27-مايو-2022
سجن الفليعة بولاية تيبازة (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

سجن الفليعة بولاية تيبازة (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

لماذا يعود المسبوق قضائيًا إلى ارتكاب جريمة أخرى بعد استنفاذه العقوبة؟ وماهي الدّوافع وراء ذلك؟ هي أسئلة تثار مجتمعيًا كلما عاد الحديث إلى قرارات العفو الرئاسي عن السجناء في المناسبات الوطنية، حيث تكشف الأرقام أن العديد من حالات الجرائم في الجزائر، كان مرتكبوها مسبوقون قضائيًا، خاصّة وأن الحالات أصبحت تتزايد بشكل مخيف، حسب بعض رجال العدالة في الجزائر، يُقابل كلّ هذا إجراءات رادعلجريمة ومساعي الحدّ منها وارتباطها ارتباطًا وثيقًا بالمحيط الاجتماعي للمعنيين بتعدد دوافعهم لانتهاج السلوك الانحرافي مرة أخرى.

تشير الأرقام إلى وقوع أكثر  من 290 ألف جريمة في آخر إحصائيات للمديرية العامة للأمن

ارتفاع معدلات الجريمة في الجزائر، يتسم بمنحنى تصاعدي، إذ تشير الأرقام إلى أكثر  من 290 ألف جريمة في آخر إحصائيات للمديرية العامة للأمن، سُجلت العام الماضي، في حين تساهم الظروف الاجتماعية والنفسية إلى عودة الأشخاص إلى الجريمة مجدّدًا، إذ نسمع أحيانًا عن خروج الأفراد من السِّجن وعودتهم له مجددًا بعد تكرار الجريمة.

الظروف المعيشية والبيئة المحيطة، حسب متابعين، تدفع الخارجين من السُّجون إلى العودة إليها مجدّدًا بتكرارهم لجرائم جديدة، إذ ذكر ت الباحثة في علم الاجتماع الانحراف بجامعة بوزريعة بالعاصمة الجزائرية سميرة زيتوني أن الكثيرون يعودون للسرقة مجددًا بعد الإفراج عنهم أو العفو عنهم بعد تدابير رفع العقوبة ومنحهم الحرية.

ولفتت زيتوني في حديثها لـ "الترا جزائر"، إلى أنّ خرق قواعد القيم الاجتماعية في جرائم القتل والسّرقة والاغتصاب من الصعب الإفلات منها بمجرد الدخول السّجن وقضاء المحكومية في فترة الحبس، بل هناك شروط واجب الأخذ بها لتقليص شروط أو ظروف عودة المجرم لجريمته.

تعود المتحدّثة إلى قاعدة مهمة في هذا السياق مفادها: "أننا لا نريد القضاء على المريض –المجرم ولكن على القضاء على أسباب المرض – أسباب الجريمة)، مشيرةً إلى أهمية الظروف الأسرية في استقبال المجرمين بعد خروجهم من السجن، إذ لكلّ شخص ظروفه الخاصّة وطريقة تكيف العائلة معه بعد هذه المرحلة، وعلّقت أنها شخصيًا اشتغلت على عديد الحالات الذين وجدوا صعوبة في التأقلم في المحيط الأسري الذي رفضهم أو لم يتقبلهم تحت مسمى "سجين سابق".

يبدو أن الرعاية الأسريةوهي مضنية للسجين السابق تكلف الكثير، خصوصًا بالنسبة للمجرمين في قضايا الاغتصاب والقتل وترويج المخدرات وتعاطيها، إذ يتطلب الأمر تعاملًا مستمرًا في الرعاية والعلاج نفسيًا وصحيًا أيضًا.

وكشفت بعض حالات من العائدين للجريمة للمرة الثانية وحتى الثالثة، حسب الأستاذة زيتوني أن دوافعهم نفسية بالدرجة الأولى، إذ سيطر عليهم الإحباط بسبب الفشل في بعض مجالات الحياة كالتحصيل الدراسي والفشل في الحصول على عمل ملائم، إذ "نجدهم دائمي الهيجان والشجار مع الناس الغرباء".

دافع آخر يضاف إلى ارتكاب الجرائم مجدّدًا، إذ يفرّغ المعني بالجريمة الشّحنة الزائدة في الشّجارات تقوده للعنف مرة أخرى، إضافة إلى الضغوط النفسية التي يواجهها بسبب ظروف الحياة التي بدورها تكون سببًا من أسباب ارتكاب الجرائم والاعتداء على الأشخاص.

لا يقلّ الدافع الاقتصادي أهميّة من الدوافع السابقة، إذ بعد خروج كثير من السجناء لا يبحثون عن عمل، إذ رجع البعض لتجارة المخدرات أو العمل في مواقف السيارات التي غالبًا ما تكون وجهتهم خصوصًا وأن العمل في مؤسسات بات يطلب وثيقة السوابق القضائية.

الحاجة للمال من العوامل التي تدفع المسبوقين قضائيًا إلى اللجوء إلى السرقة أو الشجارات العنيفة، والاحتكاك بأصدقاء مثلهم يتقاسمون مهمة ترّصد الضحايا و" تقسيم غنيمة السرقات"

بعد السّجن: استقبال الأسرة؟   

طبيعة الأسرة التي يعود إليها المسجون سابقًا تلعب دورًا كبيرًا في توازنه النفسي، إذ يلاحظ مشاكل كبيرة تتسبب فيها الأسرة المفككة، كطلاق الوالدين أو هجرة أحد الوالدين وغياب السلطة الأبوية، وتغيب معها التربية منذ نشأة الأفراد في هذه الأسرة.

ويشير الباحث في علوم الإجرام، فريد باجي لـ" الترا جزائر"، أن البيئة الأسرية وظروفها المادية وطبيعة السكن أيضًا والحي لها دور كبير في نشأة المسبوقين قضائيًا.

وبعيدًا عن الظروف الاجتماعية والنفسية والاقتصادية للمحبوسين السابقين وعودتهم للجريمة، أشار الباحث باجي في هذا الصدد إلى عدة معطيات أهمها أن عدد المحبوسين المعتادين على الأجرام في منحى تزايدي يعكس فشل الإدارة العقابية من جهة وفشل إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين من جهة أخرى.

لا يُمكن إهمال القسوة المستخدمة في أسلوب التربية العقابية داخل السجون، فاختلاط المساجين فيما بينهم يحتاج إلى إعادة هيكلة ومراعاة أهمية سلب الحرية للمجرمين وإخضاعهم للنظام السائد والقوانين في وسط أو فضاء مغلق.

ففي السجون هناك فضاء عدائي بطبيعتها يتطلب من السجين التكيف وتقبل واقعه الجديد، وبالتالي فلكلّ سجين طريقة أو نوعًا معين من الاستجابات التكيفية في الوسط العقابي.

لكن من الصعوبة بمكان أن يتكيف السجين وراء القضبان لقضاء عقوبة طويلة، إذ تعتبر في حدّ ذاتها تحديًا كبيرًا ونتائجها مرهقة للمسجون، بل هي أحيانًا مدمرة للجانب النفسي والاجتماعي بعد الإفراج.

وعليه دعا المختصون في مجال العقوبات والجريمة، بأن تدريب المحكوم عليهم مهنيًا يعتبر حلقة من حلقات عمليات العلاج داخل المؤسسات العقابية، في سلسلة تتكامل فيها الشروط والظروف الي تؤهلهم للانخراط في المجتمع بعد الإفراج عليهم.

ولفتت بعض الوثائق إلى ضرورة فتح السجون أمام الدراسات الأكاديمية للإسهام في توجهات السياسة العقابية لوزارة العدل وإصلاحها، فضلًا عن إطلاع الجمهور العام على ما يجري داخل المؤسسات العقابية، لتقليص الهوة بين الفرد الحر في المجتمع ومجتمع السجن، وذلك ما يساعد على عملية الإدماج الاجتماعي للمحبوسين بعد إطلاق سراحهم.

الرعاية اللاّحقة

خصّصت المؤسسات العقابية في الجزائر برامج الإصلاح العقابي، إذ يخضع المساجين لأساليب التّأهيل والتّهذيب داخل المؤسّسات العقابية، فضلًا عن تلقيهم الرعاية الصحية الوقائية والعلاجية، لكنها لا تكفي ولا تكتمل أهدافها في إصلاح المساجين بعد الإفراج عنهم، إذ يتطلب ذلك رعايتهم بعد السِّجن.

واعتبرت الأخصائية الاجتماعية كريمة سعدون، أن فترة ما بعد السجن أو بين يوم الإفراج والأشهر الأولى فترة مفصلية في حياة المسبوق قضائيًا، إذ يواجه ما يوسم بـ"أزمة الإفراج" أو "صدمة الإفراج" بالنظر إلى الاختلاف الواضح بين ظروف الحياة السجنية وداخل جدران الحبس وحياة أخرى جديدة قد يتعرّض فيها إلى ضيق الحال المادي وظروف أسرهم.

ضرورة مواصلة استكمال علاج المفرج عنهم حقيقة لا مفر منها، كما قالت سعدون لـ" الترا جزائر" وذلك عبر تطبيق أساليب جديدة عن التي طبقت داخل المؤسسات العقابية، وذكرت أن هذه المرحلة تتسم برعاية لاحقة للمفرج عنهم بغية الحد من ظاهرة العودة إلى الجريمة ومكافحتها، وحلّ المشاكل الاجتماعية للمحبوسين المفرج عنهم الناجمة عن ارتكابهم للجرائم كالتفكك الأسري والتشرد، وتقديم المساعدة لهم للتأقلم مع العالم الخارجي.

لا جدوى للاجتهاد في إصلاح المساجين وتأهيلهم داخل السّجون دون متابعتهم بعد فترة المحكومية، لأنّ هناك عديد الصعوبات التي يجدها المفرج عنهم بعد الإفراج تسحبهم نحو تكرار الجرائم.

وأوصت بأهمية مساعدة هذه الفئة للعودة إلى احتلال مكانهم داخل المجتمع وتوفير الوثائق التي يحتاجونها فضلًا عن إعانات مادية، إذ تتكفل عدة جهات بالرعاية اللاحقة بالتنسيق بين عدة وزارات حسب قانون تنظيم السجن وإعادة الادماج الاجتماعي للمحبوسين.

تعتبر الرعاية الاجتماعية من أهم البرامج الإصلاحية للحد من خطورة تفشي الجريمة

وفي الأخير ، فإن هذه الرعاية من أهم البرامج الإصلاحية للحد من خطورة تفشي الجريمة، وإبقاء اليد ممدودة للمفرج عنهم نهائيًا سواء عن طريق إعانتهم ماديا أو معنويا لتسهيل إدماجهم في المجتمع رغم نظرته السلبية اتجاههم.