يتوقّع صندوق النقد الدولي تحقيق مؤشرات إيجابية للاقتصاد الجزائري خلال السنة الجارية، رغم انتقاده لنسب التضخم العالية، في نظرة تتطابق إلى حد بعيد مع توقعات الحكومة التي انتقدت لسنوات مضامين التقارير الصادرة عن المؤسسات المالية الدولية، فما فائدة هذا التطابق لصورة الجزائر الاقتصادية عالميًا وبالخصوص في ما يتعلق بجلب الاستثمارات الخارجية؟.
أستاذ الاقتصاد مراد كواشي لـ"الترا جزائر": الاقتصاد الجزائري قادرٌ على تحقيق التوقعات التي جاءت في تقرير صندوق النقد الدولي
ومع سعي الحكومة الجزائرية لتنويع اقتصادها، برفع عائداته من الصادرات خارج المحروقات، تجد نفسها بحاجة للاستثمارات الأجنبية التي تعتمد في مخاطراتها على تقارير المنظمة المالية الدولية.
تفاؤل
قال صندوق النقد الدولي قبل أيام في تقرير له إن النظرة المستقبلية للجزائر إيجابية في الأجل القريب، وأوضح الصندوق أن التقديرات تشير إلى نمو الاقتصاد الجزائري 4.2 بالمئة في عام 2023 بفضل انتعاش إنتاج الهيدروكربونات والأداء القوي في قطاعات الصناعة والبناء والخدمات.
ولفت صندوق النقد الدولي، عقب اختتام مناقشاته مع الجزائر بموجب المادة الرابعة من اتفاقية تأسيسه، إنّ من المتوقع أن يظل النمو الحقيقي للجزائر قويًا في عام 2024، عند 3.8 بالمئة، مدعوما بأسباب منها الإنفاق المالي الكبير.
وذكر الصندوق أن الآفاق الاقتصادية متوسطة الأجل للجزائر تتوقّف على الجهود الرامية لتنويع الاقتصاد والقدرة على جذب الاستثمار الخاص، والذي يواجه مخاطر مختلفة.
ويرى الخبير الاقتصادي البروفيسور مراد كواشي أن التقرير جاء منصفًا للاقتصاد الجزائر ي إلى حدٍ كبيرٍ، لأنه أشار إلى الاستمرار الإيجابي للنمو بالرغم من الظروف الجيوسياسية التي تؤثر اليوم على الاقتصاد العالمي.
ولفت كواشي إلى أن تسجيل الاقتصاد الجزائر معدل نمو بنسبة 4.2 في 2023 واستمراره في 2024 مؤشر إيجابي على سيره في الاتجاه الصحيح، لأنه عند النظر إلى ما يحدث في دول متقدمة كالأوربية منها نلاحظ تسجيل معدلات نمو صفرية، رغم الفروق الظاهرة في اقتصاد المنطقتين.
توافق
لم تختلف توقعات صندوق النقد الدولي على المطلق عن المؤشرات التي وضعتها الحكومة للسنوات القادمة،والتي اتفقت كلها على تسجيل نسبة نمو باللون الأخضر العام الحالي، والتي قد تستمر في السنوات المقبلة.
وحتّى النقطة السوداء التي تحدث عنها صندوق النقد الدولين والمتعلقة بالتضخم، تقر بها السلطات الجزائرية، وتضعها ضمن أهدافها لخفضها.
وأبدى الرئيس تبون في مقابلته التلفزيونية الأخيرة رضاه بأرقام صندوق النقد الدولي ، كونها تتوافق مع أرقام الحكومة الجزائرية.
واعتبر تبون هذا التوافق "اعترافًا من الهيئات الدولية،، وهو ما يعني أن الاقتصاد الجزائري في الطريق الصحيح "، لأن المؤشّرات الحالية تؤكد أنه سيصبح على المدى المتوسط من الاقتصاديات الناشئة.
وفي شباط/فيفري الماضي، زار المدير الممثل للدائرة التي تنتمي إليها الجزائر على مستوى مجلس إدارة مجموعة البنك العالمي سيد طوكير حسين شاه، والذي التقى بعدد من المسؤولين الجزائريين منهم وزير المالية.
وأشاد حسين شاه وقتها بـ"رؤية الجزائر وأدائها واستجابتها والتي سمحت لها بالحفاظ على وتيرة نمو مستقرة وذلك رغم الآثار الناجمة عن عديد الأزمات التي شهدها العالم، سيما مع ظهور وباء كوفيد 19".
وأضاف أن الجزائر التي يمكنها مشاطرة "تجربتها الناجحة" في مجال تسيير الأزمات، "مدعوة إلى المشاركة كرائدة خلال الاجتماع المقبل للمجمع الأفريقي، بما أن مجموع إصلاحاتها منسجمة تماما مع رؤية البنك العالمي".
وأكد وزير المالية لعزيز فايد خلال اللقاء "التزام الجزائر الثابت ببرنامج إصلاحات اقتصادية طموحة"، الهادف بشكلٍ أساسي إلى "ترقية تنمية اقتصادية مستدامة وشاملة، تتمحور حول التنمية البشرية".
وتظهر هذه التقارير والتصريحات أن الخلاف الذي طبع لسنوات علاقة الجزائر بالمؤسسات الدولية المالية قد زال حاليًا، في خطوة تسعى من خلالها الحكومة لتحسين صورتها الاقتصادية خارجيًا.
وأوضح أستاذ الاقتصاد البروفيسور مراد كواشي لـ"الترا جزائر"، أن التقارير الدولية الصادرة عن المؤسسات المالية العالمية مهمة، كونها مرجع يعتمد عليه المستثمرون في تنفيذ مشاريعهم الاقتصادية، بالنظر إلى أن هذه التقارير تعد من المؤشّرات التي تؤخذ بعين الاعتبار في قياس مدى جاذبية وجودة اقتصاديات الدول
ويأتي هذا الرضا الجزائري، بعد أكثر من سنتين من انتقاد الرئيس تبون في 2021 توصيات صندوق النقد الدولي التي دعمت الحكومة الجزائرية للاستدانة الخارجية لمواجهة تبعات جائحة كورونا التي سببت عجزا في موزانة البلاد.
وقال تبون حينها في مقابلة تلفزيونية إن "صندوق النقد الدولي دوّخنا وداخ"، مضيفًا "كأنهم يسطرون لنا طريقًا للتوجه إلى الاستدانة.. لن نتوجه نحو استدانة خارجية وهذا من باب المستحيلات، ولن أذهب بالبلاد إلى الانتحار".
وأوضح تبون أن الجزائر تملك حرية اتخاذ قراراتها، ولن تقبل ضغطًا من المؤسسة الدولية للاتجاه نحو الاقتراض الخارجي، مستغربًا في الوقت نفسه، من توصيات الصندوق النقد الدولي الداعية لتأجيل تطبيق الإصلاحات الهيكلية، مؤكدًا أن الدولة الجزائرية ماضية في تنفيذ هذه الإصلاحات بكل سيادة.
ممكن التحقيق
يعتقد الخبير الاقتصادي مراد كواشي أن الاقتصاد الجزائري قادرٌ على تحقيق التوقعات التي جاءت في تقرير صندوق النقد الدولي، بالنظر إلى أن الحكومة تعمل اليوم على خفض معدل التضخم إلى 4 بالمئة، وإزالة النقطة السوداء التي أشار إليها الصندوق.
ويتوقع كواشي أن يستمر نمو الاقتصاد الجزائر في السير بمعدل إيجابي لعدة اعتبارات، منها ارتفاع أسعار الطاقة في الأسواق العالمية، خاصة وأن الجزائر زادت من حجم صادراتها من الغاز، ووقعت اتفاقات شراكة مع متعاملين أجانب لزيادة الإنتاج والتصدير.
وارتفعت أسعار النفط في الأيام الأخيرة لتصعد فوق 90 دولارًا للبرميل، وهو ما يساهم آليًا في زيادة عائدات الجزائر من العملة الصعبة، ويحافظ على تسجيل فائض تجاري إيجابي هذا العام مثلما كان الوضع في 2023.
ويرى المتحدّث، أن الاستثمارات التي باشرتها الحكومة في قطاع التعدين والمناجم بكل من تندوف وتبسة وبجاية من شأنها هي الأخرى أن تساهم في تحقيق الاقتصاد الجزائري نموا متواصلا العام الجاري، إضافة إلى تسجيل 6103 مشروع على مستوى الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار بقيمة 25 مليار دولار، وهي المشاريع التي ستؤثر عند دخولها حيز الخدمة إيجابا على قطاعات الصناعة والفلاحة والسياحة والخدمات، لتساهم بذلك في خفض فاتورة الاستيراد من خلال زيادة الإنتاج الوطني الذي سيحسن في معدلات النمو.
لا أحد ينكر أهمية التقارير الصادرة عن هيئات عالمية في تحسين صورة البلاد الاقتصادية، إلا أنها تبقى غير كافية لإقامة اقتصاد مبني على قاعدة صحيحة
إلى هنا، لا أحد ينكر أهمية التقارير الصادرة عن هيئات عالمية في تحسين صورة البلاد الاقتصادية، إلا أنها تبقى غير كافية لإقامة اقتصاد مبني على قاعدة صحيحة، وهو ما يجب أن تأخذه الحكومة بعين الاعتبار لبناء اقتصاد غير تابع لبرميل النفط مثلما وعدت في عدة مناسبات، الأمر الذي يتطلب تحرير المبادرة الاقتصادية والقضاء على الممارسات البيروقراطية التي تنفر الاستثمارات الوطنية والأجنبية.