05-أكتوبر-2019

الكتاب الجزائري كمال داوود (تصوير: جويل ساغيت/ أ.ف.ب)

في المقالة أدناه، المترجمة عن مجلّة عالم الديانات الفرنسية يتطرق كمال داوود، الكاتب الجزائري المثير للجدل، لصورة الفرنسيين من أصل جزائري أو مزدوجي الجنسية، ويتتبع كيف يتم التعامل معهم، باعتبارهم خونة أو فارين، في خطاب بعض الجزائريين.


نالت الجزائرُ كأسَ الأُممِ الأفريقية بفريق كرة قدمٍ يكاد يكون مصنوعًا في فرنسا. ومع ذلك، وعندما نكون من مزدوجي الجنسية، لا يمكننا تَقَلّدُ المناصب السّامية في الدولة الجزائرية.

كمال داوود: "نحن مطالبون بفعل أي شيءٍ لنكون جزائريين أكثر من الجزائريين أنفسهم"

هذا القانون، "التمييزي"، يفسّر لنا التصوّر المتعلّق بتيّار هويّاتي جزائري يريد التحرّر عبر نظرية العِرق، باسم النزعة الوطنية ما بعد الاستعمارية، نحن جزائريون بحقّ الدمّ، ونطالب "بفرنسيتنا" انطلاقًا من حقّ الأرض، وهذا القانون يسري في كلّ المجالات عدا مجال كرة القدم.

اقرأ/ي أيضًا: حوار | كمال الرياحي: "عشيقات النذل" تحدّثت عن اللصوص فسرقوها

أن تكون مزدوج الجنسية؛ يعني أن تكون "خائنًا" في نظر المعتقد الوطني السائد، هذا الحكم غالبًا ما يدفع بمزدوجي الجنسية إلى تشويهٍ لعمق الواقع، فينجرّ عن ذلك استياءً وضيق، أو نوع من الإفراط في الغضب أو الرفض.

ليس دائمًا، ولكن في أغلب الأحيان، يتمّ تفسير هذه الحالة على النحو التالي: نحن مزدوجو الجنسية، إذًا نحن بالضرورة "خونة"، أو هاربون، لذا فنحن مطالبون بفعل أي شيءٍ لنكون جزائريين أكثر من الجزائريين أنفسهم، وأقلّ فرنسية من الفرنسيين، وهو حلّ وسط يُنْقِصُ من قيمة ثروةٍ حقيقية هي "الثقافة المزدوجة"، ويجعل منها خطيئةً تحت مسمّى النسب.

بحكم الواقع، نُحاول إصلاح بعض السلوكيات: التطرّف في الحنين إلى الماضي، الحماس المفرط في الظهور، وتمجيد الرموز.

مزدوج الجنسية أو بالأحرى، الفرنسي من أصل جزائري "أو من أيّ أصل آخر"، لا يقبل أن نقول شرًّا عن "البلد"، أي بلد؟ هل أميل إلى القول أنه البلد المُغادَر أم البلد المُستضيف؟ هم لا يجادلون بالقول: "لقد أسأت إلى أحد بلدينا".. لأن البلد حسبهم يعني الجزائر على وجه الحصر أو المغرب أو تونس...إلخ.

المحاكمة شرسة، وصوت هذا "المجتمع" في فرنسا يتّسم بالمحافظة، الدين هناك هو مسألة صارمة.

مشكلة الصلة هذه  في بعض الأحيان تكون عقيمة: إن أسبوعًا من العمل التطوّعي في المناطق الريفية الجزائرية، المغربية أو التونسية، في البلد الأم، هو أنفع لي من التجوّل حاملًا علمًا في الشانزيليزيه.

لكن مزدوج الجنسية ليس جزائريًا بالقدر الكافي بالنسبة للجزائريين أو حتى "بالنسبة لآخرين".

"حزب فرنسا" كان بمثابة الشيطان في انتفاضات 22 شباط/فيفري التي أطاحت ببوتفليقة. إدانة فرنسا أو الاستعمار الجديد هو رياضة وطنية، مثلها مثل كرة القدم، تُلعب بالذاكرة وبالذاكرة الزائفة.

فرنسا هي العدو "الحميم"، يمكن لشاب من الجزائر في سن السابعة عشر أن يحدثّك عن فرنسا الاستعمارية، كما لو أنه شهيد عائد من العالم الآخر، حتى لو لم يولد في تلك الحقبة.

هذا الأمر ليس مزعجًا، فالذاكرة ليست بمثابة كرونولوجيا، وبالتالي، فإنه لا دور لمزدوج الجنسية في هذا المشهد.

إنه خلل يعيق نسخة جديدة مستمرّة من حرب التحرير، فإذا ما كانت فرنسا هي مصدر كل مشاكلنا، ما نحن فاعلون بمزدوجي الجنسية؟

 الفريق الوطني الذي أحرز كأس الأمم الأفريقية، هو فريق مزدوج الجنسية؟ فلنصفّق له، شريطة أن ندينه في صمت، ونعتبر ازدواجية الجنسية هذه نقيضًا للوطنية، أو أحيانًا وليس دائمًا، الشرط هو أن تكون شديد الوطنية في اتجاه واحد، وهذا يعني أن تكون مضادًا للفرنسة.

أن تكون مزدوج الجنسية، هو أن تكون ثريًّا ببلدين، عِوَضَ أن يكون لديك بلد واحد، أو ألا يكون لديك بلد بالأصل، مثل لاجئي الحرب. البلد الثاني هو فرصة ثانية دائمة، نعيشها بالرغم من ذلك، وبالنسبة لكثيرين، كخيبة، بعد أن نفني أعمارنا في عطاء كبيرٍ لبلد أُمّ يبقى أصمًّا عنا، نعيشها كخيار مستحيل، أو كجواز سفر يعطينا الحق في تأشيرة مدى الحياة.

 هذا ليس اختيارًا لوطنٍ أو لأرضٍ، أو لتاريخ، ليس من العدل أبدا أن نصوغ الأمر بهذه السذاجة، لكن علينا تجاوز الأمر لكي نستطيع شفاءه.

كمال داوود: "لا نحبّ بلدًا، ونريد مغادرته، ثم نصل إلى بلد آخر، ولا نريد العيش فيه بارتباط وثيق"

إننا نصل غالبًا إلى طريق مسدود عبر هذه الأوضاع: لا نحبّ بلدًا، ونريد مغادرته، ثم نصل إلى بلد آخر، ولا نريد العيش فيه بارتباط وثيق.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار | الناشر كمال قرور: تهديد الجنرال منحني شهرة مجانية

هل "تتواطأ" الجزائر مع مهاجريها في فرنسا كي لا يعودوا؟