20-يوليو-2022

من أمام جامعة الجزائر (فيسبوك/الترا جزائر)

تراجعت نسبة النّجاح في شهادة البكالوريا 2022 بثلاث نقاط، مقارنةً بالعام الفائت، إذ بلغت 58.78 في المائة. وفيما بلغت في شعبة الرّياضيات 78. 78في المائة، بلغت في شعبة الآداب والفلسفة 54. 80 في المائة، تتوسّطهما نسبة النجاح في شعبة اللّغات الأجنبيّة ب 64.00 في المائة.

الأكاديمي محمد الأمين لعلاونة: التخصصات الأدبية مبتذلة شعبيًا وحكوميًا

وتفرض ملاحظةُ توجيه أصحاب المعدّلات الضّعيفة نفسَها في كلّ موسم جامعيّ جديد، خاصّةً تلك التّي دون عتبة 10، إلى التخصّصات الأدبيّة والإنسانيّة والفنّيّة، بما يفرض مسبقًا هزالًا في مستوى هذه التّخصّصات، بالمقارنة مع التّخصّصات العلميّة التّي تحظى بأصحاب المعدّلات التّي تحمل صفة "جيّد جدًًا وممتاز". 

هنا، يقول الكاتب والنّاشط الثّقافيّ مراد غزال إنّ هذا المنطق في توجيه الطّلبة النّاجحين في الباكالوريا أسّس لاحتقار التخصّصات الأدبيّة والإنسانيّة من طرف الشّباب خصوصًا والمجتمع عمومًا؛ "فتصبح في نظرهم تافهةً وغير مجدية،رغم أنّها تخصّصات تدخل في تشكيل الوعي وبناء الإنسان. وهو التّشكيل والبناء اللّذان تعتمد عليهما الأمم الواعية برهانات المستقبل في الوصول إلى مواطن متوازن نفسيًّا وفكريًّا وسلوكيًّا". 

ويتساءل محدّث "الترا جزائر": "معظم خرّيجي التخصّصات الأدبيّة في الجامعة سيتوجّهون إلى التّعليم، بكلّ أطواره بما فيها الطّور الجامعيّ. فهل من المنطق وعلامات حرصنا على تعليم جيّد أن نخصّ الشّعب الأدبيّة بأصحاب المعدّلات الهزيلة؟ إنّنا بذلك نشلّ جودة التّعليم مسبقًا، ثمّ نتباكى لاحقًا على الأزمات التّي يعانيها، منها أنّ معظم تلاميذنا ينتقلون من طور إلى طور من دون فهم، ومعظم طلبتنا الجامعيّين يتخرّجون بشهادات بلا محمولات علميّة ومعرفيّة". 

تخصّصات مبتذلة

من جهته، يقول الأكاديميّ المتخصّص في الأدب محمّد الأمين لعلاونة إنّ احتقار وابتذال التخصصات الأدبية والإنسانية مخيال بات مشتركًا بين الشّارع والحكومة، خلال العقود الثّلاثة الأخيرة، في ظلّ انهيار سلّم القيم، "فنظرة النّظام إلى ما هو أدبيّ وفكريّ وإنسانيّ وذوقيّ وجماليّ وفنّي وثقافيّ يجسّدها التّصريح السّاخر لرئيس الحكومة السّابق عبد المالك سلّال، ونظرة الشّعب تجسّدها عبارة "راه يتفلسف" لكلّ من يفكّر و"راه يزمّر" لكلّ من يمارس الفنّ". 

ويرى لعلاونة أنّ توجيه أصحاب المعدّلات الضّعيفة إلى الشّعب الإنسانيّة هو ثمرة طبيعيّة لهذا المخيال الشعبيّ والحكوميّ المريض؛ "وهو مخيال وجب إصلاحه. فكل إصلاح قبله سيكون بلا جدوى. وهذا ما هو حادث في كلّ الإصلاحات التّي اقترحتها الحكومات المتعاقبة، في مقدّمتها مشاريع إصلاحات المنظومة التّربويّة".  

لماذا نندهش ونحتجّ حين نجد طبيبًا رديئًا، يتساءل محدّث "الترا جزائر"، أو مهندسًا رديئًا أو طيّارًا رديئًا، لكنّنا نتعامل مع رداءة المعلّم والإمام والأستاذ والمسيّر والصّحفيّ كأنها أمر طبيعيّ؟ لأنّنا لا ندرك خطورة خراب الوعي والذّوق العامّين على حاضرنا ومستقبلنا، ودوره الحاسم في ما نشهده من مظاهر التّخلّف في مختلف الحقول.

 

ماتضحكوش على أصحاب المعدلات الضعيفة، فاغلبهم سيتولى أعلى المناصب ويخرج كل عقده في أصحاب المعدلات العالية، والواقع يؤكد..

Posted by Nassma Nawar on Sunday, July 17, 2022

تخصّصات جامعية بمعدلات ضعيفة

وجاء في تدوينة فيسبوكيّة ساخرة للجامعيّة بسمة نوّار: "لا تضحك على أصحاب المعدّلات الضّعيفة، فأغلبهم سيتولّى أعلى المناصب، ويُخرج كلّ عقده من أصحاب المعدّلات العالية. إنّ الواقع يؤكّد ذلك". 

وتحدّد تدوينة للأكاديميّ محمّد الفاتح حمدي بعض التّخصّصات التّي وصفها بالمهمّة في بناء المجتمع التّي يُرسل إليها أصحاب المعدّلات الضّعيفة من 9 إلى 12. وهي علوم الاجتماع والنّفس والإعلام والشّريعة والأدب والقانون وعلم المكتبات. يتسائل: "هل تجد طالبًا حاصلًا على البكالوريا بمعدّل 16 يتخصّص في الشّريعة مثلًا؟ من هنا أقول لكم إنّ القضيّة لا تتعلّق بالمعدّل فقط".

 

تخصصات مهمة في بناء المجتمع يرسل إليها أصحاب المعدلات الضعيفة من 9 إلى 12. وهي علم الاجتماع والنفس والإعلام والشريعة...

Posted by ‎محمد الفاتح حمدي‎ on Monday, October 12, 2020

إصلاح المنظومة التربوية 

فيما اقترحت تدوينة للأستاذ الجامعيّ مراد قوفي توجيه أصحاب المعدّلات الضّعيفة إلى تخصّصات مهنيّة بشهادة جامعيّة، عوضًا عن توجيههم إلى التّخصّصات الأدبيّة والإنسانيّة الدّاخلة في تشكيل الوعي المجتمعيّ. 

يقول: "من الأخطاء التّقليديّة المتجدّدة توجيه حمَلة البكالوريا من ذوي المعدّلات المتوسّطة وما دونها إلى الشّعب الأدبيّة والإنسانيّة. وكأنّ هذه الشّعب قدَرها أن تكون فراغًا يُملأ بمن لا طاقة له بها أو بمن لا رغبة له فيها!".

 

من الأخطاء التقليديّة المتجدّدة توجيه حمَلة البكالوريا من ذوي المعدّلات المتوسّطة وما دونها إلى الشعب الأدبيّة ...

Posted by ‎مراد ڤوفي‎ on Sunday, July 17, 2022

فكرة إصلاح المنظومة التربوية ومراجعة المفاهيم المغلوطة عن التدريس مازالت قائمة منذ التسعينات 

وظلّت عبارة "إصلاح المنظومة التّربويّة" تتردّد في الجزائر منذ أواسط تسعينيات القرن العشرين، من غير الذّهاب بها إلى أفق سليم تُراجَع فيه المفاهيم المغلوطة منها ابتذال واستسهال التّخصّصات الإنسانيّة. فهل سيفعلها الرّئيس تبّون، ليكون ذلك واحدًا من التّجلّيات الميدانيّة للجزائر الجديدة؟