23-مايو-2022

(تصوير: بلال بن سالم/Getty)

أمضى أسبوعًا كاملًا ذهًابا وإيابًا من أجل سحب أمواله من حساب بنكي بالعملة الصعبة، مشحونًا بالغضب والحسرة بسبب بيروقراطية الإدارة وتماطلها، ليقرّر في النهاية التوّجه إلى السوق الموازية لتحويل أمواله من الخارج إلى البلاد، هكذا يروي عبد الرؤوف تجربته الأولى في تعامله مع بنك عمومي جزائري.

تعتبر الجزائر غائبة تمامًا على التعاملات المالية الإلكترونية والعملات المشفرة والبنوك الافتراضية والتي باتت تشكل آلية من آليات التحويل المالي الفعال

المغترب عبد الرؤوف رجل في  العقد الخامس، يقيم بمدينة مارسيليا، فتح منذ سنتين حسابًا بنكيًا في الجزائر لتحويل مدّخراته نحو بلده، وحين تقدّم إلى شباك البنك قصد ملاء استمارة سحب أمواله التي أرسلها إلى حسابه من الخارج، أخبره موظف البنك أنه في حال إذا ما تجاوز المبلغ ألف يورو، عليه أولًا بضرورة تقديم طلب يحدّد فيها قيمة المبلغ بالعملة الصعبة، أمّا الشرط الثاني فعليه الحضور بعد 72 ساعة من تقديم الطلب.

كانت هذه شهادة أحد المغتربين الجزائريين بالخارج، قال إنه فضّل التعامل بشكلٍ حضاري وقانوني في تحويل أمواله من بنك فرنسي إلى بنك جزائري عمومي، وأضاف محدّث "الترا جزائر"، أنه منذ تلك "التجربة السيئة"، بات يعتمد على القنوات الموازية في تحويل أمواله إلى البلد بدل التعامل الرسمي. ليختم حديثه أنه لا يمكن في عصر الرقمنة سحب مبلغ مالي بالعملة الصعبة  في الجزائر لأن  الأمر يتوقّف على رغبة البنك، على حدّ تعبيره.

    الجزائر في المراتب الأخيرة

وفقًا لقاعدة البنك الدولي، فإن الجزائر سجّلت 1.8 مليار دولار قيمة التحويلات المالية للجالية الجزائرية بالخارج نحو الجزائر في سنة  2021، وقد شهدت القيمة الإجمالية للتحويلات المالية للمغتربين لمنطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نحو أوطانهم مبلغ 61 مليار دولار لسنة 2021.

في السياق، اعتبرت مصر والمغرب ولبنان من أفضل البلدان من حيث التحويلات المالية، إذ حوّلت الجالية المصرية ما يقدر بـ 31.4 مليار دولار، أما المغرب سجلت المداخيل بالعملة الصعبة نتيجة التحويلات الجالية 10.4 مليار دولار، فيما بلغت القيمة في لبنان بـ6.6 مليار دولار، تلتها الأردن بـ3.6 مليار دولار وقطاع غزة بـ3.5 مليار دولار، وتونس بقيمة إجمالية قدرت 2.2 مليار دولار.

يطرح متابعون أسئلة كثيرة حول سبب نفور المغتربين الجزائريين من التعاملات البنكية رغم وجود جالية مهمة في الخارج من الجزائر في كل دول العالم، فما هي أسباب هذا التباعد في الأرقام المحولة بين الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج وباقي الجاليات العربية والمغاربية؟

الإرادة السياسية

في تعليق على هذه الأرقام، يرى مختصون في المجال المصرفي، أن التحويلات المالية للجالية الجزائرية بالخارج تعرف انكماشًا وركودًا مقارنة بالعدد الإجمالي للمغتربين، وتعود الأسباب بحسب خبراء إلى غياب إرادة سياسية تعمل على استغلال الموارد المالية اقتصاديًا، وهو غياب يفسره عدم وجود بنوك فرعية قريبة من أوساط الجالية الجزائرية، وعدم وجود أيّة تحفيزات مالية تنعش حركة التحويلات من الخارج إلى الداخل. ويشكّل اهتزاز الثقة في البنوك العمومية الجزائرية لدى المغتربين من بين أسباب تراجع التحويلات المالية.

 في مقابل ذلك، يذهب البعض إلى طرح تفاسير إجتماعية، توعز ظاهرة نفور الجالية الجزائرية بالخارج من التعامل مع البنوك الجزائرية وتراجع التحويلات المالية إلى غياب الحس التضامني، غير أن حملات المغتربين لتحويل الأموال إلى الداخل في الأزمات تعطي قراءات مخالفة لهذا الطرح، إذ أن ما قدمته الجالية الجزائرية في وقت سابق، خلال حملات التضامن في إطار مكافحة انتشار فيروس كورونا وفي حرائق الغابات التي مسّت بعض مناطق الوطن يعد بملايير الدينارات.

هنا، شدد مختصّون أن غياب شبكة للبنوك الجزائرية بالخارج، ساهم في تراجع صب الأموال في المصارف الجزائرية وتراجع التحويلات من الخارج إلى الداخل، إذ تشكّل ودائع المغتربين الجزء الأكبر من التحويلات، ويشيرون إلى انخفاض قيمة التحويلات يعود أساسًا إلى القيمة المرسلة الضعيفة نسيبًا، والتي تدخل في إطار الدعم العائلي أو مساندة ذويهم وأقاربهم، ما يفسر ضعف التحويلات المالية إجمالًا.

وبناء على ما ذكر سابقًا،تتعالى أصوات منادية بضرورة تعجيل فتح فروع لبنوك عمومية أو شراكة مع مؤسّسات مالية خاصة بالخارج، مع تقديم خدمات عصرية، وعصرنة القطاع المصرفي. مع التأكيد أن تتضمن التحويلات المالية مشاريع اقتصادية أو تجارية من شأنها رفع القيمة المالية، وتثمين تلك التحويلات كمحرك أساسيًا للعجلة الاقتصادية، وتنويع مصادر الدخل بالعملة الأجنبية.

من جانبها، وفي إطار المساعي الرامية إلى تشجيع التحويلات المالية للجالية الجزائرية، صادقت الحكومة على مشروع تفعيل فتح بنوك عمومية بالخارج وهي البنك الجزائري بالخارج والقرض الشعبي الجزائري والبنك الجزائري الخارجي وفتح فروع بإفريقيا وفرنسا استجابة إلى انشغالات الجالية الجزائرية بفرنسا.

عدم اعتراف بالبنوك الافتراضية

من منظور اقتصادي، تعتبر الجزائر غائبة تمامًا على التعاملات المالية الإلكترونية والعملات المشفرة والبنوك الافتراضية والتي باتت تشكل آلية من آليات التحويل المالي الفعال.وفي هذا الشأن، أكد يزيد أوڨدال، الخبير في التكنولوجيات الحديثة، وجود حرك نقل الأموال وتحويلات مالية من الخارج إلى الداخل، تتم عبر بنوك افتراضية على غرار بطاقة "بيسرا" أو "بايبال".

وقال محدث "التر جزائر " إن غياب الخدمات الرقمية بالجزائر والإطار القانوني يجعل المصارف الجزائرية لا تستفيد من عوائد مالية للجالية الجزائرية بالخارج، معتبرًا أن "غياب البنوك الافتراضية بشكل رسمي يدفع بالكثير إلى اعتماد على بنوك افتراضية مقرها بالخارج أو أطراف خارجية".

التحويلات المالية للجالية الجزائرية، بحسب المتحدث، تذهب إلى حسابات وحقائب بنكية غير جزائرية وتدخل بطرق يصعب إحصاؤها، موضّحًا أن البنوك الجزائرية باستطاعتها وضع منصة رقمية لفتح حسابات مصرفية عن بعد للجالية الجزائرية، يتم إدراج فيها كل الخدمات البنكية من إيداع وتحويل دون الحضور الشخصي، خاصّة في ظلّ التوسّع الجغرافي للجالية الجزائرية بالخارج.

يَقترح مختصّون في مجال البنوك المراهنة على البنوك الافتراضية بدل البنوك التقليدية

البنوك الافتراضية البديل

يَقترح مختصّون في مجال البنوك المراهنة على البنوك الافتراضية بدل البنوك التقليدية، والتي تتطلّب تكاليف مالية باهضه من كراء للعقارات بالخارج وتوظيف يد عاملة أجنبية مكلفة وبالعملة الصعبة، إضافة إلى محدودية فعالية تلك البنوك في ظلّ عجز التغطية الجغرافية، الأمر الذي يُصعب في تحصيل ودائع المغتربين، فليس كل جزائري مغترب مقيم في العواصم الكبرى كباريس أو لندن أو مدريد، غير أن هذا التغيير يتطلب إعادة النظر في قانون النقد والقرض وإيجاد ديناميكية تنافسية، وتحضير إمكانيات تكنولوجية قوية، مع توفر إرادة سياسية لدى صنّاع القرار.