28-يوليو-2023
مخلفات حرائق الغابات بولاية بجاية (الصورة:Getty)

مخلفات حرائق الغابات بولاية بجاية (الصورة:Getty)

فريق التحرير - الترا جزائر 

عاش الجزائريون هذا الصيف من جديد مأساة حقيقية تتعلق بسقوط ضحايا جراء الحرائق،وهي الفاجعة التي أصبحت تتكرر كل عام رغم الإجراءات المادية والتشريعية التي تقوم بها السلطات كل عام، فهل تحتاج مقاربة الحكومة للوقاية ومكافحة الحرائق إلى مراجعة؟ وهل تعلمت الجزائر  الدرس من الحرائق التي شهدتها سنة 2021، مثلما أشارت وكالة الأنباء الجزائرية.

المحامي يوسف بودينة: مكافحة الحرائق لا تقتصر على القانون فقط ولكنها تحتاج لعوامل أخرى تتعلق بنشر الوعي بأهمية الثروة الغابية وحمايتها

وإذا كان الجميع يتفق على أن التغيرات المناخية ساهمت في حجم الحرائق التي تشهدها الجزائر كغيرها من دول العالم سنويًا، إلا أن البعض يعتقد أن عدد الوفيات الذي تشهده البلاد مرتفعًا، وكان من الممكن تفاديه لو قام الجميع بدوره كما يجب سواء كانوا مواطنين أو مسؤولين.

ضحايا

أعلنت وزارة الداخلية الجزائرية الاثنين الماضي وفاة 34 شخصا بينهم 10 عسكريين في الحرائق التي مست 11 ولاية، وبالخصوص بولايات بجاية وتيزي وزو والبويرة وجيجل وبومرداس، وولايات أخرى وسطى وشرقية.

وأشارت الوزارة إلى أن الضحايا سقطوا، رغم تسخير 8000 عون إطفاء تابعين للحماية المدنية لإخماد الحرائق، و529 شاحنة من مختلف الأحجام، و10 أرتال متنقلة قادمة من الولايات غير المعنية بالحرائق, وفرقتان  للدعم الجهوي، إضافة إلى طلعات للطائرات المستأجرة والطائرة ذات السعة الكبيرة ( 200 B.E) التابعة للقوات الجوية، وذلك بسبب سرعة الرياح ودرجات الحرارة المرتفعة.

والعام الماضي، خلفت الحرائق التي شهدتها الولايات الشرقية شهر آب أوت 2022 وفاة 26 شخصًا، وفق ما أعلن وقتها وزير الداخلية السابق كمال بلجود.

وكانت 2021 أكبر السنوات مأساوية من حيث ضحايا عدد الحرائق، عندما أودت بحياة 90 شخصًا في الحرائق التي شهدتها ولاية تيزي وزو وبجاية، وبسببها توفي الشاب جمال بن إسماعيل على يد أشخاص يتبعون لتنظيم "الماك" المصنف تنظيمًا إرهابيًا في الجزائر.

قوانين مشددة

شدد المشرع الجزائر منذ حرائق 2021  في العقوبات المتعلقة بإضرام النيران، حيث تتراوح بين  ثلاثة أشهر إلى ثلاثة سنوات لما يتعلق الأمر بالحرق الخطأ، لكن هذه العقوبة تصبح من خمس سنوات فأكثر لما يكون حرق الغابات عمديًا، وتصل حتى الإعدام لما يكون يتسبب مرتكب جريمة حرق الغابات في وفاة أشخاص، وفق ما أوضحه المحامي يوسف بودينة لـ"الترا جزائر".

وفي شهر حزيران/جوان الماضي، صادق البرلمان على مشروع القانون المتعلق بالغابات والثروات الغابية، والذي تضمن عقوبات مشددة منها الحكم بالسجن المؤبد، على كل من أضرم النار عمدًا في الأملاك الغابية للدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات والهيئات الخاضعة للقانون العام، قصد الاعتداء على البيئة والمحيط وإتلاف الثروة الغابية والحيوانية.

ويقضي مشروع القانون الجديد بالسجن من 10 إلى 15 سنة، وبغرامة مالية على كل من أضرم النار عمدًا في أشياء، سواءً كانت مملوكة له أم لا، وكانت موضوعة عن قصد بطريقة تؤدي إلى امتداد النار للأملاك العمومية والخاص، وإذا تسبب الحريق في إحداث جرح أو عاهة مستديمة فتكون العقوبة السجن المؤبد.

ويقول المحامي توفيق بلعلى لـ"الترا جزائر" إن القوانين في مضمونها جيدة، إلا أن تطبيقها وروحها يطرحان إشكال بالنظر إلى تكرر وفيات الحرائق كل سنة،  مرجعا ذلك إلى ان المشرع الجزائري كثيرا ما ينطلق في معالجته للأزمات من مقاربة سياسية، وهو ما يطبق أحيانا في كارثة الحرائق، معتبرا أن تكرار المشكل ذاته كل سنة يدل على أن هناك قصورًا في العمل الاستباقي الذي يجب أن تقوم به الجهات المختصة كمديريات الغابات لمنع نشوب النيران بالمساحات الغابية.

أما المحامي يوسف بودينة فيوضح أن مكافحة الحرائق لا تقتصر على القانون فقط، إنما تحتاج لعوامل أخرى تتعلق بنشر الوعي بأهمية الثروة الغابية وحمايتها، والقيام بحملات إعلامية في هذا الشأن للحفاظ على البيئة، لافتا أنه للأسف كثيرا ما تتحول الغابات إلى مكان لرمي القمامة التي قد تتضمن مواد تساعد في نشوب النيران، وبالخصوص في ظل غياب الوعي بأهمية نظافة المحيط الغابي والمحافظة عليه

نظرة شاملة

تؤكد الحكومة الجزائرية مع بداية كل صيف تجهيزها الإمكانات المادية والبشرية اللازمة للتصدي  لحرائق الغابات ومنع انتشارها.

وحسب وكالة الأنباء الجزائرية، فإن الجزائر تعلمت الدرس من الحرائق التي شهدتها سنة 2021، حيث سخرت كل الوسائل، وذلك بتجنيد طائرة بسعة 12.000 لتر و 6 طائرات خاصة بمكافحة حرائق الغابات و 9 مروحيات لمكافحة هذه الحرائق، مبينة أنها "وسائل تمتلكها الجزائر فقط في المنطقة، ناهيك عن سرعة التكفل بالضحايا وانطلاق عمليات الإغاثة في وقت قياسي."

لكن رئيس منتدى المخاطر الكبرى البروفيسور عبد الكريم شلغوم يرى أن التصدي للحرائق لا يرتبط فقد بتوفير الإمكانات المادية والآليات اللازمة للتصدي للحرائق فهو مجموعة عوامل مترابطة، مبينا أنه بالرغم من امتلاك الجزائر مؤسستين قويتين للتصدي للحرائق هما الحماية المدنية والجيش، إلا أنه على الحكومة توسيع جهودها للوقاية من الحرائق وتحقيق أهداف القانون 20/04 المتعلق بالمخاطر الكبرى العشرة التي حددها المشرع الجزائري، ومنها الحرائق.

ويطالب البروفيسور شلغوم بوضع إستراتيجية وقائية  للتصدي للحرائق، منها على سبيل المثال توفير الخرائط اللازمة لكل منطقة، والتي تتضمن كل المعلومات بشأنها كنوع النباتات والأشجار التي تنمو بتلك المنطقة، وقربها من أماكن التموين بالمياه، وكيفية عزل المواطنين عند حدوث الكوارث، وهي جوانب تظل – حسبه - مغيبة في النظرة الشاملة للسلطات في معالجة  ملف الحرائق، وبالخصوص على المستوى المحلي.

ويرى شلغوم أنه من الواجب أن تخضع برامج الوقاية من الحرائق إلى نظرة تقنية وعلمية، "لأن البيروقراطية الموجودة على مستوى المجالس المحلية تتسبب أحيانًا في توسع الحرائق، وبالخصوص  لما لا يؤخذ المسؤول المحلي القرار المناسب أو يتقاعس في اتخاذ التدابير اللازمة لتطويق  الحريق ومنع انتشاره أكثر".

وخلال الحرائق الأخيرة، قالت وزارة الداخلية إن"السلطات المحلية للولايات المعنية تسهر على ضمان متابعة آنية وميدانية للوضعية, والتكفل بالإجلاء الاحترازي للمواطنين المقيمين بالقرب من المناطق الغابية إلى أماكن آمنة, متى اقتضت الضرورة, فضلا على تنصيب خلايا متابعة محلية مزودة بأرقام تواصل مفتوحة أمام المواطنين".

وإضافة إلى هذا، فتتسبب بعض العقليات في الرفح من خسائر الحرائق، إذ ان بعض المواطنين يرفضون أحيانا الاستجابة لنداءات الإجلاء ويتقاعسون في تنفيذها، إضافة إلى أن بعض المجالس البلدية لا تعمل على توفير وسائل الإطفاء الأولية كصهاريج المياه للتقليل من حدة الحريق قبل وصول فرق الإطفاء بما أن هذه الأخيرة ليست موجودة في كل البلديات.

يطالب رئيس منتدى المخاطر الكبرى  بوضع إستراتيجية وقائية  للتصدي للحرائق منها  توفير الخرائط اللازمة لكل منطقة تتضمن معلومات عن النباتات والأشجار التي تنمو بها وقربها من أماكن التموين بالمياه وكيفية عزل المواطنين عند حدوث كوارث

وإذا كان الارتفاع الكبير لدرجة الحرارة هذا العام التي ساعدت في توسع دائرة الحرائق حقيقة لا يمكن تجاهلها عند تحليل هذا الخطر، فإن التسريع بتعديل الإستراتيجية والمقاربة الحالية أمر ضروري، والتي ستكون ضمن النصوص التطبيقية المنتظرة بعد مراجعة قانون المخاطر الكبرى التي أعلن في وقت سابق الوزير الأول، بالنظر إلى أن التشريع المرتقب يظل الأساس القانوني المستند عليه في أية عملية تسعى للحد من هذه الظاهرة التي تتسبب في مآس إنسانية لا يمكن نسيانها.