13-أغسطس-2021

خيم التلقيح ضد كورونا بساحة البريد المركزي (تصوير: رياض قرامدي/أ. ف. ب)

ليس خافِيًا على كثير من الجزائريين اليوم أنّ أصعب مكان في جغرافيا بلد يمتد على مساحة أكثر من مليوني كيلومتر مربّع، هو الدّخول إلى مُستشفى لتلقِّي العِلاج. رِحلة مُضنية تَبدأ بمحَطّة دُون أن تنتَهِي وقد تنتهِي بعَذاب قد يطُول لأشهر وأكثر.

يتساءل مواطنون إن كانت الإصابة بكورونا تعني استثناء المرضى المصابين بأمراض أخرى من تلقِّي العلاج في مستشفيات حكومية؟

لا يُمكِن أن نُنكِر حقيقة، أن المنظُومة السِياسية من الحكومات المتعاقبة والوزراء الذين تربّعوا على عرش وزارة الصحّة والسكّان وإصلاح المستشفيات، تمكَّنت من بِناء عدِيد المؤسَّسات الطبِّية، كهياكل استِشفائية لتغطِية عجز تشهَده عديد البلديات عَبر مَناطِق الوَطن، غير أنّها في المُقابل لم تُلبِّ الاحتياجات الحقيقية للسّاكنة في تِلك المناطق مِن الطّلبات الصحيّة، خاصة ما تعلّق بالأمراض المزمِنة والتّحاليل المُعمّقة، ما تدفع بالمرضى للتنقّل إمَّا نحو المستشفيات الجامعية أو التنقّل بين العيادات الخاصة لمن استطاع إليها سبيلًا.

اقرأ/ي أيضًا: معركة الأكسيجين.. فصلٌ آخر من تضامن الجزائريين ضدّ الوباء

يبدو أن مشكلة الصحّة كمنظومة في الجزائر ترتحل من حكومة لأخرى ومن وزير لآخر، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نتذكّر تصريحات البروفيسور عبد الحميد أبركان، وزير سابق على رأس هذا القطاع الحسّاس والحيوي (2001-2004)، جاء فيها أنّ الجزائر ماضِية في بناء مستشفيات توفّر خِدمة جيِّدة، وتحفَظ كرامَة المُواطِن، كرّر هذِه العِبارة عِدّة مرات، في لِقاء صحفي استمرَّ أربع ساعات بمكتبه بمقرّ الوزارة ببلدية المَدَنية بالعاصِمة الجزائرية، ظلّ السُّؤال الوحِيد الذي تكرَّرَ مَرَّات عِدَّة في متون اللقاء: متى يحصُل المواطن على خِدمة عمومية دون إرهاق ولهث مُضنٍ بين أروِقة المستشفيات والعيادات العُمومية؟ من أجل أن يتمكَّن من إجراء التحاليل، وإيجاد سرير للعلاج، دونما أن يُقال له جهاز السّكانير مُعطّل؟  فاستقر الجواب الذي ردّده الوزير، أنّنا كدولة نبنِي مستشفيات بالمليارات تُلبّي طلبات المُواطنين وتوفر الوسائل والأجهزة لعلاج المرضى وتستغِلّ الخبرات الجزائرية.

هذا التصريح، مرّ عليه أكثر من 15 سنة، بات يتكرّر على ألسنة مختلف المسؤولين الذين تعاقبوا سواءًعلى الوزارة كجهاز من أجهزة الحكومة أو على مستوى مديريات الصحة والعيادات العمومية، في حين تتواصل صرخات الآلاف مِن الجزائريين، لأجل الحصول على سرير بمستشفى، أمام تفاقم أزمة وباء كورونا، وصارت مهمّة البحث عن ذلك كالتّنقيب عن الذّهب، أما البحث عن قارورة اكسيجين كمن يبحَث عن منفذ للخُروج من نَفق مسدُود.

تتعدَّدت الأسباب والموت واحد، الحُرقة واحدة والفراق واحد، لكن في هذا الظرف لازالت العائلات الجزائرية لم تستوعب بعد أنّنا أمام حقيقتين أحلاهما مرّة؛ وبتصريح من خبراء الصحة وكوادرها: "مستشفيات تنقصها التّسيير العادِل بين مختلف الولايات والمناطق، وسياسات حكومية لم تنتبِه بعد للاستشراف لطبّ الأزمات"، وبينهما حقائق يتحمّل وزرها إهمال التخطيط والاستِشراف في هكذا أزمات، واستِبعاد كوادِر وخبرات جزائرية قدمت عديد الدراسات الأكاديمية لحلّ أزمة قطاع الصحة، فظل الأخير بعيد عن إصلاح رغم أن القطاع يضم هيئة تتكفّل بإصلاح المستشفيات والتي ظلت تسمية لصيقة بوزارة الصحة.

بين هذه الحقائق وكثير سواها، أصبح الجزائري لا يثق في الوعود التي تطلقها بيانات حكومية، وتصريحات الوزراء من جهة، وواقع اصطدم به المرضى، إذ لا يمكن العبور من مرحلة تطويق الوباء و التّشافي من ارتِداداته النَّفسية والجَسدية، حيث تتهاطَل نِداءات المُتضرِّرين وعائلاتهم، للظَّفر بقارُورة اوكسيجين، وبعض الأدوية الضّرورية لعديد الحالات الصّعبة.

في المقابل من ذلك، يتساءل مواطنون إن كانت الإصابة بكورونا تعني استثناء المرضى المصابين بأمراض أخرى من تلقِّي العلاج في مستشفيات حكومية؟هذا السّؤال أرَّق كثيرين، ووضع البعض مِنهم في خانة إهمال طِبِّي بسبب الضَّغط الذي سبَّبته هذه الأزمة التي طالت لأكثر من سنتين على الكادر الطبّي والإداري في مختلف مستشفيات الجزائر، وجعلت من القطاع اليوم يواجه الواقع اليومي بأقلّ الأضرار وأخفّها رغم عديد أغلفة الدّعم الذي وجّهته الحكومة لاستمرار العمل الطبي على مستوى مختلف المؤسّسات الاستشفائية.

تعيش الجزائر مشهدًا استثنائيًا بين أزمة كورونا ونفاذ الاكسيجين واشتِعال النّيران على مُستوى 14 ولاية

في وضع كهذا، تعيش الجزائر مشهدًا استثنائيًا بين أزمة كورونا ونفاذ الاكسيجين واشتِعال النّيران على مُستوى 14 ولاية، ظَرف تأزّمت معه عملية إنقاذ المُصابين وتوفير المواد الطبّية لعلاج المتضرِّرين من الحرائق، وإغاثة عَشرات من الحالات الاستِعجالية بسبب الحُروق، وتوجيههم للعاصمة الجزائرية لتلقي العلاج لتتواصَل نكبة الصحّة، مُعطى وَجب إعادة النّظر فيه خصوصًا فيما يتعلّق بمسألة توزيع عادل لمؤسّسات طبّية متخصّصة مثل الحروق.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مختصون يقدّمون 3 فرضيات حول عدم تعرض الأطفال لمضاعفات "كوفيد-19"

تعليق أداء صلاة الجمعة بجميع مساجد ولاية سعيدة