17-مايو-2022
الرئيس تبون يستقبل رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي (الصورة: وكالة الأناضول/Getty)

شهدت العلاقات الجزائرية الإيطالية تقاربًا غير مسبوق، وخطوات متسارعة خلال الأسابيع الأخيرة، بدءًا من زيارة وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو للجزائر بتاريخ 28 شباط/فيفري 2022، أعقبتها مكالمة رئيس وزراء جمهورية إيطاليا ماريو دراغي للرئيس تبون بتاريخ 1 نيسان / أفريل لماضي، ثم زيارة تعزيز العلاقات بين البلدين لذات المسؤول الإيطالي في الـ11 من نفس الشهر.

يربط مراقبون التقارب الجزائري الإيطالي بالحرب الروسية الأوكرانية وبالخلافات السياسية الجزائرية مع مدريد

وتُوّجت هذه الزيارة بتوقيع اتفاقية تعاون بين شركتي المحروقات "سوناطراك" الجزائرية و"إيني" الإيطالية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد؛ حيث تم الإعلان عن زيارة مرتقبة للرئيس عبد المجيد تبون إلى روما نهاية شهر أيار/ماي الجاري، وقمة حكومية دولية بالجزائر يومي 17 و18 تموز/جويلية المقبل، تُسفر عن تنظيم منتدى أعمال يجمع المتعاملين الاقتصاديين من البلدين في اليوم الأخير للقمة.

في هذا السياق، يتساءل مراقبون عن سرّ هذه الخطوات السريعة التي استغرقت  في مجملها 40 يومًا فقط، ويربط هؤلاء بين التقارب الجزائري الإيطالي والحرب الروسية الأوكرانية من جهة، عبر مساعي روما لتقليص الاعتماد على الغاز الروسي.

ومن جهة أخرى، يربطها آخرون بالخلافات السياسية بين الجزائر ومدريد، نتيجة تغيير موقف إسبانيا اتجاه قضية الصحراء، إذ تطمح إيطاليا إلى الحصول على المزيد من الغاز الجزائري لضمان أمنها الطاقوي في حين تبحث الجزائر عن حليف سياسي بالمنطقة الأوروبية، وبديل غير مكلّف لتصريف الغاز دون استثمارات ضخمة في البنية التحتية، في حال وقف اتفاقية التموين مع إسبانيا، خاصة وأن الجزائر سبق وأن هدّدت مدريد بتاريخ 28 نيسان/ أبريل 2022 بوقف إمداداتها من الغاز وقطعها مباشرة في حال تحويل وجهة الغاز الجزائري إلى المغرب.

لماذا إيطاليا؟

ويؤكد المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر عبد الوهاب بن خليف في تصريح لـ "الترا جزائر" أن العلاقات الجزائرية الإيطالية الحسنة ليست وليدة اليوم، وإنما تعود إلى حقبة ثورة التحرير حيث أثبتت إيطاليا مساندتها للجزائر في العديد من المواقف، التي يظلّ التاريخ شاهدًا عليها، وضرب مثالًا برجل الأعمال صديق الثورة الجزائرية أنريكو ماتي، الذي فتح صفحة مليئة بالود وأسس للصداقة الجزائرية الإيطالية، التي أنتجت علاقات سياسية واقتصادية ناعمة بداية من سنة 1962.

وخلال السبعينيات شهدت العلاقات الجزائرية الإيطالية حالة تناغم شديدة، كما عرفت الاتفاقيات الاقتصادية سنوات التسعينات،ارتفاعًا رغم الظرف الأمني الصعب الذي مرّت به الجزائر آنذاك، إذ اقتصر شركاؤها التجاريون وقتها على فرنسا وإسبانيا وإيطاليا تقريبًا، وبالموازاة مع الانفتاح الاقتصادي الذي تبنته الجزائر مطلع الألفية، ظلّت إيطاليا أحد أبرز وأهم الشركاء نتيجة تطابق المواقف بين البلدين في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، يقول المحلّل عبد الوهاب بن خليف.

من جهته، يعتقد الخبير الاقتصادي نبيل جمعة في إفادة لـ"الترا جزائر" أن العلاقات الاقتصادية الجزائرية الإيطالية، بلغت أوجّها خلال فترة العشرية السوداء، حينما كانت مبيعات الجزائر من المحروقات تضخ 16 مليار دولار وديونها الخارجية تعادل 13 مليار دولار، يومها رفضت دول عربية وأوروبية وحتى أمريكا إقراض الدولة الجزائرية، وفرض صندوق النقد الدولي شروطه القاسية، إلا أن إيطاليا مدّت يدها للجزائر، عبر تأسيس بنكين بسويسرا للتمكّن من إقراضها بعيدًا عن محظورات النظام المالي العالمي، الذي كان ينظر إليها كدولة من الصعب أن تلتزم بتسوية أعبائها المالية اتجاه المقرضين.

كل ذلك مهّد وفقًا للمتحدث لمبادلات تجارية عادلت نهاية سنة 2020 ستة مليار ات دولار، منها 3.58 مليار دولار صادرات جزائرية معظمها من المحروقات و2.48 مليار دولار ورادات من إيطاليا أغلبها تجهيزات، مع إحصاء وجود 200 شركة إيطالية في الجزائر.

خطوات من أجل الغاز

وإذا كانت العلاقات الجزائرية الإيطالية قد عرفت تقاربًا في الماضي، فهذه الأخيرة شهدت التفافًا من الطرفين خلال الأسابيع الأخيرة، يربطها ملاحظون بمعركة الغاز التي يشهدها العالم، في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، إذ تسعى روما إلى تقليص اعتمادها على الغاز الروسي بشكلٍ تدريجي مقابل الاستفادة من رفع الكميات المصدرة لها من الغاز الجزائري، وهو فحوى الاتفاق الذي تم بين شركتي سوناطراك وإيني خلال الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيطالي للجزائر، حينما تم التوافق على رفع الإمدادات بـ9 مليار متر مكعب بين سنتي 2023 و2024.

إلى هنا، يؤكّد نبيل جمعة أن الجزائر بإمكانها استخدام ورقة الغاز للضغط في علاقتها مع إيطاليا، وغيرها من الدول الراغبة في رفع الإمدادات، والاستفادة من مشاريع هامة من شأنها إنعاش الاقتصاد الجزائري، عبر التعاون في مجال الصناعة البتروكيماوية بالدرجة الأولى ثم قطاعات السياحة والصناعة التحويلية والمؤسّسات الصغيرة والمتوسطة والصناعة الغذائية والفلاحة وتطوير شعبة الحبوب وتصنيع وتركيب السيارات.

ويضيف الخبير أن زيارة رئيس الوزراء الإيطالي للجزائر بحثًا عن المزيد من الغاز فتحت الباب أمام زيارات متتالية لمسؤولين من دول أخرى، على غرار تلك التي قادت وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قبل أيام للقاء الرئيس عبد المجيد تبون.

روما تُحجّم مدريد

ومن جهته يعود المحلل السياسي عبد الوهاب بن خليف للقول بأن موقف الحكومة الإسبانية اتجاه القضية الصحراوية كان بمثابة صدمة للجزائر وانقلابًا دبلوماسيًا، دفع هذه الأخيرة لمراجعة حساباتها اتجاه مدريد، وجعلها تفضل منح الامدادات الإضافية من الغاز لروما التي ظلت على تناغم سياسي معها، بدل إسبانيا التي ارتأت التخلي عن موقفها في سبيل حسابات آنية ومصلحة مؤقتة، خاصة وأن مواقف الجزائر الدولية معروفة بالثبات وعدم التغيّر على مر السنوات الماضية، إلا في حال فضّل الطرف الآخر تغيير قناعاته.

ويعتبر المتحدث أن الجزائر لن تستطيع تعويض الغاز الروسي مع إيطاليا ولكن ستعمل بشكل تدريجي على رفع الإمدادات، وذهب أبعد من ذلك متوقعًا أنه في حال ما شهدت العلاقات الجزائرية الإسبانية شرخًا أكبر، أو قامت إسبانيا بتحويل الغاز إلى المغرب خلال الأيام المقبلة، ستسعى الجزائر إلى وقف تموينها مقابل تحويل هذه الكمية إلى إيطاليا عبر أنبوب الغاز "ترانسميد"، وذلك دون إخلالها بالتموين المعتاد للقارة الأوروبية - أي الاكتفاء فقط بصب حصة إسبانيا لدى إيطاليا ـ لتتكفل في أعقاب ذلك إيطاليا ببيع هذه الكمية لإسبانيا وغيرها من الدول بعد تحويلها إلى غاز مميع، يباع بـ 30 دولارًا للوحدة المليونية الحرارية، بدل 10 دولارات الذي تعرضه الجزائر عبر الأنابيب قبل معالجته.

زيارة مصالح متبادلة

في هذا الإطار، يعتقد المحلل السياسي والأستاذ الجامعي إسماعيل معراف في تصريح لـ"الترا الجزائر"، أن زيارة الرئيس تبون لإيطاليا ستكون زيارة مصلحة متبادلة بين الطرفين، وتتويجًا لعلاقات لم تشهد أزمات ولا خلافات سياسية أو اقتصادية طيلة تاريخها، كما تظل الأواصر بين شركتي سوناطراك وإيني قويّة رغم قضايا الفساد التي تم تفجيرها في السنوات الماضية.

وإذا كانت إيطاليا تطمح اقتصاديًا إلى المزيد من الغاز الجزائري، فهي تريد أيضًا العودة إلى الاستثمار في النفط الليبي وفق مسار تساهم الجزائر التي كان لها دور هام في الحوار بالمنطقة في رسم مضماره، في حين تبحث الأخيرة عن حليف استراتيجي لا تتغير مواقفه الزمن، وهو ما أثبتته إيطاليا خلال السنوات الماضية.

ويؤكّد المحلل السياسي والمستشار الاستراتيجي الإيطالي دانييلي روفينيتي في تصريح لـ"الترا الجزائر"، أن زيارة الرئيس تبون لروما ستحمل توقيع اتفاقيات جديدة بين الطرفين توقّع أن تكون في مجال الطاقة والفلاحة والصناعة التحويلية وفقًا لتسريبات الإعلام في إيطاليا، إضافة إلى تنمية العلاقات التجارية التي ارتفعت حسبه بـ 44.5 بالمائة سنة 2021.

ويقول الخبير الإيطالي أن العلاقات الجزائرية الإيطالية تتطوّر بسلاسة في الأشهر الأخيرة، ففي حين تمثل إيطاليا نقطة مرجعية لدول شمال إفريقيا، تحتفظ الجزائر دائمًا بالجانب الدبلوماسي الهادئ، وهو ما ساهم في خطّ هذه الأواصر الاستثنائية بين البلدين.

تبقى العلاقات الجزائرية الإيطالية أكبر من مجرد صفقة غاز فكلتا الدولتان تشتركان في تقاسم حدود البحر الأبيض المتوسط شمالًا وجنوبً

هذا وتبقى اللعبة أوسع من مجرد صفقة غاز، عند الحديث عن العلاقات الجزائرية الإيطالية، فكلتا الدولتان تشتركان في تقاسم حدود البحر الأبيض المتوسط شمالًا وجنوبًا، وتحملان تأثيرًا جيواستراتيجيًا وسياسيًا هامًا بالمنطقة، يجعل تعميق أواصر التعاون بين الطرفين أكثر من ضرورة.