23-أكتوبر-2021

(ستيفانو مونتيسي/ Getty)

أثارت صورة متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، تتعلّق باحتفالية في مدرسة بالمولد النبوي الشريف، جدلًا واسعًا وسط جزائريين ومهتمين بالشأن التربوي، حيث أظهرت الصورة مجموعة من التلاميذ  في آخر القسم، بعيدين عن طاولة الاحتفال التي تحلَّق حولها بضع تلميذات يرتدين الأزياء التقليدية الجزائرية، وهو من فسّر من طرف رواد مواقع التواصل على أنه تم استبعادهم بسبب عدم ارتدائهم أزياء احتفالية.

الأمر الأكثر إيلامًا بالنسبة للسيّدة سليمة (45 سنة) أن معلمتها في سنوات الابتدائي، كانت تفرّق بين التلاميذ حسب مستواهم الاجتماعي من ناحية المعاملة والتحفيز 

بغضّ النّظر عن حقيقة الصورة وخلفياتها، فإن قراءات كثيرة ذهبت إلى وصف سلوك المعلمة بأنه يعكس تمييزًا واضحًا بين التلاميذ؛ بين من يرتدون لباسًا تقليديًا ومن لم يفعل ذلك، خلال احتفالات الجزائريين بعيد مولد النبي محمد عليه الصلاة والسلام.

اقرأ/ي أيضًا:  ديوان المطبوعات المدرسية يُطمئن: الكتاب المدرسي متوفّر فوق الحاج

لكنها من زاوية أخرى لفتت إلى قراءات روّاد الفيسبوك التي تسقِط "نية الفاعِل" وتسلِّط الضوء على أهمية إعادة النّظر في منظومة تسيير قاعات الدروس في الجزائر، وماذا يمارس التلاميذ داخل أقسام التربية والتعليم؟.

في هذا الشأن، تُطرح أسئلة كثيرة إن كان أساتذة التعليم يفرِضون منطقهم في الاحتفال بالمولد النبوي في الأقسام بعيدًا عن نشاطات المدرسة، بإلزام التلاميذ على ارتداء لباس تقليدي، في حين أن الجميع يعرف أن هناك من لا تملك أسرته قيمة دفع أقساط شراء الكتب المدرسية؟ كما يظلّ السؤال الأهم ها هنا: هل يعلم الأساتذة حجم الألم النّفسي الذي تسببه مثل هذه الاحتفاليات على أطفال صغار يتنافسون فيما بينهم من يرتدي الأحسن والأفضل ومن يستطيع جلب حلويات وأطباق تقليدية؟ 

 

 

ينتقد متابعون هنا، الإطار العام للمنظومة من بوابة بناء وجهات نظر حول سلوكات تتكرّر في المدرسة الجزائرية، من شأنها أن تنعكس على التلاميذ في سنّ صغيرة، وحسبنا أيضا أن قراءتنا الإعلامية تأتي من بوابة استِطلاع آراء أساتذة وخبراء في المناهج التربوية بالدرجة الثانية، وأيضًا من تجارب الكثيرين من قصص راح ضحيتها كثيرون رغم أنهم أضحوا اليوم أرباب أسر وعائلات.

جروح لم تلتئم

في السّابق كانت هذه الاحتفالات عنوان للبهرجة والافتخار بين التلاميذ، من باب من يأتي بالحلويات ومن يأتي بالهدايا لـ"آنستي" أي معلمتي على حدّ تعبير سليمة بن زهرة من ولاية ميلة شرق الجزائر، إذ كانت معلمتها دائمة البحث عن مناسبة دينية لتحتفي بالهدايا التي يقدمها لها تلامذتها على اختلاف وتمايز مستواهم الاجتماعي، كما قالت لـ"الترا جزائر".

نعم آنستها الآن بلغت من العمر عتيًا، هي الآن تجاوزت سنّ الثمانين، والتلميذة-الزوجة والأم سليمة مازالت تتذكّر بمرارة تلك "التفرقة" بينها وبين بنت بائع المصوغات الذهبية وابن الطبيب وابن المحامي،وهي ابنة حمّال في سوق المدينة، على حد تعبيرها.

الأمر الأكثر إيلامًا بالنسبة للسيّدة سليمة البالغة اليوم 45 سنة، أن معلمتها في سنوات الابتدائي، كانت تفرّق بين التلاميذ حسب مستواهم الاجتماعي من ناحية المعاملة والتحفيز والتمييز أيضًا، وهذا ما يبقى عالقًا في ذاكرتها حتى وهي الآن أستاذة جامعية وأم لأربعة أبناء.

كثيرون يتذكّرون هذه "المآسي النّفسية" التي علّقها عدد من أساتذة التعليم الأساسي على كاهل التلاميذ، وعلِقت بأذهانهم وذاكرتهم التي لا تعرف مجال لتصفية الصالح من الطالح، بل كأنها برمجة تبقى معهم طول الحياة، كما شرح أستاذ علم النفس عبد الكريم مناري من جامعة العلوم الإنسانية والاجتماعية بولاية الشلف غرب العاصمة في حديث إلى "الترا جزائر"، مشيرًا إلى أن هذه الذكريات المؤلمة تحدِث شروخًا في نفسية الطفل وقد تؤدي به إلى مقاطعة الدراسة، أو تؤثر عليه من ناحية مستواه التعليمي وتحصيليه المدرسي، إضافة إلى أنها ستتشكل في أشكال جروح تتعمق مع مرور الزمن ويصعب التئامها.

وعزا الأستاذ مناري؛ ذلك إلى أن الجِراح تعلق في القلب والعقل، وتظهر كل مرة عند تكرار الصورة أو المشهد حتى عندما يكبر الفرد ويتزوج وينجب، متأسفًا على "أننا في المدارس لا نعطي بالًا لمثل هذه الصور التي تعكس التمييز والتفرقة بين تلاميذ القسم الواحد، إذ تسببت بعض الوقائع في ترك العشرات لمقاعد الدراسة.

 دعوة واقتراح

ومن داخل الحقل التربوي، دعت الأستاذة صباح بودراس في تعليقها على صورة الاحتفالية التي تداولها رواد التواصل الاجتماعي، إلى ضرورة "منع الحضور بالملابس التقليدية للمدرسة"، وذلك "مراعاة للحالةِ الاجتماعية للتلاميذ"، كما اقترحت في نفس الوقت تعويض ذلك خلال أي مناسبة دينية أو وطنية بتكليف التلاميذ برسم لوحاتٍ فنيةٍ يصنع الطفل الملابس التقليدية بأحجامٍ صغيرة للتعريف بتراثنا ويتم الصاقها في لوحات تعلقُ على جدرانِ القسم".

السّلطة الخامسة

غير بعيد عن الحادثة التي التفّ حولها رواد التواصل الاجتماعي، دون التثّبت من خلفياتها، يطرح البعض زاوية أخرى من زوايا التعامل مع التلاميذ، رافضين أن يتمّ نشر صورهم في وسائل التواصل الاجتماعي.

هنا، اعتبرت أستاذة الإعلام التربوي نبيلة هني، أن هناك تجاوزات كثيرة في حقّ التلاميذ، بنشر صورهم دون استئذان ذويهم، لافتة في تصريح لـ "الترا جزائر"، إلى أن النشر في وسائط التواصل الاجتماعي أصبح عمومًا "سلطة خامسة"، بل فاقت سلطتها الإعلام التقليدي كسلطة رابعة، لما يمتلكه الإعلام الرقمي من قوة الزمان والمكان بالسرعة في النشر، إذ "بات الجميع ناشر وجمهور في آن واحد"، على حدّ قولها.

وإضافة إلى ذلك فإن "السوشيال ميديا كتقنيات إعلامية ووسائط جماهيرية واسعة، باتت تخلف عدة مشكِلات بسبب النشر دون إذن المعنيين، وخاصة إن كانوا من القصّر، ما ينجرّ عنها مشاكل نفسية وعائلية قد تصل حدّ الحط من كرامة الطفل".

أصبح من الضروري تدخّل وزارة التربية للحدّ من هذه الانزلاقات التي باتت تؤجّج القطاع

وفي ضوء ذلك، أصبح من الضروري تدخّل وزارة التربية للحدّ من هذه الانزلاقات التي باتت تؤجّج القطاع، وخصوصًا أن الصورة تنتشر بشكل سريع وفي توقيت زمني قصير، في المقابل بإمكانها أن تدمّر مستقبل التلاميذ من مبدأ النشر دون وعي بخطورة ذلك ووقعه على الأطفال.

 

اقرأ/ي أيضًا:  

توزيع الكتاب المدرسي.. فشلٌ يتكرر كل سنة

المدرسة تعود إلى كتب الجيل الأوّل.. إصلاحات بن غبريط في خبر كان