20-سبتمبر-2021

(صورة أرشيفية/ رياض قرامدي/ أ.ف.ب)

عَادَ الحَديث في الجزائر مُجدّدا إلى قضية استرجاع الأموال المنهوبة، في فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، حيث اقترحت الحكومة "تسوية ودية" لاسترجاع الأموال عن طريق الاعتِماد على هيئة تتكفل بتسيير الأملاك المحجوزة، فضلًا عن إدخال أحكام خاصّة لتسيير الشركات التي يتابع فيها أصحابها أمام القضاء الجزائري.

ذهبت حركة مجتمع السلم إلى  أن هذه الخطوة ستتخذها بقايا العصابة مطية للإفلات من المسائلة والمتابعة القضائية والعقاب

وطرحت مكوّنات سياسية وقانونية ونوّاب في البرلمان الجزائري تساؤلات عن الصيغة التي تريد من ورائها الحكومة غلق هذا الملف، حيث لم تستكمل الجهات القضائية عملية النظر في أحكام المتابعين من رجال أعمال ومسؤولين سياسيين ضالعين في الفساد خلال العقدين الأخيرين.

اقرأ/ي أيضًا: استعادة الأموال المهربة.. هل ينجح قانون العفو والمصالحة الاقتصادية؟

آلية قانونية

في هذا السياق، أعلن الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، خلال مناقشة مُخطّط الحكومة على مستوى البرلمان، عن "سعي الحكومة إلى أخلقة الحياة العامة والوقاية من الفساد ومكافحته، وترسيخ القيم الأخلاقية، وإصلاح الإدارة العمومية"، كما تضمنت الوثيقة في الفصل الخاص بالوقاية من الفساد ومكافحته، " طريقة تسوية ودية تضمن استرداد الأملاك المختلسة، ووضع الآليات القانونية المتعلقة بالهيئة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته".

وتنمّ هذه الورقة من مخطّط الحكومة، أن الهيئة ستملِك صلاحية التعامل المباشر مع الأطراف المعنية بالفساد، ممن اختلسوا أموال الخزينة العمومية، بغية استرجاعها، في إشارة ضِمنية لإيقاف المتابعات القضائية. ورغم الطّرح "السّطحي" للوثيقة  في شقّها المتعلّق بمكافحة الفساد، إلى غاية الإفراج عن الآليات والتدابير القانونية، إلا أنّ استرجاع الأموال سيظلّ علامة استفهام كبرى أمام القضاء الجزائري، إذ سيتم توظيف بعض الآليات على مقاس بعض الوجوه و الرموز من فترة حكم بوتفليقة.

قانونيًا، تعهّدت الحكومة بـ "مراجعة للقوانين والتّشريعات الخاصة بغسيل الأموال وتمويل العمليات الإرهابية وكيفية محاربتها، علاوة على استكمال مشروع القانون المتعلّق بقمع مخالفة تشريع وتنظيم الصرف وحركات رؤوس الأموال من وإلى الخارج، من أجل تفضيل التسوية الودية على الإجراءات الجزائية، وذلك قصد تعزيز القدرات المالية للدولة، كما ستعكف الحكومة على تعزيز الشفافية فـي تسيير الأموال العمومية وتتبعه والوصول إلى الصفقات العمومية".

ويتضمَّن، المقترح التّسويات الودية،  مع مهرّبي الأموال إلى الخارج، وهي من الصعوبة بمكان تواجدها، وإيجاد تسهيلات لإعادتها من المصارف الدولية، رغم التصريحات باسترداد بعض العقارات من فرنسا.

نحو المصالحة الاقتصادية

في هذا السياق، تعهد بن عبد الرحمن، في جلسة علنية حضرها أعضاء المجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى للبرلمان الجزائري)، بتجسيد "إصلاح شامل وعصري للنظام البنكي والمصرفي الجزائري، بما يجعله أكثر فعالية وجاذبية ورفع مستوى مساهمته في تنمية الاقتصاد، إضافة إلى استقطاب "الكُتلة النّقدية المتداولة في السوق الموازي"، والتي تتجاوز بحسب أرقام خبراء 60 مليار دولار أميركي.

وتماشِيًا مع ما تمّ ذِكره من قِبل الوزير الأول، سيتم تسهيل اللّجوء إلى العدالة، خاصة عن طريق مراجعة، كما قال، "الإطار القانوني للـمساعدة القضائية، وتعزيز الآليات التي تيسر ذلك، وكذا تحسين أداء النظام العقابي".

وبالإضافة إلى ذلك، تهدف هذه الخطوات إلى "مراجعة قانون تنظيم الصّرف وحركة رؤوس الأموال من الخارج وإليه، من أجل تفضيل التسوية الوديّة عبر الإجراءات الجزائية بهدف تعزيز القدرات المالية للبلاد".

ووجب التذكير أنّ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، قد تعّهد منذ انتخابه في ديسمبر 2019، باسترجاع الأموال المنهوبة، والأموال المهرّبة إلى الخارج، موضِّحًا في أحد اللِّقاءات التلفزيونية أن "الأملاك والأموال المنهوبة المستَرجعة داخل الجزائر لا تمثّل شيئًا مقارنة بما تمَّ تهريبُه وإخفاؤه في الخارج، وسيأتي يوم سيبوح فيه هؤلاء بالمال الذي يخفونه، لأن ذلك في صالحهم".

الإفلات من العقاب

فتحت مقترحات الحكومة، الوثيقة الخاصة بالأموال المنهوبة، نقاشًا سياسيًا حول طريقة التسوية، أو المصالحة المالية، التي تعتبر فكرة غير واضحة المعالم، والإجراءات المتبعة لذلك من جهة، فيما طرحت بعض المكونات السياسية لقبول التسوية واسترجاع الأموال لفائدة المصلحة العامة للشعب الجزائري.

وفي تدخّله الإعلامي، شدد النائب عن حزب جبهة التحرير الوطني أحمد رابحي، على أهمية الإسراع في وضع خطة لاسترجاع الأموال المنهوبة في الفترة السابقة من حكم الرئيس بوتفليقة، رافضًا فكرة تسوية ودية مع المسؤولين على مختلف القضايا الفساد والاختلاس ونهب المال العام، على حد تعبيره.

على المستوى الإجرائي، تتضح رؤية الحكومة من خلال موقفها في طريقة عمل الآلية الاقتصادية لتلك السنوية، وهو ما يعني حسب المتابعين  أن استرجاع الأموال المسروقة، من الصعب بمكان تفعيله، أمام التعقيدات القضائية من خلال القوانين الحالية، إذ اعتبر رابحي أن العملية ستأخذ أشواطًا طويلة، لكن في أطر قانونية وقضائية دونما إفلات المنخرطين في الفساد من العقاب والمتابعة القضائية.

وتفسيرًا لذلك، ذهبت حركة مجتمع السلم إلى  أن هذه الخطوة ستتخذها بقايا العصابة مطية للإفلات من المسائلة والمتابعة القضائية والعقاب، إذ عبر النائب أحمد صادوق عن مخاوفه من أن تكون " وجوه متبقية من منظومة الرئيس بوتفليقة هي من دستّ الاقتراحات".

ولفت صادوق في تصريحات صحفية خلال مناقشة البرلمان لمخطط الحكومة، أن الأسماء المتهمة في السجون، ستجد المبرر الحقيقي للخروج من السجون في صفقات مقايضة عنوانها: "مكان المال المنهوب يقابله الحرية والخروج من المؤسّسات العقابية".

وبناءً على ذلك، وفي تقديره للمقترح الاقتصادي- السياسي، يرى ممثل حركة مجتمع السلم، أنّ المقترح إن تمّ تمريره، سيكون متناقضًا تمامًا مع "أخلقة الحياة السياسية ومكافحة السفاد"، أعطى النائب عن حمس أن الحركة ترى في آلية التسوية الودية لأجل استرجاع المال العام هو "انقلاب سياسي على مطالب الحراك الشعبي الذي لطالما نادى بمحاكمة المتورطون في الفساد ومعاقبتهم".

قرارات سياسية

وعلى غرار هذه المعطيات، تنتظر الحكومة مصادقة البرلمان على مخطط عملها، لكن يرى الخبير الاقتصادي حسين زروقي لـ "الترا جزائر"، أن الحكومة ستواجه عدة تحديات تتعلق بتسوية الملفات العالقة على مستوى القضاء، إذ تسير البلاد منذ عامين في طريق نحو فكّ الإرث الثقيل لقضايا الفساد  التي استنزفت الخزينة العمومية.

حسين زروقي: الحكومة ستواجه عدة تحديات تتعلق بتسوية الملفات العالقة على مستوى القضاء

واعتبر زروقي أن ملف التسوية قد ينظر إليه من عدة زوايا، أهمها من الناحية الاقتصادية، إذ من شأن غلق هذا الملفّ "الصعب" أن يردّ حقوق الجزائريين من أموال نهبت سابقًا، وتوجيهها للاستثمار وخلق مناصب شغل وامتصاص البطالة، لافتًا إلى أن الطريقة القانونية للوصول لذلك، "ستفتح الباب نحو تأويلات من شأنها أن تثير جدلًا سياسيًا جديدًا في علاقة مع وجوه العصابة"، على حدّ قوله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

استحداث صندوق خاص بالأموال والأملاك المنهوبة المصادرة

زغماتي: الجزائر ستستعيد الأموال المهربة للخارج مع احترام سيادة الدول

 

 

 

 

 

 

 

دلالات: