12-أبريل-2020

مهندسو النظافة ببلدية باب الواد بالعاصمة (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

على غير العادة في الصباح، تحوّلت المدن الجزائرية بسبب إجراءات الوقاية من فيروس كورونا إلى شوارع شبه مهجورة، حيث قلّت فيها الحركة وغابت عنها صيحات الباعة وقابضو الحافلات الخاصّة، وأصوات النادلين في المقاهي. اختفت زحمة حافلات النقل ولم نعد نرى أشخاصًا مسرعين للحاق بدوامهم. توقفت حركة القطارات وبات المستيقظون باكرًا يعدّون على أصابع اليد الواحدة، لقد عمّت أجواء الحجر المنزلي.

تصف نوال يومياتها في الصيدلية في حديثها مع "الترا جزائر" بالرعب اليومي

إلا أنّ هناك من استثنتهم الظروف، واستمرّوا في أعمالهم وتقديم خدماتهم رغم اختيار الجميع للحجر المتزلي الذاتي، إنهم موظفّون في قطاعات حيوية، لا يستطيعون التوقّف ولو لثانية واحدة، إنهم يضمنون تواصل دوران العجلة الاقتصادية والاجتماعية.

اقرأ/ي أيضًا: الجمهور الجزائري يقاوم "عزلة الكورونا" بـ "السفر في الزمن"

نعمل لأجلكم 

تعوّد سكان مدينة الأسنام بالبويرة شرقي العاصمة، كل صباح على سماع صوت "عمي أحسن"، أحد أشهر عمال مصلحة النظافة في ولاية البويرة، يستيقظ فجرًا كعادته. يتوجّه إلى حظيرة البلدية، يجمع زملاءه ويستقلون شاحنة البلدية ليبدؤوا يومًا جديدًا. عمي أحسن وسائر عمّال النظافة عبر الوطن لم تشملهم قرارات الحجر، بل زادت وتيرة عملهم، وأضيفت لهم مهام أخرى كالتطهير والتعقيم.

يتحدّث عمي أحسن لـ "الترا جزائر" عن يومياته، ويقول: "نحن لا نستطيع التوقّف عن العمل، لو توقفنا ستنتشر أمراض أخرى غير الكورونا، نستيقظ قبل الجميع، صرنا في واجهة مكافحة هذا الوباء، رغم النقص الفادح في الإمكانات ولوازم الوقاية، لقد تمّ تزويدنا بقفّازين لكل أسبوع، أما الكمامات فقد تطوّع زميل لنا لاقتناءها وتوزيعها علينا، نحن نتسلّح بالعزيمة فقط".

ويستطرد العم أحسن "لم يتغير الشيء الكثير في عملنا، نحن نتشارك مع مؤسّسة عمومية شؤون النظافة في البلدية. فقط تم إضافة بعض الإجراءات كاحترام المسافة بيننا، وطريقة حمل النفايات، رغم أن الأمر يبقى صعب التطبيق نظرًا لطبيعة عملنا"، ويختم محدّثنا كلامه " تم تكليفنا أيضًا بمهام التعقيم والتطهير في الشوارع وداخل العمارات، يبدو أن المسؤولين التفتوا الينا بإضافة منحة خاصّة لأجورنا في هذه المرحلة، لكننا نعيش خوفًا يتكرّر كل يوم، نخاف حقًّا من حمل العدوى إلى بيوتنا".

رعبٌ يوميٌّ

ككلّ صباح، تحضّر نوال نفسها للخروج من منزلها، فمكان عملها يبعد عشرين كيلومترًا عن مقرّ سكنها، في طريقها نحو العمل، تقف الصيدلية الشابة على تغيّر كبير في تضاريس الطريق التي اعتادت قطعها يوميًا، القليل من الناس في الخارج ومحطات نقل المسافرين مهجروة تمامًا.

تتبع نوال إجراءات الوقاية في صيدليتها، تطلب من الزبائن احترام مسافة الأمان بينها وبين الداخلين إلى المحلّ، وتحرص أيضًا على تعقيم يديها بعد كلّ تواصل معهم.

تصف نوال يومياتها في الصيدلية في حديثها مع "الترا جزائر" بالرعب اليومي، مردفة أن "مئات الأشخاص يبحثون يوميًا عن القفازات والكمامات، ومواد التطهير والتعقيم، لكنّها أصبحت شبه منعدمة، وباتت قليلة حتّى في المراكز الاستشفائية والعيادات، بعض الزبائن الذين يعانون من أمراض مزمنة يأتون أيضًا لشراء أدويتهم مخافة حصول ندرة فيها. البعض يطلب أدوية من دون وصفة، فغالبية الأطباء الخواص أوصدوا أبواب عياداتهم خوفًا من العدوى أو بسبب نقص في المعدّات".

وتضيف محدثة "الترا جزائر"، أنّه في بعض الحالات يقصد الصيدلية شباب وشيوخ مرضى، في مشهد يُشعرك بالخوف من أن يكون أحدهم حاملًا للفيروس، الكثير من الزبائن تظهر عليهم أعراض الأنفلونزا الموسمية، بعضهم يمسك علبة الدواء ويرجعها، لكنّ طبيعة عملك تفرض عليك التعامل مع كل هذه الحالات"، وتختم نوال كلامها "بعد عودتي إلى المنزل أتحاشى التقرّب من والدي، صورة المرضى داخل الصيدلية، وأصوات السعال لا تفارقني".

التصالح مع الهلع

يشتغل فارس (34 سنة)، في بنك خاص بضاحية باب الزوار بالعاصمة، ورد اسمه في قائمة الموظفين الذين احتفظ بهم البنك لتسيير شؤونه وشؤون زبائنه في هذا الظرف الخاص الذي تمر به الجزائر والعالم، فقد تقلّص عدد عمال هذه الوكالة البنكية من ثلاثين إلى ستة أشخاص فقط.

قبل الوصول إلى مقرّ البنك، يستوقف فارس مشهد المواطنين وهم ينتظرون في طوابير طويلة قدوم أكياس الحليب إلى المحلّات، في صورة يقول عنها فارس"أنها تضرب عرض الحائط كلّ إجراءات السلامة والوقاية. من المؤسف رؤية أشخاص متزاحمين بدون كمامات ولا قفازات أمام المحلّات، شيء يتحمل المواطنون نصف مسؤوليته، والمسؤولون المباشرون عن القطاعات المعنية، النصف الآخر من مسؤولية هذا السلوك السلبي". 

يتحدّث فارس عن يومياته في العمل في زمن الحجر وانتشار فيروس كورونا" تغيّرت بعض التفاصيل في العمل، أصبح التعقيم والتطهير أمرًا ملازمًا لنا. عاملات النظافة لا يغادرن المكان، كما كان عليه الأمر سابقًا حيث كنّ يكتفين بالتنظيف صباحًا والمغادرة بعدها مباشرة".

رغم أن نزعة التباعد الاجتماعي تسيطر على العالم، إلا أنّ الأمر ليس كذلك في الجزائر

لكن ورغم أن نزعة التباعد الاجتماعي تسيطر على العالم، حيث لا يخرج الناس إلا لقضاء حوائج استعجالية، إلا أنّ الأمر ليس كذلك في الجزائر، حيث يتحدث فارس عن زحمة يومية داخل البنك، إذ يقول هنا: "تم تحويلي لأشتغل في هذه الفترة في الصندوق الرئيسي. أجد أمامي طابورًا من الزبائن كل يوم، هناك من يريد استخراج كل مدّخراته في البنك خوفًا من أي يطول الحجر أو يصبح حجرًا كليّا، إنها صورة من صور الهلع والتدافع الذي نراه في كلّ مكان، فيما يسارع البعض لإنهاء إجراءات بدأها"، هنا يختم فارس حديثه "لقد أخلط هذا الوباء كل الأوراق، صرنا نعيش ما يشبه فيلمًا سينمائيًا".

 

اقرأ/ي أيضًا: