مجتمع

المكفوفون في الجزائر.. مصاعب قاتمة

12 يونيو 2023
GettyImages-157331272.jpg
مكفوف يستعين بعصا (الصورة: Getty)
فتيحة زماموش
فتيحة زماموشإعلامية وباحثة من الجزائر

في الطابق الرابع بالمكتبة الوطنية بمنطقة الحامة، وسط العاصمة الجزائرية، تعوّد عبد الكريم (29 سنة) أن يدرس ويراجع ويطالع بعض الكتب المتاحة له في إطار تخصصه الأكاديمي، في واحدة من أثرى المكتبات الجزائرية العمومية.

يصارع المكفوفون يوميًا ظروفًا صعبة للغاية بسبب نقصٍ كبيرٍ في المرافق التابعة للمؤسّسات الحكومية 

ذات مرة تعثّر هذا الشاب الضرير في السلالم، رغم تعودّه على فضاءاتها ومساراتها وممراتها المؤدية من بوابتها الرئيسية إلى الطابق الأرضي، ثم مختلف أقسام المكتبة فالطوابق الأربعة.

لحظتها لم يجد بدًا سوى أن يقول جملته: "اتركوني أرى بعيونكم" في إشارة منه إلى من هَرَع لمساعدته في الوقوف والوصول إلى مكانه المفضل للدراسة.

نافذة تطل على العالم

تعجّ المكتبة الوطنية بقرّاء ممن فقدوا البصر، إما وراثيًا أو بسبب مشاكل صحيّة، أو ظروف تعثروا بها، أو بسبب حوادث قاهرة. كثيرون منهم وجدوا ضالتهم في استعمال مراجع مكتوبة بخطّ البرايل المتوفّرة في رفوف الفضاء العلمي والأكاديمي، الموجهة لذوي الاحتياجات الخاصة، أو من خلال الاستناد إلى زميل أو صديق لطلب المساعدة وتحقيق المراد، خصوصًا في فترة الامتحانات أو لإعداد رسالة ليسانس أو ماستر أو أطروحة دكتوراه.

غريب الأمر، يردد محدث "الترا جزائر"، فهو يتحسّس من امتعاض البعض من عدم توفّر المراجع وصعوبة الدراسة والفشل في الاستمرار على دربها؛ فبالنسبة لهم "الأمر مضنٍ رغم كل الوسائل المتوفّرة والأدوات المتاحة في فضاء واسعٍ وثريٍّ بكل ما يحمله هذا من معنى".

في المقابل يعتقد أنه يواصل الدراسة لأنه صار يرى كلّ شيء بفضل ذلك، رغم أنه أصبح أعمى بعد إصابته بالحمى في سنواته الأولى في فترة الطفولة.

لفت عبد الكريم إلى أن العين هي "حبيبة الإنسان"، ولكنه في كل مرة يتذكّر ذلك، يزيد حماسه للتعلّم والبحث عن الاستزادة، فهو يعتبر أن "العلم نافذته على العالم لمعانقة النجاح"، خصوصًا وأنه تمكّن من الحصول على شهادة الباكالوريا بعد اجتياز الامتحان المصيري لثلاث مرات كاملة، فالإصرار هو عنوانه الدائم وأن النجاح يبتسم لمن يتشبث بالاستمرار في المحاولة،على حدّ قوله.

التفاتة

مثل ما هو موجود في المكتبة الوطنية، نماذج أخرى في كل مكان، تجدهم في الشوارع في المستشفيات وفي المؤسّسات العمومية الأخرى.

"كثيرون ينعمون بالبصر لكن قليل منهم يلتفتون إلى هذه النعمة"، هكذا تقول السيّدة سعيدة وهي تعمل في مؤسّسة حضانة الأطفال بمنطقة بني مسوس بالعاصمة الجزائرية، ولديتها طفلة لا تُبصر، معتبرة ذلك "خير اختاره الله لها"، ففي البداية لم تتقبّل الأم هذه الحقيقة، ولكن مع مرور الوقت رأت في ذلك "قدر محتوم"، عليها أن تؤمن بأنه باب لأمور ربما أفضل.

اكتشاف الحياة

في الشوارع وفي محطات المسافرين خاصّة، كثيرًا ما نلحق بهؤلاء ممن فقدوا البصر، ونحاول تقديم لهم المساعدة، وأحيانًا نستمع إليهم، وغالبًا ما لا ينبسون ببنت شفة، فأغلبهم يصارعون يومياتهم و"يكافحون من أجل العيش من دون رؤية العالم"، كما قالت نديرة (43 سنة) التي فقدت بصرها في طفولتها بسبب مرض ألمّ بها.

تقول محدّثة "الترا جزائر"، إنها كانت تحلم يومًا أن ترى والديها، "لقد كنت أتحسس الأشياء باللمس فقط وأنا طفلة صغيرة، كنت ألعب مع الصغار ولكني دائمًا كنت أفتقد لشيء ما.. صرت أعرف ما يعنيه ألا أرى من أحبهم".

في مقابل ذلك، تتعترف نديرة أنها اقتنعت بأن ما تعيشه اليوم كُتب عليها، بل هي راضية عنه وتعودت على ممارسة حياتها، ولكن كان سؤال يتبادر لذهنها بشكل مستمرّ وتطرحه كثيرًا مفاده: "كيف تحب أشخاصًا لم ترهم بعينيها من قبل؟"، وتستدرك المتحدثة، أنها بدأت تكتشف الجواب مع مرور الزمن "لقد رأيتهم بقلبي وأحببتهم بروحي".

يعتقد كثيرون من بين أفراد هذه الفئة بأن الكفيف ما هو إلا شخص فَقَد بصره ولكنه لم يفقِد بصيرته وحنكته وقوته وقدرته على العيش ومواجهة الشدائد، البعض منهم يزاولون الدراسة ويتفوَّقون في مجالات تخصصاتهم، وكثير منهم يمارسون هوايات ونشاطات يدوية وحرف متنوعة كما يشارك آخرون في ندوات علمية وفي منافسات رياضية ومحافل دولية، ولا يأبهون للواقع الملموس الذي سمعوا عنه الكثير ولم يروه بعد، بل يفكر بعضهم في سبل عيش الحياة بكل تفاصيلها بعيدًا عن ملامسة مادياتها وتفاصيل مكوناتها.

أمل لدى الأبناء

هي فلسفة في الحياة كثيرون يحيون بها، ويعيشون بفضلها، متجاوزين مطباتها وسلبياتها وعقباتها، وربما حتى أذى بعض الألسنة، لأن "العمى عمى الأبصار وليس البصر"، كما يقول متابعون لـ "الترا جزائر".

تجربة نور الدين ومايسة (أسماء مستعارة) ملهمة جدًا، وكثير سواها في العمق الجزائري، فزوجها ممن لا يرفضون أي عمل، بل يحاول تجريب كل شيء لكي لا يبقى مكتوف اليدين، بينما زوجته تعلّمت الخياطة وصنع الحلويات أيضًا وتروج لبعض ما تصنعه أناملها على محلات تتوزّع في منطقة تيجلابين بولاية بومرداس شرقي العاصمة الجزائرية.

لقد أنجب هذان الزوجان ثلاثة أطفال، كما يحلمان بأن يشاركا أطفالهما كل نجاحاتهم في التحصيل الدراسي وفي الحياة أيضًا.

تتحدث مايسة لـ "الترا جزائر" بأنها فقدت الأمل في السابق بأن تؤسس أسرة وأن تنجح في مهمة إعالة أبنائها، ولكن حسبها أن "إرادة الله أكبر وأقوى"، معتبرة أن كل شيء ممكن مادامت هناك إرادة وعزيمة.

يطالب كثيرون بتخصيص مهن للمكفوفين تنسجم معهم والإبقاء على صلة التضامن معهم وتحفيزهم على القيام بما هو أفضل

يتحدث البعض عن ضرورة الاهتمام أكثر بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة عمومًا وبالمكفوفين  بشكلٍ خاصة، وتوفير ظروف أفضل لهم على مستوى المرافق العمومية، لمواجهة ظروف الحياة اليومية التي باتت عبارة عن صراع يومي وضغط في الممرات الخاصة بالسيارات وبالدخول إلى المؤسسات، ونقص كبير في مرافق تابعة للمؤسّسات الحكومية المخصّصة لهم، خاصة أمام تطور التكنولوجيا التي تخدم كثيرًا هذه الفئة وتساعدهم في تذليل الصعاب، وهو مطلب كثيرين لتسهيل حياتهم، إضافة إلى تخصيص مهن لهم تنسجم مع متطلباتهم، والإبقاء على صلة التضامن معهم وتحفيزهم على القيام بما هو أفضل، وتشجيعهم على الإبداع و رؤية العالم.

 

الكلمات المفتاحية

الجزائر والبكالوريا

من سلاح ضدّ الاستعمار إلى ضغط على العائلة .. هذه حكاية البكالوريا في الجزائر

في الجزائر، لا تُعدّ شهادة البكالوريا مجرّد امتحان تعليمي يُنهي مرحلة ويفتح أبواب مرحلة أخرى، بل تحوّلت إلى رمز مركزي في الوعي الجمعي، يحمل أبعادًا تتجاوز الفصل الدراسي والدرجات النهائية.


حجز ذخيرة

تزايد لافت لاستعمال السلاح في تهريب المخدرات.. هل نتجّه لعسكرة الجريمة؟

تأتي العملية التي أعلنت عنها وزارة الدفاع بتوقيف ثلاثة أجانب مسلحين يوم الجمعة 13 حزيران/جوان الجاري في منطقة عين أمناس الحدودية مع ليبيا، في سياق تحول واضح في سلوك الجماعات الإجرامية التي باتت تلجأ لاستعمال العنف المسلح في تنفيذ عملياتها، بعد أن كانت تعتمد لسنوات على شبكات تهريب سرية محدودة الإمكانيات.


أطفال الجزائر

بلا حُدود.. تمرُّد الأطفال في الجزائر يسبِق أوانه

لم يعد تمرّد الأطفال في الجزائر مجرّد سلوك عابر في سن المراهقة، بل أصبح "ظاهرة" مُقلقة تتغلغل في البيوت والمدارس، وتطرح أسئلة جادّة حول دور الأسرة والمجتمع، فهل فقدت مؤسسات التنشئة في الجزائر قبضتها على الجيل الجديد؟


كفاءات جزائرية بالجامعة

رحيل بعد عودة.. كفاءات جزائرية على أبواب الهجرة مُجدّداً

ترددٌ، فعودة، فرحيل؛ مشهد مقتطع من رحلة متعثّرة عاشتها بعض الكفاءات الجزائرية بين الهجرة والعودة. هي رحلة لا تخلو من التحديات، حيث اصطدمت الآمال العريضة بواقع محبط ومعقّد.

باخرة غراندي نافي فيلوتشي
أخبار

خط بحري جديد للمسافرين بين بجاية وميناء فرنسي.. هل تنخفض الأسعار؟

دخل خط بحري جديد حيز الخدمة بين ميناء بجاية وميناء سات الفرنسي، بعد أن أشرفت الشركة الإيطالية "غراندي نافي فيلوتشي" على التدشين الرسمي له اليوم الاثنين، تزامنا مع وصول السفينة "إكسلنت" إلى ميناء بجاية وعلى متنها 257 مسافرا و181 مركبة.

السيدة
أخبار

6 أشخاص في قبضة العدالة بشبهة الاعتداء على السيدة المتهمة ظلما بالسحر

عرفت قضية سيدة العلمة المتهمة ظلمًا بممارسة السحر تطورات جديدة، حيث أعلن عن توقيف ستة أشخاص يُشتبه في تورطهم المباشر في حادثة الاعتداء التي تعرّضت لها، بعد تحليل محتوى الفيديوهات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي وثّقت لحظة محاصرة السيدة وتوجيه اتهامات علنية لها، من دون أي دليل مادي أو قانوني.


بوعلام صنصال (الصورة:فيسبوك)
أخبار

لجنة الدفاع عن بوعلام صنصال تنتقد "تقاعس" مؤسسات الاتحاد الأوروبي في الدفاع عنه

يُكمل الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، في 16 جوان الجاري، شهره السابع خلف القضبان في سجن القليعة، حيث أعلنت لجنة دعمه عن خطوة جديدة للضغط من أجل إطلاق سراحه.

حجز ذخيرة
مجتمع

تزايد لافت لاستعمال السلاح في تهريب المخدرات.. هل نتجّه لعسكرة الجريمة؟

تأتي العملية التي أعلنت عنها وزارة الدفاع بتوقيف ثلاثة أجانب مسلحين يوم الجمعة 13 حزيران/جوان الجاري في منطقة عين أمناس الحدودية مع ليبيا، في سياق تحول واضح في سلوك الجماعات الإجرامية التي باتت تلجأ لاستعمال العنف المسلح في تنفيذ عملياتها، بعد أن كانت تعتمد لسنوات على شبكات تهريب سرية محدودة الإمكانيات.

الأكثر قراءة

1
أخبار

"الذّهب الحُلو" في واجهة التصدير.. الجزائر تُراهن على التمور


2
أخبار

طقس الجزائر..حرارة قياسية وأمطار رعدية على عدة ولايات


3
أخبار

في 3 ولايات.. 8 أشخاص أمام العدالة بسبب الغشّ في البكالوريا


4
منوعات

نادي طالب عبد الرحمن يتحول إلى مطعم.. جزء من ذاكرة الثورة الجزائرية بالعاصمة إلى زوال


5
أخبار

بعد التهافت على نسختها الأولى .. فيات تطلق "دوبلو كلوب" بهذه المواصفات والأسعار