03-أغسطس-2021

شركة إنتاج الأكسيجين بولاية البليدة (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

أظهرت الأزمة الوبائية في الجزائر منذ أكثر من سنيتن عن أزمات خفية يعرفها المجال الصحّي كقطاع حيوي، وتشهدها منظومة الطبّ منذ عقود طويلة، إذ لا يمكن أن يتجاوز الجزائريون حقيقة عدم تمكينهم من العلاج من مختلف الأمراض في ظلّ مخاوف كبرى من العدوى، وهو ما يجعل المواطن أمام حتمية اللّجوء للمصحات الخاصّة أو انتظار الموت.

مع تفشي الوباء تحوّلت عديد المستشفيات الجامعية ومصالحها المتخصّصة إلى مصالح لعلاج المصابين بكورونا

مع تفشي الوباء تحوّلت عديد المستشفيات الجامعية ومصالحها المتخصّصة إلى مصالح لعلاج المصابين بكورونا، كما تحوّلت المصحات العمومية إلى منشآت تستقبِل المصابين بأعراض الصعوبات التنفسية في مواجهة الموت المحدق بين لحظة وأخرى، وبات الأكسيجين مادة حيوية يشتريها الجزائريون بأثمان باهظة في السوق السوداء.

اقرأ/ي أيضًا: وصول الدفعة الأولى من مكثفات الأكسجين إلى الجزائر

رغم أن الأزمة الصحيّة الأخيرة، كشفت عن هشاشة المنظومة الصحّية في عدّة جوانب، إلا أن خلية الأزمة التي أنشأت للغرض لم تقدّم الشيء الكثير على الأرض، فمع بداية الموجة الثالثة وتزايد عدد الحالات التي تعاني من صعوبة التنفس بسبب جائحة "كوفيد - 19"، ظهرت عدّة نقائص أهمها نقص مادة الأكسجين في المستشفيات.

أوجه الأزمة

بعيدًا عن فيروس كورونا، الذي أصاب الجسم الطبي والكوادر الطبية بوهن شديد، سؤال يطرح بإلحاح في هذا الظرف العصيب يتعدّى إلى أين يتوجّه المُصابون بأمراض مختلفة وخصوصًا الأمراض المزمنة والأمراض الخطيرة، خصوصًا من الفئات الهشّة والفقيرة؟، وماهي الحلول التي وضعتها وزارة الصحة الجزائرية لمجابهة هذه الأزمة التي لم تتهيأ لها بمختلف منشآتها ولا بكوادرها الطبية؟ وهل بات على الجزائريين أن يتقبلوا قدرهم بأن يعالجوا في مصحات لا تضمن لهم العلاج في بداياته، والإذعان لقدر محتوم هو التوجّه إلى المصحات الخاصّة المكلفة جدًا؟

سجّلت مختلف المصحات الطبية في الجزائر، شكاوى المواطنين ممن يلجؤون للعلاج على أمراض مختلفة، إذ باتت وجهتهم الأولى الأطباء الخواص، أو انتظار انقشاع أزمة الوباء لعودة بعض الأقسام على مستوى المستشفيات الحكومية للخدمة العمومية.

هذا الواقع، كشف العديد من الاختلالات على مستوى القطاع الصحّي في الجزائر، مع نقص كبير في تقليص الطلب على مراجعة الأطباء على مستوى عديد التخصّصات، خاصّة في المستشفيات الجامعية التي تضمن الخدمة بتكاليف ضئيلة.

قبل عشر سنوات دشّن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عديد المستشفيات العمومية جديدة في عدّة ولايات، غير أنه كان خلال زياراته الميدانية يرفض أن يدلي وزير الصحة أو أي مدير مستشفى بحقيقة أن إنجاز المنشآت الصحية لا يعني توفير الصحة ولا يعني توفير العلاج، وهي عبارات يمقتها الرئيس والمسؤولون إذا تعلق الأمر بمنجز من منجزات البنى التحتية، غير أنها في الواقع، كانت عبارة عن "تأجيل خطأ"، أو "تأجيل مشكلة تعانيها الصحة".

ظلّت المراكز الطبّية والمنشآت الصحية في الجزائر تطرح العديد من الأسئلة، إذ لا يمكن أن "نغطِّي الشّمس بالغِربال" يقول الطبيب المختص في الأورام سيد علي غديري من مستشفى باتنة الجامعي شرق البلاد لـ"الترا جزائر"، فأزمة كورونا لم تكشف فقط النقائص التي تشهدها المستشفيات الجزائرية، بل "عرّت منظومة طبية وعلاجية لم تتمكن من تلافي صدمة الوباء".

في ظلّ هذا الواقع، كشف محدّث "الترا جزائر" أن الأزمة الحالية أظهرت نقصًا فادحًا في التخطيط للتقليل من تداعيات الضغط الكبير على الأقسام الطبية والمستشفيات والمراكز الطبية، خاصّة وأن علاج بعض الأمرَاض في الجزائر يُكلِّف كثيرًا، لكنه في المقابل من ذلك "يمكن أن يتمّ تجاوزه بتخصيص ميزانية ضخمة للتّكوين والتّدريب للأطباء المختصين في الأزمات الصحية، وتقسيم المجهودات على مختلف أقسام الأمراض الأخرى".

حلّ لابدّ منه

معاناة كبرى يعرفها المرضى خصوصًا بالنسبة للأمراض المزمنة، إذ أظهرت مدى حاجة البلاد إلى تطوير الطبّ المنزلي أو العناية الطبية المنزلية، خصوصًا وأن بعض التخصصات يمكن متابعتها في البيوت في ظرف مثل هذا.

وتشير المختصّة في الطب الوقائي بمستشفى بني مسوس بالعاصمة الجزائرية نصيرة آيت يعلى إلى "الضّغط الذي تعرفه مختلف الأقسام الطبية في الفترة الحالية ومنذ تفشي وباء كورونا"، موضّحة لـ "الترا جزائر"، أنه رغ تحويل بعض الأقسام وربما كلها في عديد المستشفيات العمومية إلى علاج مرضى كورونا إلا أن "معاناة المرضى كبيرة، وتأجيل بعض المواعيد العلاجية للعشرات منهم، يستدعي التوقّف لإعادة النّظر في تصنيف بعض التخصّصات الطبية والعلاجية".

تتعامل الكوادر الطبية في الجزائر والطّواقم الصحية مع الأزمة الحالية بردّة الفعل المعاكسة، ومعالجة الوضعية كما هي قائمة وبما هو متوفّر، في وقت وضعت وزارة الصحة الجزائرية كلّ الطواقم الطبية فضلًا عن إمكانيات مضاعفة من أجل محاربة الوباء ومحاولة تطويق بؤرته في عديد المناطق.

ومن انعكاسات الأزمة الوبائية، أن الإمكانيات الصحية في الجزائر لازالت لا تستجيب للطّلب، وهو ما جعل كثيرين يصفون قطاع الصحة في الجزائر بـ "المريض"، في حين خصصت الخزينة العمومية الملايير من أجل بناء المستشفيات وتوفير الأجهزة الطبية للعلاج.

رحلة متعبة

ومن بين النقائص مخابر التحاليل التابعة للمستشفيات العمومية التي لا تضمن الكشوفات مباشرة، ما يدفع بالمواطن إلى القيام بها في مخابر الخواص، وهو ما يعني تكاليف باهظة بالنسبة لمختلف الأسر ذات الدخل الضعيف.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، تعجّ المخابر الخاصّة بالمرضى وذويهم، ممّن ضاقت بهم السّبل، بسبب النّقص الكبير الذي تشهده المستشفيات وتوجيهها نحو العناية بمرضى كورونا، ومعالجة الأزمة الحالية، سواءً من إمكانيات مادية أو كادر بشري وهو ما يتحتّم اليوم إلى ضرورة إعداد مخطّط صحي جديد، لتطويق الأزمة خصوصًا بالنسبة للفئات الهشّة.

ولتوضيح ذلك، كشفت الدكتورة زكية علاوة، من مركز الصحة العمومية بمنطقة بئر توتة غرب العاصمة الجزائرية، أن المقدرات المادية من وسائل وأجهزة باتت لا تستوفي الطّلب بالنسبة للمرضى، على حدّ قولها، خاصّة على مستوى عديد الأقسام كأمراض الكلى وأمراض القلب، التي تكلّف المال الكثير في المصحات الخاصة.

وأضافت لـ "الترا جزائر" أن الأزمة الحالية، "تستوجب إعادة النظر في المنظومة الصحية برمّتها، خصوصًا وأنّنا مقبلون على تطوّر لموجات أخرى للفيروس المتحوّر، مع ضعف في التعامل مع الحالات المزمنة والحالات الطبية الأخرى".

وشدّدت المتحدّثة، على ضرورة تجهيز عديد الفضاءات لمجابهة الوباء من جهة، وتلبية مطالب العلاج للمرضى الذين لا يمكنهم تلقي العلاج في المصحات الخاصّة.

يبدو أن الحكومة الحالية أماها تحديات كبرى أهمها الإحاطة بمكافحة الوباء وعدم التفريط في توفير الخدمة الصحية العمومية اللازمة للمواطنين

مع تعقيدات الوضع الصحي في الجزائر وبسبب سوء تسيير توفير مادة الأكسيجين الحيوية للمرضى، يبدو أن الحكومة الحالية أماها تحديات كبرى أهمها الإحاطة بمكافحة الوباء من جهة، وعدم التفريط في توفير الخدمة الصحية العمومية اللازمة للمواطنين، من جهة أخرى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 وزير الصناعة الصيدلانية يدعو مصنعي الأكسجين لمضاعفة الإنتاج

معهد باستور: سلالة "دلتا" الهندية تنتشر بنسبة 71 بالمائة في الجزائر