07-فبراير-2022

بورتريه للطفل المغربي ريا (الصورة: العربي الجديد)

ظلّت العلاقات الشّعبيّة بين الجزائريّين والمغاربة نابضةً وحيّةً، رغم بؤر الصّراع الحادّة بين النّظامين، بدءً بحرب الرّمال عام 1963، ومرورًا بقضيّة الصّحراء وصولًا إلى غلق الحدود البريّة، قبل ربع قرن، بما قلّل من التّواصل بين الشّعبين، أي أنّ الجيل الجديد في الدّولتين لا يعرف بعضه مباشرةً.

مصطفى بوسنّة: ليلة حزينة جدًّا في الجزائر، بعد بصيص من الأمل، عزاؤنا للشّعب المغربيّ الشّقيق

صوت الشّارع الجزائري  بدا لافتًا في حملات التضامن مع الطّفل ريان الذّي سقط في بئر بعمق 60 مترًا في منطقة شفشاون المغربيّة، يوم الثّاني من شباط/ فيفري، وشكّل حدثًا شغل الرّأي العامّ العالميّ، لكنّ الجزائريّين كانوا في طليعة الشّعوب التّي تبنّت قضيّة ريان وحوّلوها إلى قضيّة داخلّية كأنّها وقعت في إحدى ولاياتهم، حتّى انتفى الفرق بينهم وبين المغاربة في حرارة المتابعة والاهتمام والدّعاء.

اقرأ/ي أيضًا: إنقاذ الطفل ريان.. الجزائريون يتابعون بقلق

ظهر ذلك من خلال موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك، قبل وبعد إنقاذ الطّفل ريان، حيث اجتمع الجزائريّون فنّانين ورياضيّين وإعلاميّين ومواطنين على تمنّي نجاح عمليّة الإنقاذ، ثمّ على التّرحّم على الطّفل وتعزية أسرته والشّعب المغربيّ، حتّى أنّ تفاعلاتهم مع الحادثة هيمنت على بقيّة التّفاعلات، خلال 100 ساعة الأخيرة، بما فيها انفجار بيت بالغاز في ولاية سطيف نجم عنه احتراق أسرة كاملة، وموت طفل برصاصة طائشة في ولاية ورقلة.

نقرأ من ذلك، تدوينة الشّاعر هارون عمري: "أخيرًا فرحة تأهّل مصر. يا رب تكتمل الفرحة بعودة ريان". وتدوينةً للنّاشطة عائشة غولي جاء فيها: "قلبي الآن هو قلب أمّ ريان المنفطر المتمزّق. لست أنتظر شيئًا سوى أن أسمع أنه رُدَّ لحضنها، فتقرّ عينها وتطمئن".

وكتب النّاشط عبد الحفيظ بشير بوعدّي: "الشّعب الجزائريّ بجميع أطيافه مُتضامن مع الشّعب المغربيّ الشّقيق وعائلة الطّفل ريان في مَأساتِهم، ونَشعُر بما يَشعُر به إخواننا أكثر من كلّ الشعوب". ومن جهته كتب التّشكيليّ مصطفى بوسنّة، بعد خبر رحيل ريان: "ليلة حزينة جدًّا في الجزائر، بعد بصيص من الأمل. عزاؤنا للشّعب المغربيّ الشّقيق".

يقول الفنّان والنّفسانيّ بوحجر بودشيش إنّ الجزائريّين أثبتوا، من خلال تعاطفهم وتفاعلهم العفويّين، مع أسرة الطّفل والشّعب المغربيّ، أنّ التّضامن لديهم مع الأخ والجار والإنسان عمومًا فطريّ وليس خاضعًا لحسابات غير إنسانيّة؛ "قد تطرأ معطيات تعكّر القلوب، لكنّ معطى الدّم والمخيال والجوار المشترك ثابت، وهو ما يحرّك الشّعوب في المفاصل الحسّاسة".

يشرح محدّث "الترا جزائر" فكرته بالقول: "هذه حادثة متعلّقة بالشّعب.. وقد تفاعل الجزائريّون معها من منطلق شعبيّ موازٍ  لا من منطلق نظاميّ له حساباته الخاصّة. وسواء في المغرب أو في الجزائر، فإنّ الواحد قد يقاطع أخاه أو جاره، لكن ما إن يحدث له ما يتعلّق بالموت حتّى ينسى وينخرط عفويًّا في التّضامن معه. هذا مخيال ووجدان شعبيّ عميق، لا تستطيع أيّ آلة عدائيّة أن تطمسه. وهو المعطى الذّي نراهن عليه في تجاوز فخاخ السّياسة وسمومها".

من جهته يقول الباحث المتخصّص في التّراث المغاربيّ بوزيد بومدين إنّ الحدث المكثّف برمزياته المتعدّدة ينتقل عبر الإعلام بنوعيه التّقليديّ والاجتماعيّ، ويشدّ الأنظار بتلهّف ممزوج بالدّعاء والتّعاطف اللّامحدود، "إنّه السّخاء الإنسانيّ المطلق في العواطف والمحبّة والتّطوّع والضيافة والتّضامن، يحضر اللّطف الإلهيّ بصلوات وأدعية من أجل خروج (يوسف شفشاون) سالمًا. وإنها الإرادة الإنسانيّة التّي تحرّكها طاقات إنسانيّة روحيّة أكبر من الآلات والتّقنيات وهي رسالة للعالم أن (القوّة الإنسانية) واللّطف الإلهيّ هما وحدهما نجاة البشرية من حُفَر وهاوية الشّر والأوبئة والكوارث".

رحم الله ريان الذّي يُرسل لنا؛ يواصل بوزيد بومدين، رسالة مفادها أنّنا عالقون في حفرة العدواة والكراهيّة ونحتاج إلى من ينتشلنا من ذلك ومن النّزاع العربيّ- العربيّ، والمذهبيّ والدّينيّ. ولم يستمع الجزائريّون والمغاربة في تعاطفهم مع ريان إلى الذّين يزوّرن الذّاكرة من أجل الانتصار على الخصم، أو اختيار انتقائيّ لأحداث تاريخيّة تسقطنا في بئر يبتلعنا ويخطفنا من حاضرنا ومستقبلنا.

ويلخّص الشّاعر الشّعبيّ العيد دبّوسي اللّحظة الوجدانيّة التّي صنعها ريان بين المغاربة والجزائريّين بالقول إنّ العرس في الجزائر والمغرب يتضمّن أغنياتٍ من البلدين. وإنّ قصيدة البردة للإمام البويصري وسورة "يس" تصدحان في الجنائز هنا وهناك؛ "فنحن شركاء روحيًّا ووجدانيًّا في الحزن والفرح. وهذا ما تأكّد تمامًا في حادثة ريان".

بوزيد بومدين: إنّه السّخاء الإنسانيّ المطلق في العواطف والمحبّة والتّطوّع والضيافة والتّضامن

إلى وقت قريب كانت الحكومتان في البلدين تركّزان على أحداث قديمة وحديثة تقوم على العنف والصّراع والمؤامرة لتبرير موقفهما المتشنّج من بعضهما؛ فهل ستتخذان من التّلاحم الشّعبيّ الذّي صنعه الطّفل ريان منصّةً لمراجعة سلوكهما والاحتكام لقيم الجوار، بعيدًا عن سموم الكيانات الدّخيلة؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

نهاية مُحزنة.. وفاة الطفل المغربي "ريان"

الجزائريون في "حملة فيسبوكية".. نريد مستشفى لسرطان الأطفال