما ساعدت على انتعاش طفيف للحياة السياسية، من خلال حركية مضادة لقوى منافسة تشعر على الأرجح بالتهديد.

وأعلنت جبهة القوى الاشتراكية في حزيران/جوان عن مبادرتها التي تدعو لإقامة عقد وطني. كما أنّها لا تفوت أي فرصة للتذكير بمحاورها  في النشاطات الداخلية والإعلامية التي تقيمها. وأيضًا نشطت حركة مجتمع السلم، المعارِضة، وأقامت مهرجانا شعبيا ذكرت فيه بمواقفها السياسية.

وبدورها أنشأت أحزاب العمال والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية والإتحاد من أجل التغيير والرقي، فريق عمل مشترك بينهم لمتابعة الوضع السياسي في البلاد وسط حديث عن إمكانية التقدم بمبادرة سياسية.

الجامعات الصيفية تقليد آخد في الزوال

لا جرم أن الجامعات الصيفية تشكّل الأداة المفضلة لغالبية الأحزاب السياسية للبقاء على اتصال مع كوادرها ومناضليها، مستغلة تواجد قطاع كبير منهم في عطلة  للقيام بدورات تكوينية سعيًا لجاهزية أكبر تحسبًا للمواعيد السياسية المقبلة.

وتُقيم حركة البناء الوطني، على سبيل المثال لا الحصر، حاليًا، جامعتها الصيفية بغرب العاصمة الجزائرية منذ 20 تموز/جويلية إلى غاية 10 آب/أوت، دعي إليها حوالي ألفي مناضل على ثلاث محطات، حسب الحزب.

وبدورها تستعدُّ حركة مجتمع السلم لتنظيم جامعتها الصيفية المبرمجة قبل بلوغ شهر أيلول/سبتمبر المقبل، وفق ما صرح به نائب رئيس الحركة  ناصر حمدادوش.

حمدادوش لـ"الترا جزائر": الجامعة الصيفية فضاء تكويني وتأهيلي سياسي لا يمكن الاستغناء عنه

وقال حمدادوش لـ"الترا جزائر" إنّ "موعدنا في الفترة من 25 آب/أوت إلى بداية أيلول/سبتمبر المقبل، رغم انشغالنا بتجديد الهيكلة البلدية والولائية بعد المؤتمر الثامن للحركة"، مؤكدا تمسك حزبه بهذه الممارسة، فهي "تقليد لا يمكن تعويضه بأي نمط آخر للتكوين والتأهيل السياسي".

ولم تعلن إلا خمسة أحزاب هي  البناء الوطني وحركة مجتمع السلم حمس والكرامة وجبهة العدالة والتنمية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية جامعات صيفية أو أيامًا دراسية خلال هذه الفترة لصعوبة جمع الكوادر والتكلفة الباهضة، حيث تعاني غالبية الأحزاب من قلة التمويل.