31-مايو-2023
(تصوير سكوت بيترسون/ Getty )

(تصوير سكوت بيترسون/ Getty )

درست الحكومة الجزائرية قبل أيّام للمرة الثانية التعديلات التي  سيتضمنها مشروع قانون يحدّد القواعد العامة المتعلقة بالصفقات العمومية، وهو القانون الذي يخضع كل مرة  لمراجعات متكررة، فهل سيساهم التعديل الجديد في سد الثغرات التي سمحت بارتكاب جرائم فساد من قبل مسؤولين يقبعون اليوم وراء القضبان؟

توجه أصابع الاتهام إلى الحكومة بتنفير المستثمرين من القدوم إلى الجزائر  بسبب التغيرات المتكررة في القوانين المنظمة للنشاط الاقتصادي

في هذا السياق، تُتهم الحكومة بتنفير المستثمرين من القدوم إلى الجزائر جراء التغيرات المتكررة في القوانين المنظمة للنشاط الاقتصادي، ومن بينها قانون الصفقات العمومية، إذ أن هذه التعديلات تربك المتعاملين الاقتصاديين ولا تشجعهم على توطين استثماراتهم بسبب التعديلات المتكررة في التشريعات المنظمة.

تعديل جديد

جاء في بيان لمصالح الوزير الأول، أنّ اجتماع مجلس الحكومة الذي ترأسه الوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمان   المنعقد في 10 أيار/ ماي الجاري شهد تقديم وزير المالية في قراءة ثانية مشروعًا تمهيديًا لقانون يحدد القواعد العامة المتعلقة بالصفقات العمومية، بهدف تأطيرها بشكل "أفضل وفعال".

وتقول الحكومة إن مشروع القانون يرمي إلى "تأطير الصفقات العمومية على نحو أفضل وضمان فعاليتها وترقية بناء اقتصاد منتج وتنافسي، مع تشجيع الإنتاج وأداة الإنتاج المحلي على حد سواء، لاسيما المؤسسات الصغيرة أو الصغيرة جداً والمؤسسات الناشئة".

ويهدف المشروع التمهيدي لهذا القانون إلى "تكريس حوكمة الطلب العمومي بشكلٍ أفضل، من خلال ضمان تطبيق أمثل للمبادئ الأساسية ذات الصلة بحرية الولوج إلى الطلب العمومي ومعاملة المترشّحين على قدم المساواة والشفافية في الإجراءات والاستعمال الحسن للأموال العمومية".

وحسب بيان الحكومة، فإن مشروع القانون "ينص على إزالة الطابع المادي عن إجراءات إبرام الصفقات العمومية، وذلك في إطار الإرادة الرامية إلى رقمنة الإدارة".

مردودية أكثر

إلى هنا، يعتقد الخبير الاقتصادي محفوظ كاوبي أن التعديل الجديد الذي سيمس قانون الصفقات العمومية سيكون مختلفًا تمام الاختلاف عن التعديلات السابقة التي كانت جزئية ولم تؤثر بطريقة إيجابية في العملية الاقتصادية، وفق ما أوضحه لـ"الترا جزائر".

وأشار كاوبي، إلى أن التعديل الجديد يأتي ليضاف إلى مجموعة من القوانين التي صبت في خانة تحسين التسيير العمومي، وهو ما تضمنته قوانين المالية الأخيرة، من خلال العمل على ضمان المردودية في التسيير المالي للصفقات.

ويتوقع محدث "الترا جزائر"، أن يركز القانون الجديد على تسريع تنفيذ الصفقات العمومية، إضافة إلى إعادة النظر في تسقيف الصفقات الذي أصبح لا يتماشى مع التطورات الحالية التي عرفتها الجزائر والعالم جرّاء نسب التضخم المرتفعة.

ويدعو الخبير إلى أن يعمل القانون الجديد على تخفيف الإجراءات الإدارية، وإعطاء هامش للمناورة للآمر بالصرف، بالنظر إلى أن الإجراءات الطويلة الموجودة حاليًا تسببت في تأخر حصول الكثير من المقاولين والمستثمرين في الحصول على أموالهم، وهو ما يكون سببا في تأخّر إنجاز المشاريع وعدم احترام آجال تنفيذها، لذلك من الواجب العمل على ضمان مرونة الإجراءات وتطليق المبالغة التي كانت تطبعها، والتي تسببت في بيروقراطية مقيتة.

وقف التجاوزات

ظلّ قانون الصفقات العمومية بثغراته المختلفة، منفذًا لمختلف المسؤولين لنهب المال العمومي، بتوجيه  المشاريع لأفراد معينين أو منح صفقات بالتراضي تحت مبررات غير مقنعة، وهو ما تسبب في عدم تحمس المستثمرين الأجانب لدخول السوق الجزائرية، وساهم في تفشي ظاهرة سوء التسيير وسرقة الأملاك العمومية.

وأظهرت أروقة المحاكم أن  المسؤولين المتابعين بقضايا فساد بدءًا من رؤساء الحكومات والوزراء السابقين كأحمد أويحيى وعبد المالك سلال وصولًا إلى الولاة ورؤساء البلديات، وأبسط الموظفين كانت مخالفة قانون الصفقات العمومية ضمن أبرز التهم الموجهة إليهم، والتي أدينوا بسببها بسنوات من السجن النافذ.

وعلى سبيل المثال، يتابع الوزير الأول السابق نور الدين بدوي ووزير الصحة السابق عبد المالك بوضياف باعتبارهما واليين سابقين لقسنطينة، عن وقائع فساد تتعلّق بمنح صفقة إنجاز المحطة الجوية لمطار محمد بوضياف بقسنطينة، بطرق ملتوية ومخالفة لقانون الصفقات العمومية، مما تسبب في ضياع أزيد من 300 مليار سنتيم، مع تأخر في التسيلم بلغ 11 سنة كاملة بدلًا من 48 شهرًا التي نص عليها دفتر الشروط.

وهنا، يدعو الخبير الاقتصادي إلى أن تكون مواد قانون الصفقات العمومية الجديدة واضحة، مع سد كل الثغرات التي قد تسمح بالتسلل عبرها لنهب المال العمومي، إضافة إلى تحسين الترسانة التشريعية التي تحمي الآمر بالصرف ولا تجعله عرضة للمساومات والضغط من قبل المسؤولين.

ويشدّد كاوبي في حديثه مع "الترا جزائر" على أن تزاوج التعديلات الجديدة لقانون الصفقات بين المناورة والتأطير بمنطق اقتصادي وضبط إجراءات الرقابة بمصاحبتها بالرقمنة والشفافية والتسيير حسب الأهداف.

الواقع في الجزائر يتطلب تغيير التشريعات السابقة والتخلص من إجراءاتها البيروقراطية لتواكب على الأقل التعديلات التي عرفها قانون الاستثمار

من المؤكّد أن التغييرات المتكررة التي تمس قانون الصفقات العمومية تعطي انطباعًا بعدم الثقة لدى المتعاملين الاقتصاديين والمستثمرين، إلا أن الواقع في الجزائر يستلزم تغيير التشريعات السابقة والتخلص من إجراءاتها البيروقراطية لتواكب على الأقل التعديلات التي عرفها قانون الاستثمار، والتي تقول الحكومة إنه يهدف إلى بناء اقتصاد حقيقي لا يعتمد على الريع النفطي.