24-يناير-2020

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

من الطّبيعيّ جدًّا أن يُثير أوّل لقاء تلفزيونيّ مفتوح لرئيس جديد، اهتمام مختلف الشّرائح في البلاد، خاصّة أنّه يأتي في ظروف غير عادية، في طليعتها ظرف استمرار الحراك الشّعبيّ في الداخل، حيث ما تزال مسيرات الثّلاثاء والجمعة مستمرّة، وفي الخارج حيث تمّ استقبال السيد تبّون باحتجاجات عارمة في ألمانيا من طرف الجالية الجزائريّة، أثناء مشاركته في لقاء برلين حول الوضع في ليبيا.

يبدو أنّه غاب عن أذهان المشرفين على صورة الرّئيس، أنّ لقاءً بهذه الخصوصيّة يكون محطّ انتباه وفضول المواطنين

كما أنّ تشوّق الجزائريين إلى أن يسمعوا رئيسهم يتحدّث إليهم، بعد سنوات من افتقادهم إلى ذلك في العهد البوتفليقي، يعدّ من بين أسباب تفاعلهم مع اللّقاء التلفزيوني، الذي جمع الرّئيس الجديد مع نخبة من الإعلاميّين، وتم بثه في جميع القنوات التلفزيونيّة الحكوميّة والخاصّة.

اقرأ/ي أيضًا: الرئيس عبد المجيد تبون يباشر تغييرات جديدة في طاقمه الرئاسي

يبدو أنّه غاب عن أذهان المشرفين على صورة الرّئيس، أنّ لقاءً بهذه الخصوصيّة يكون محطّ انتباه وفضول المواطنين، بحيث يركّزون على الصّغيرة والكبيرة؛ في هندام الرّئيس وحركاته وريتم حديثه وديكور مكان اللّقاء، فأهملوا التّفاصيل إهمالًا صارخًا، بما جعل اللّقاء يصل إلى عكس ما هدف إليه. وهو ما يؤشّر على أنّ ثمّة أزمة تخطيط في الفريق الإعلاميّ والبروتوكوليّ في مؤسّسة الرّئاسة.

ففي باب رمزية الألوان، طغى اللّون الأزرق على هندام الرّئيس. وهو ما يحيل على الخلفيّة الفرنسيّة التّي يمثّلها علمها، فيما طغى اللّون الأخضر العسكريّ الذّي يحيل على المؤسّسة العسكريّة على مكان اللّقاء، خاصةً من خلال الكراسي والسّتائر. وهي الإشارات الرّمزيّة التّي كان على محيط الرّئيس تجنبها في عزّ اتهامه من طرف الرّافضين له بأنّه صنيعة فرنسيّة في الخارج وعسكريّة في الدّاخل.

إلّا إذا كان الرّئيس نفسه، أراد أن يمرّر رسالة ولاء إلى هذين الطّرفين، اللّذين عرفا تاريخيًّا بكونهما من يقرّر مجيء وبقاء أيّ رئيس في الجزائر. وتصبح هذه القراءة ذات وجاهة من خلال بعض ما ورد في حديث الرّئيس، خلال هذا اللقاء التلفزيونيّ الذّي، قال إنّه سيكثر منه في المستقبل، حيث أصرّ على أنّه سيلجأ إلى الاستثمار في الغاز الصّخريّ الذّي تؤيّده الدّوائر الفرنسيّة ويرفضه نشطاء البيئة في الجزائر، كما قال في ما يبدو أنّها فلتة لسان "أنا والحكومة وأهل القرار في البلاد"، بما جعل كثيرين يقولون إنّ المقصود بعبارة "أهل القرار"، هم صقور المؤسّسة العسكريّة.

لقد طغت فوضى الألوان، وعدم انسجامها على مكان اللّقاء، بما جعله أقرب إلى خيمة شعبيّة كبيرة، منه إلى مكتب رئاسيّ يمثّل دولة تملك من التّقاليد الرّئاسيّة ما يكفي. وإنّني أجريت مقارنة بين الصّورة التّي ظهر عليها مكتب الرّئيس أبي مازن، أثناء استقباله للرّئيس الفرنسي والرّئيس الرّوسي، على هامش مشاركتها في ذكرى تحرير معسكر "أوشفيتز" وصورة مكتب الرّئيس تبّون أثناء اللّقاء التّلفزيونيّ المذكور، ورحت أسأل: أيّ البلدين يخضع للاحتلال؟

أمّا على مستوى الوجوه التّي تمّ انتقاؤها لمحاورة الرّئيس، فكلّها ظهرت معروفة لديه. بما أعطى انطباعًا لدى الجزائريّين بأنّه حاور مقرّبيه من الإعلام لا الإعلام بمفهومه الاحترافي. والدّليل أنّه كان ينادي كلّ واحد من الحاضرين باسمه، في مقابل أنّ هؤلاء طرحوا عليه الأسئلة المريحة، وتجنّبوا الأسئلة المزعجة منها السّؤال المتعلّق بسجناء الرّأي وفيهم زملاء لهم في المهنة.

ثمّة في كلّ منبر إعلامي، جزائريّ شباب محترفون ومهنيّون ويملكون معجبين في الأوساط الشّعبيّة، إلى جانب وجوه في الإعلام الالكتروني الحر. ولو كان هناك فعلًا تغيير فعليّ في المنطق الرّئاسي، لوجّهت الدّعوة إليهم للقاء الرّئيس في أوّل لقاء تلفزيوني له، لا أن توجّه إلى وجوه جاهزة لتطرح أسئلة جاهزة.

ولعلّ أكبر دليل على غياب مؤشّرات التّغيير، واستمرار المنظومة السّابقة، من خلال الرّئاسة الجديدة، بالإضافة إلى النّقائص والاختلالات الشّكليّة المذكورة، في أوّل لقاء تلفزيونيّ للرّئيس تبّون، أنّه ظهر مفتقدًا لبرنامج واضح المنطلقات والأدوات والآفاق. فقد تحدّث بنبرة رئيس بلدية لا رئيس جمهوريّة.

ففي مجال التربية والتعليم، ركّز على الوجبات السّاخنة في المطاعم المدرسيّة، عوضًا عن الحديث عن إصلاح المناهج التّي جعلت من المدرسة الجزائريّة تصنّف خلف مدارس بعض الدّول الأفريقيّة. وتحدّث عن استعداده لإقامة نوادي للإعلاميّين "يأكلون فيها سندويتشات ويشاهدون مقابلات كرة القدم"، عوضًا عن الحديث عن برنامج يهدف إلى تحرير القطاع وتطويره، وجعله في خدمة المواطن لا الرّئيس ومحيطه.

نشعر بأنّنا انتقلنا من رئيس لا يتكلّم، إلى رئيس لا يعرف كيف يتكلّم

لقد أكثر الرّجل من ترديد عبارة "كذا وكذا وكذا"، و"فيه وفيه وفيه"، إذا جاز أن نعتبر هذه عبارة. وهو ما يدلّ على أنّ هناك فراغات في خطابه. وهو ما يجعلنا نشعر بأنّنا انتقلنا من رئيس لا يتكلّم، إلى رئيس لا يعرف كيف يتكلّم.  

 

اقرأ/ي أيضًا:

أوّل خرجة دولية لـ عبد المجيد تبون.. البحث عن شرعية دولية أم تموقع إقليمي؟

الرئيس عبد المجيد تبون يباشر تغييرات جديدة في طاقمه الرئاسي