05-يناير-2021

محمد مدين, بشير طرطاق, سعيد بوتفليقة, لويزة حنون (الصورة: الخبر)

 

فجّر قرار المحكمة العسكرية الجزائرية بتبرئة المتهمين بـ "التآمر" ضد سلطة الجيش والدولة، نقاشًا حادّا على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما شكّل القرار "صدمة" في الشارع الجزائري وترك تساؤلات كبرى؛ ليس بسبب طبيعة الحكم في حدّ ذاته، ولكن أيضًا في انتقال القرار من النقيض إلى النقيض، من إدانتهم قبل عام ووصفهم بـ "العصابة" إلى تبرئتهم اليوم بسبب تغير الظروف السياسية التي جرت فيها المحاكمة، مقارنة مع محاكمة شهر أيلول/سبتمبر 2019.

 "قضية التآمر" التي عُرضت على أروقة القضاء الجزائري أعادت أطروحة استقلالية العدالة في البلاد

بين التوقّع والمفاجأة، وبين ردود أفعالٍ متباينةٍ، تفاعل جزائريون على مواقع التواصل الاجتماعي، عقب الإعلان عن الحكم الصادر السبت الماضي، عن مجلس الاستئناف بالمحكمة العسكرية بالبليدة غرب العاصمة الجزائرية، مع قرار تبرئة القائدين السابقين لجهاز المخابرات في الجزائر محمد مدين المدعو توفيق، وبشير طرطاق، ومعهم شقيق الرئيس الأسبق السعيد بوتفليقة، والأمينة العامة لـ "حزب العمال" لويزة حنون، وكانت التعليقات تنمّ عن سؤال شائك هل هي بداية إنهاء محاكمة "العصابة" من منظومة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة؟ أم أن المعنيين حوكموا سابقًا  في سياق ظرفي؟.

اختلفت آراء عددٍ من النشطاء والسياسيين والمحلّلين حول قرار المحكمة، بينما تجاهلت أغلب الأحزاب السياسية التعليق على الحدث، وهو ما يوحي بوجود طرفي صراع في دواليب السلطة، والخاسر الأكبر هي العدالة والقضاء الجزائري.

وعلى إثر هذه التطوّرات في الساحة السياسية في الجزائر، طرح الناشط السياسي جمال الصغير في تعليق نشره على صفحته الفيسبوكية، ضمن ما وصفه بالتعامل العاطفي مع الأحداث، في حين وصف القرار أن "المحكمة حكمت حضوريًا على الشعب بالغباء كونه عاطفي ويصدّق كل شيء"، متسائلًا: "هل يعني أن اجتماع التآمر على الجيش مجرد خرافة؟ وإذا كان هؤلاء سيفرج عليهم اليوم بالبراءة، فهل يعني أن قضية التآمر مجرّد قضية مفبركة من المرحوم القايد صالح؟ مع العلم أن الرئيس السابق اليمين زروال أيضًا صرح أنهم عرضوا عليه رئاسة الجمهورية، كيف تم الحكم بــ 20 سنة ثم 15 سنة ثم البراءة؟".

كما شكّك الناشط في صدقية القضيّة في حدّ ذاتها، معتبرًا أن قرار البراءة اليوم يكشف أن هناك شخصٌ واحد صنع مسرحية وقام بنحر كبرياء كبار الدولة مثل الجنرال توفيق برميهم إلى السجن ولو لسنة واحدة".

بدوره علق الكاتب والصحافي المتخصّص في الشؤون السياسية رياض هويلي قائلًا: "إنّ القضية تدخل في إطار صراع العُصب وتصفية الحسابات"، موضحًا في تدوينةعلى صفحته بموقع فيسبوك، أنه "لا وجود لحاضر ولا مستقبل. لا حرية ولا كرامة لا قانون ولا مؤسّسات، مادام الناس يدخلون إلى السجون ويغادرون يطردون من مناصبهم ويرتقون، يهمشون ويكرّمون". 

أمّا الاعلامي أبو طالب شبّوب، حاول أن ينصف القضية، وقرأ قرار المحكمة بأنه لن يغيّر من قناعته عن تورّط الثلاثي في جرائم قائلًا:"سعيد وتوفيق وطرطاق مجموعة من المجرمين، البارح واليوم وغدًا"، معتبرًا أنه فرح يوم سجنهم وحزن يوم مغادرتهم السجن، مفيدًا أنه لا يهلّل لجهة على حساب جهة، "لا لأن العسكر هو من أدخلهم السجن وهو من أخرجهم"، مستطردًا أن حال الجزائر لن يصلح لو بقي الجيش من يدير البلاد ويحكمها، على حدّ قوله.

في كثير من المرّات خلال الأشهر الأخيرة، مالت تعليقات كثيرة في قضيّة سجن هذه الشّخصيات الوازنة في نظام الرئيس بوتفليقة، نحو كفّة محاسبة العدالة نفسها، وكيف سيتم محاكمة هذه الأسماء؟ لأنها ترهن اشتغال العدالة الجزائرية في ملفات هذه القيادات، وهو ما عرّج عليه اليوم الأكاديمي خليفة بن قارة، حيث نشر معلّقا عن قرار المحكمة قائلًا إنّ: "العدالة المستقلة ستظلّ حلُمًا مؤجّلًا، هذا ما قاله لي صديقي الشيخ الأمي وبكى وتركني لوساوسي تلسعني".

وفي هذا الإطار أيضًا، تعتبر تعليقات نشرت حول هذه التطوّرات السياسية أن العدالة هي التي كانت الضحيّة الأبرز في كل ما حدث، بسبب توظيفها في الإدانة المتهمين ثم في تبرئتهم، وفي السياق علق الكاتب والصحافي نصر الدين قاسم قائلًا:" التآمر الوحيد الحاصل في قضية التآمر، هو التآمر ضدّ العدالة ضحية التوظيف المهين لخدمة أمزجة وأهواء أقوياء كل مرحلة".

عمومًا، فإن "قضية التآمر" التي طرحت على أروقة القضاء الجزائري أعادت أطروحة قديمة للواجهة، تتعلّق بمدى استقلالية العدالة، إذ تفيد هذه التعليقات أن أكبر مشكل في الجزائر حاليًا هي القانون وأحكام القضاء، لأنّ العدالة نفسها التي أدانت المجموعة قبل سنة هي التي برّأتهم اليوم، بعيدًا عن فحوى الملف و"قضية التآمر" على الجيش الذي عرض في محكمة البليدة، إلا أن القضاء يظهر اليوم في موقفٍ ضعفٍ وتشير التحليلات إلى أنّه جهاز غير مستقلّ.

جدير بالتذكير، أن فصول المحاكمة التي جرت السبت جاءت عقب قبول المحكمة العليا في الـ 28 من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، الطعن بالنقض الذي تقدم به دفاع المتهمين، بعد أيد مجلس الاستئناف العسكري بالبليدة في الـ 10 شباط/فيفري الماضي الأحكام الصادرة في حقّ كل من بوتفليقة سعيد ومدين محمد وطرطاق عثمان بـ 15 سنة سجنًا نافذة في حين حكم بثلاث سنوات منها تسعة أشهر نافذة في حقّ رئيسة "حزب العمال" لويزة حنون.

تمّت متابعة هؤلاء المتهمين بأفعال ارتكبت داخل بناية عسكرية تحمل طبقًا للقانون وصف جناية التآمر

وتمّت متابعة هؤلاء المتهمين "من أجل أفعال تم ارتكابها داخل بناية عسكرية تحمل طبقًا للقانون وصف جناية التآمر من أجل المساس بسلطة الجيش، والتآمر ضد سلطة الدولة، وهي الأفعال المنصوص والمعاقب عليها على التوالي بالمادة 284 من قانون القضاء العسكري، والمادتين 77 و78 من قانون العقوبات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

15 سنة سجنًا نافذًا في حقّ سعيد بوتفليقة وشركائه

محاكمة تاريخية في الجزائر.. سعيد بوتفليقة على رأس القائمة