حصل البنك الجزائري السنغالي على الاعتماد في السنغال وسيبدأ النشاط في غضون السداسي الأول من العام الحالي، فيما يترقب دخول فرعين بنكيين جزائريين بفرنسا وموريتانيا في الأشهر المقبلة.
الباحث الموريتاني عبد الصمد ولد أمبارك لـ"الترا جزائر": عمق الجزائر الأفريقي يتطلب انفتاحًا نحو أسواق الجنوب مرورًا بالسوق التجارية الموريتانية
وأعلن وزير المالية لعزير فايد أمام البرلمان مطلع نيسان/أفريل أن البنك الخارجي الجزائري يتابع الإجراءات الأولية للحصول على اعتماد "فرعه المسمى البنك الخارجي الجزائري الدولي" في فرنسا، ولا سيما تلك المتعلقة بإنشاء نظام معلومات وسيتم افتتاح أول وكالة له بمبنى القنصلية العامة السابقة بباريس (من المتوقع أن يتم ذلك بمناسبة زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى باريس في حزيران/جوان المقبل).
وأضاف فايد أنه بالنسبة لبنك الجزائر المسمى ببنك الاتحاد الجزائري بموريتانيا فقد تم إيداع ملف الاعتماد في بداية آذار/مارس 2023 ومن المرتقب أن يبدأ في تقديم خدماته للزبائن في خريف 2023.
واعتبر الوزير أن انشاء البنوك العمومية في الخارج، ولا سيما في أفريقيا جنوب الصحراء وفرنسا، "له طابع جيوستراتيجي للدولة الجزائرية على الصعيدين السياسي والاقتصادي".
ولا تخفي الحكومة وفق ما جاء في مخطط عملها وفي التصريحات التي صدرت عن الوزير الأول أيمن عبد الرحمن ووزراء المالية المتعاقبين حقيقة النوايا التي تقف وراء إنشاء بنوك عمومية بالقرب من مراكز إقامة الجالية وهي استقطاب أموال المهاجرين الجزائريين الذين تتركز غالبيتهم العظمى على أراضي القوة الاستعمارية السابقة وتوظيفها في التنمية.
وبحسب تقرير البنك العالمي حول الهجرة والتنمية الصادر في كانون الأول/ديسمبر 2022 بلغت تحويلات المهاجرين الجزائريين الـ1829 مليون دولار مقابل 1759 مليون دولار سنة 2021، فيما أشارت دراسة نشرت في مجلة مجاميع المعرفة (تصدر عن جامعة بشار بجنوب غرب الجزائر) في تشرين الأول/أكتوبر 2022 بعنوان "أثر تحويلات المهاجرين الجزائريين على النمو الاقتصادي"، للباحثة عائشة بنوجعفر، إلى أنه رغم امتلاك الجزائر لواحدة من أكبر الجاليات في الخارج تعد التحويلات التي تتلقها الجزائر الأضعف مقارنة بدول المنطقة (الثالثة مغاربيًا بعد المغرب وتونس وفق تقديرات البنك العالمي).
وأرجعت الباحثة السبب الرئيس لضعف التحويلات إلى الفارق الكبير بين سعر صرف العملة بين البنوك والسوق الموازية، وغياب شبكة بنكية جزائرية في المهجر تنافس بنوك الدول المضيفة وتقدم منتجات أفضل للمهاجرين.
ارتياح
وقوبل قرار إنشاء فروع بنكية عمومية في الخارج بترحاب واسع لدى أبناء الجالية سواءً في فرنسا أو في منطقة غرب أفريقيا، وأفاد هواري تيغرسي، الخبير والباحث الاقتصادي بأن "إنشاء بنك جزائري في السنغال سيوطد التواجد الاقتصادي الجزائري ليس في السنغال فقط بل في المنطقة الاقتصادية لغرب أفريقيا، التي تضم 15 بلدًا بتعدادٍ سكاني يقدر بحوالي 300 مليون نسمة".
ووفق الوكالة الجزائرية للتجارة الخارجية، فقد جاءت الجزائر في المرتبة الثامنة على قائمة زبائن السنغال على مستوى القارة الأفريقية في 2017، وسط اهتمام للمتعاملين الجزائريين لإطلاق مشاريع في البلاد وخصوصًا في القطاع الفلاحة وتربية المواشي.
وتشهد المبادلات الجزائرية الموريتانية بالموازاة نموًا لافتا، حيث ارتفعت المبادلات التجارية بين الجزائر وموريتانيا إلى 180 مليون دولار أمريكي خلال العشرة أشهر الأولى من عام 2022، بعد أن كانت عام 2019 لا تتجاوز 24 وفق ما صرح به وزير التجارة الجزائري السابق، كمال رزيق، في كانون الثاني/جانفي الماضي بنواقشوط. فيم تخطط الحكومة جزائرية لإنشاء منطقة للتبادل الحر على الحدود مع موريتانيا.
وفي السياق يرى الباحث الموريتاني، عبد الصمد ولد أمبارك، رئيس مركز الأطلس للتنمية والبحوث الإستراتيجية في موريتانيا، أن "إنشاء مؤسسة مالية جزائرية في مورتانيا في شكل بنك تشكل لبنة مهمة لدعم العمل العربي المشترك عبر الاستثمار المُجدي".
وقال ولد امبارك في تصريح لـ"الترا جزائر" إن القرار "سيساهم بدون شك في تمتين علاقات التبادل التجاري بين الفاعلين الاقتصاديين في البلدين، مع خلق بنية فعالة لتسهيل المعاملات المالية والجمركية وتوفير الضمانات الكفيلة بالرفع من حصص تمويل الأسواق الموريتانية بالمنتوج الجزائري."
وهنا أضاف الباحث الموريتاني: "هذه السلع والخدمات الجزائرية المطلوبة في السوق الموريتانية ومنه تؤمن العبور الآمن نحو أسواق غرب أفريقيا، في مسعى لتنشيط محور الجزائر - نواكشوط - لاغوس في نيجيريا."
كما أبرز أن "عمق الجزائر الأفريقي يتطلب انفتاحًا نحو أسواق الجنوب مرورًا بالسوق التجارية الموريتانية الأمر الذي يشكل بادرة جزائرية في خلق إطار مواتي لمثل الشراكة البينية الفعالة والمجدية".
واستطرد بالقول: "إن إنشاء قطاع مصرفي أمرٌ ملحٌ له تداعيات جدّ إيجابية على العلاقات القائمة بين موريتانيا والجزائر وفعال في ظل تعمير (إنجاز) الطريق البري الرابط بين تيندوف وأزويرات فيما يخص تدفق السلع والخدمات التجارية والصناعية الجزائرية نحو المجال الموريتاني".
وخلص إلى أنه "اليوم تتطلع الشعوب المغاربية إلى الاندماج الحقيقي لتحقيق الرفاه المشترك والتنمية الاقتصادية الاجتماعية زيادة على التحديات الأمنية والتنموية في بلدان الساحل وشمال أفريقيا".
تحديات
يجزم الخبير والباحث، هواري تيغرسي، بأنّ "البنك الجزائري السنغالي قادر على اكتساب زبائن رغم احتدام المنافسة في السنغال ومنطقة غرب أفريقيا"، في إشارة إلى الوضع المهمين الذي تحوزه بنوك فرنسية بالخصوص، فلعوامل تاريخية مرتبطة بالاستعمار تسيطر بنوك ومصارف فرنسية على السوق المالية هناك.
البرلماني يعقوبي: الجزائر ستجد صعوبة في منافسة البنوك والمصارف الناشطة في السوق الفرنسية
ومعلوم أنّ "سوسييتي جنرال" (الشركة العامة) الفرنسية مثلًا تحوز على شبكة تشمل 40 فرع بنكي و177000 زبون منها 2000 شركة، وفق ما جاء في موقع البنك على شبكة الانترنت.
بالمقابل يشير عبد الوهاب يعقوبي، المنتخب في البرلمان عن دائرة الهجرة (باريس وشمال فرنسا) إلى "صعوبة منافسة البنوك والمصارف الناشطة في السوق الفرنسية، خصوصًا في مجال البنية التحتية من رقمنة وسلاسة الخدمات البنكية ونظام الدفع وكفاءة العاملين في هذه البنوك."
وبحسب النائب عن حركة مجتمع السلم فإنّه "في ظل معطى أن البنوك الجزائرية لا زالت تشتغل بأدوات وخدمات تقليدية، فحري عليها اليوم وضع ظروف مناسبة لنجاح عملية انتشارها".
ورغم انتقاده لآليات عمل البنوك الجزائرية سجّل البرلماني يعقوبي "عدم قدرة فرع واحد على تغطية الطلب في ظل وجود جالية جزائرية"، مؤكدًا بأنّ "لدينا حاليًا 18 قنصلية مسجلٌ لديها عشرات الآلاف من الرعايا الجزائريين وإنشاء فرع واحد في المرحلة الحالية غير كاف بالمرة مما يوجب زيادة عددها".