07-أغسطس-2022
(الصورة: Getty)

مهتمون بالشأون التربوي يتحدثون عن توفر الجزائر على إمكانيات تدريس الإنجليزية (الصورة: Getty)

باشرت الجزائر الاستعدادات لاعتماد تعليم اللغة الإنجليزية والتحضير الميداني مناهج التعليم في الأقسام الابتدائية ابتداءً من الدخول المدرسي شهر أيلول/سبتمبر المقبل، وذلك لأول مرّة في تاريخ البلاد بقرار من الرئيس عبد المجيد تبون، والذي تعتبره السلطات مكسبًا كبيرًا للنظام التربوي في الجزائر.

بدأت مديريات التربية في المرحلة الأولى  باستقبال ملفات المتخرجين الحاملين لشهادات جامعية في تخصص اللغة الإنجليزية والترجمة

ورغم القرار السياسي الذي أعلنه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بخصوص الانطلاق في تعليم اللغة الإنجليزية واعترافه في آخر حوار تلفزيوني للإعلام المحلي بأن تطبيقه يكون حسب الإمكانيات، إلا أن العملية في حدّ ذاتها أثارت الكثير من التساؤلات في الأوساط التربوية والشعوبية، أهمها مدى جاهزية الفريق البيداغوجي والطاقم التدريسي لبدء عملية التنفيذ، ومدى استعداد المدارس لذلك وتكلفة القرار في حدّ ذاته من ناحية توظيف المعلمين ومن ناحية المناهج المتخذة لذلك؟

يبدو أن قرار تدريس الإنجليزية  له خلفية سياسية، إذ اعتبر الرئيس الجزائري في تصريحاته أن هناك حاجيات اقتصادية وعلمية باتت تفرض على الجزائر اتخاذ هذا القرار، وقال "الفرنسية غنيمة حرب (من مخلفات الاستعمار)، لكن الإنجليزية هي لغة العلم ولغة الاقتصاد في الوقت الحالي".

إلى هنا، فإن الإقرار السياسي بأهمية تعليم اللغة الإنجليزية من وجهة نظر القاضي الأول للبلاد، يعدّ رغبة محلية في مواكبة التطور التكنولوجي والعلمي في العالم الذي يفيد باستناده للغة الإنجليزية وانتشارها واستثمارها في كل المجالات خاصة الاقتصادية والتجارية والخدمات وهذا ما يجعلها ضرورة ملحة.

لا ينفِ مهتمون بالشأن التربوي في الجزائر أهمية تدريس اللغات وخاصّة الإنجليزية من مبدأ مواكبة التطور التكنولوجي والعلم، غير أن اللافت في الأمر أن تطبيق الأمر لا يعدو أن يكون في الفترة الحالية تطبيق قرار من الناحية الشّكلية في مرحلته الأولى عن طريق تلقي ملفات لتوظيف أساتذة في التعلم الابتدائي إذ باشرت وزارة التربية في فتح أبواب التوظيف لخريجي معهد الإنجليزية والترجمة، للعمل كمعلمين، عبر جميع المديريات التربوية عبر 58 ولاية جزائرية.

ميدانيًا، بدأت المديريات في استقبال ملفات المتخرجين الحاملين لشهادات جامعية ذات صلة باللغة الإنجليزية والترجمة، كمرحلة أولى ثم توزيعهم على المدارس والمؤسسات التربوية بداية من شهر أيلول/سبتمبر المقبل، كمرحلة ثانية.

أهمّ حلقة

كحدّ أدنى كشف الأستاذ اللغة الإنجليزية عبد الله سواومي لـ" الترا جزائر" أنه من غير الممكن استيفاء متطلبات العرض الخاص بتدريس اللغة الإنجليزية في كل مدارس الوطن، إذ بعملية حسابية يحتاج ذلك إلى تأهيل أو توظيف 50 ألف أستاذ لـ50 ألف مدرسة تعنى بالتعليم الابتدائي في البلاد، أي توظيف أستاذ واحد لكل مدرسة وهذا غير كافي نظرًا لعدد الأقسام وتوزيعهم توزيعًا عادلًا.

الخطوة جريئة، في نظر الكثيرين خاصة منهم من كان له مسار تعليمي في الجزائر، إذ في تتبع للعملية التعليمية في الجزائر، يعتقد البعض أن أي قرار من هذا النوع يحتاج دراسة جدوى على أسس صحيحة تتعلق بالمناهج أولًا، إذ يعتبر التلميذ في المرحلة الابتدائية مثل العجينة يمكن تشكيله بكل ما نبتغيه من منهج ومعرفة أيضًا.

في هذا الإطار، طرح البعض مسألة عدم مقدرة الحكومة على توفير الكادر البشري الذي يؤطر العملية التعليمية في حدّ ذاتها والذي يعتبر أهمّ حلقة في تنفيذ قرار الرئاسة، إذ وبعملية حسابية فحاجة المدارس الجزائرية في الطور الابتدائي تتمثل فيما يقارب الخمسين ألف أستاذ تعلم لغة إنجليزية في المقابل هل نحن قادرين على توفير هذا الحجم الهائل من الأساتذة أم سنقوم برسكلة ما هو موجود من الأطوار الأخرى لإتمام تنفيذ القرار؟

تزامنًا مع الدخول المدرسي القادم أكد وزير التربية عبد الحكيم بلعابد عما أسماه "جاهزية مكتملة للوزارة ومديرياتها للتكفل بتدريس مادة اللغة الإنجليزية في مرحلة التعليم الابتدائي، إذ شدد في تصريحات صحفية على أنه سيتمّ تنفيذ القرار من كل مناحي العملية التعليمية؛ أولها تحضير المنهاج التعليمي، ثم الكتاب المدرسي والتأطير والتكوين وتنظيم رزنامة التدريس من مواقيت.

حكوميًا، نعت الوزير الخطوة أو القرار السياسي لرئيس الجمهورية بأنه: "مسعى استراتيجي سيلتف كل أفراد الجماعة التربوية لإنجاحه، لكونه يعدّ مكسبًا كبيرًا للنظام التربوي الجزائري في مرحلة التعليم الابتدائي، كما أن تدريس هذه المادة سيُسند إلى أهل الاختصاص والذين سيستفيدون من عمليات تكوينية مركزة".

هذه الخطوة في نظر العارفين بالقطاع، تستلزم الاستنجاد بمختلف المعلمين المتقاعدين والاستعانة بهم في تعليم الإنجليزية أو اللجوء إلى الاستثمار في طلبة الدكتوراه لغات وترجمة، إذ شدد الأستاذ الجامعي بالمدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة بالعاصمة الجزائرية أن الجامعة تخرج سنويًا ما يقارب 500 طالب حاصل على شهادة اللغات واللغة الإنجليزية وهو عدد لا ينسجم مع متطلبات تنفيذ القرار.

تحضير بيداغوجي 

بالعودة إلى القرار دائمًا، يأتي استجابة لمطالبات سياسية واجتماعية أيضًا، إذ كشفت الأسرة التربوية أنه كان مطلب قديم وتم طرحه فعليًا قبل سنتين للتفكير في طرق تنفيذه، لكن إدراج اللغة الإنجليزية في المراحل الأولى من الدراسة لأي طفل يعتبر جزء من أجزاء" الانتقال الصادم" لتعلم اللغات عموما في جميع أطوار العملية التعليمية.

بهذا الطرح يعتقد العضو في اتحاد عمال التربية (نقابة معترف بها من قبل الحكومة) عمّار زروقي أنه لا أحد يرفض اللغات الحية في التعليم وتطوير المناهج وخاصة إن كانت لغة تواكب التطور التكنولوجي وحاجة اقتصادية تفرضها احتكاكنا واطلاعنا على العامل وتعاملاتنا اليومية، ولكن طريقة التنفيذ باتت " اعتباطية" فتوظيف الآلاف من الأساتذة لا يحتاج فقط الشهادات بل يحتاج رسكلة وتكوين لأن تعليم الابتدائي ليس متاح لكلّ من هو حاصل على شهادة ليسانس في اللغة الأنجليزية.

وأغلبية المهتمين بالشأن التربوي يلحون على ضرورة إيلاء أستاذة التعليم الابتدائي عناية أكبر كبثير ممّا هو موجود فعليًا في الميدان، إذ أضاف زروقي لـ"الترا جزائر"، أن تعليم تلميذ في عمر السنة السابعة يحتاج قوة وطريقة وتمشي ومنهج وأسلوب لأن طاقة استيعابه تحتاج إلى مداخل نفسية تربوية أكثر منها تعليمية بحتة وجامدة.

يدعو مهتمون بالشأن التربوي إلى تحسين وضعية أستاذة التعليم الابتدائي

وفي إطار آخر يفترض البعض أن يعاد تقييم التخطيط لتدريس اللّغات عمومًا واللغة الإنجليزية في الابتدائي إذ يتطلّب تكوين أساتذة في الجامعات، وتوجيه عددًا لا بأس به من الطلبة الحائزين على شهادة الباكالوريا لدراسة الإنجليزية.