18-أبريل-2019

دفع تعقد الوضع في الجزائر بالمواطن العادي إلى المشاركة في نقاشات دستورية بالفضاء العام (ياسين بوعزيز)

يقف المحامي وسط حشد من المواطنين، يخاطبهم والبقية صامتون لإنصاتهم، قبل أن يفتح باب النقاش. يتكرر هذا المشهد على مدار الأسابيع الماضية، تحديدًا عند ساحة البريد المركزي في العاصمة الجزائر، حيث يجتمع مواطنون حول رجال القانون والساسة، لمناقشة المواد الدستورية، والتباحث في حلول محتملة للأزمة السياسية، تكون مخارج قانونية ممكنة.

مع تعقد الوضع بعد استقالة بوتفليقة، بدأ المواطنون بالاهتمام بالدستور ومناقشة مواده، ما انعكس على زيادة مبيعات مسوداته في المكتبات

مبيعات الدستور

تداعيات الحراك الشعبي أنتجت سلوكيات متنوعة أثمرت عن اهتمامات جديدة في الشارع الجزائري. تعقد أزمة التغيير الجزائرية، خاصة بعد استقالة عبدالعزيز بوتفليقة، دفعت المواطنين للاهتمام بالدستور، ونقاش سبل الحل الممكنة في الفضاء العام.

اقرأ/ي أيضًا: تحولات الحراك الشعبي.. تصالح مع السياسة والفضاء العام

وانعكس ذلك على زيادة مبيعات مسودة الدستور في المكتبات العامة. يقول صاحب مكتبة دار الصحافة براهم، الواقعة بالقرب من البريد المركزي، إن "هناك إقبال كبير على مسودة الدستور، مخزون ما كان لدينا منها نفد تمامًا".

الدستور
ازدادت مبيعات مسودة الدستور في المكتبات الجزائرية

وعلى الكتب القانونية كذلك يزداد السحب، كما أوضح صاحب المكتبة: "في السابق زبائن الكتب القانونية أغلبيتهم كانوا أساتذة القانون وطلبة الحقوق. لكن في الأسابيع الأخيرة، بدأ بشكل ملحوظ جدًا، اهتمام عامة الناس بالكتب القانونية والدستورية، بل إن البعض يسأل عن مسودات دساتير دول أخرى للبحث والمقارنة".

في نفس السياق، يقول مسير مكتبة العالم الثالث، لـ"الترا جزائر": "لم أتحصل عند الموزع سوى على 50 نسخة من الدستور بيعت في يوم أو يومين تقريبًا. والكميات كلها بيعت، والمطابع ترفض إعادة طبع كميات أخرى بحجة التخوف من احتمال صدور دستور جديد توافقي مع مرحلة الحراك الوطني".

البحث في روح القانون

تقع أزمة الوضع الجزائري في خندق بين الحل السياسي الذي كان يطالب به الحراك، والدستوري الذي تتمسك به السلطات، قبل أن تظهر دعوات لتطبيق حل مزيج بين السياسي والدستوري، يراعي أساسًا المادتين السابعة والثامنة من الدستور.

يقول الناشط الميداني، نور الدين تيكور: "بعد خطاب قايد صالح حول تفعيل المادة 102 من الدستور، كان لابد من الاطلاع على المواد الدستورية قصد فهم آليات تطبيقها ومدى انسجامها مع مطالب الحراك".

توافقه الرأي، الصحفية وداد، التي قالت لـ"الترا جزائر": "عمل الصحفي مبني في الأساس على البحث والتقصي عن المعلومة، ولذلك فإنه من البديهي، والواجب على الصحفي، أن يكون ملمًا بالآليات القانونية المسيرة للدولة، خاصة في ظل التطورات المتسارعة منذ بداية الحراك الشعبي".

وتضيف: "لهذا فإن الاطلاع على نصوص المواد الدستورية التي صنعت الحدث مؤخرًا،هي أول خطوة يقوم بها الصحفي إذا أراد الحديث بموضوعية عن الأمر"، مستدركةً: "ندرك جيدًا أن النص القانوني له طبيعة قانونية وطبيعة معنوية أو ما يسمى بروح القانون، ما يستوجب على الصحفي أن يستشير أهل الاختصاص في الفقه الدستوري وكذا الحقوقيين".

إضافة نوعية

من جهة أخرى، يرى المحامي نذير لخضاري، أن ظاهرة اهتمام المواطن العادي بالدستور والقوانين، لها "جوانب صحية في زيادة الوعي السياسي والقانوني".

الدستور
تشكلت حلقات لتباحث مواد الدستور الجزائري في الفضاء العام

ويضف لخضاري الأمر بـ"الإضافة النوعية"، التي دفع إليها الحراك. ويوضح: "إنه نمو للوعي السياسي، لأن الدستور حقيقة هو مادة قانونية، لكن له علاقة مباشرة بسياسة البلاد. والظاهرة تكشف مدى الوعي عند شباب اليوم، والذين أثروا بالفضاء الافتراضي على شرائح أخرى".

يرى متابعون أن اهتمام المواطن الجزائري بالدستور يشير إلى نضج الوعي السياسي، وحرص على التسلح لمواجهة محاولات الالتفاف

الأمل في تجاوز الأزمة السياسية دون التعدي على الإطار الدستوري، بات أيضًا انشغال الحراك الشعبي الذي يتسلح اليوم من فقه القانون قصد حماية ثورته السلمية من محاولات الالتفاف. ويكشف هذا الحرص "نضًا في الوعي السياسي الجمعي"، كما يصف الأمرَ متابعون.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الإطاحة بأحد "الباءات الثلاثة".. ما الذي تعنيه استقالة الطيب بلعيز؟

هل نسيَ الجزائريون بوتفليقة بهذه السرعة؟!