25-يناير-2020

الرئيس قيس سعيد يكرّم جميلة بوحيرد بوسام الجمهورية التونسية (الصورة: مغاربي برس)

ما عدا نخبةً قليلةً من المجاهدين الباقين على قيد الحياة، لا يعرف الجزائريّون من عارض منهم السّياسات المعتمدة من طرف النّظام الحاكم. فلطالما زكّت "المنظمة الوطنيّة للمجاهدين" هذه السّياسات ودافعت عنها. وهي بذلك منحت الشّرعيّة لهذا النّظام، الذّي يتكئ على الشّرعية الثّوريّة التّي يمثّلها هؤلاء المجاهدون.

أدّى الحضور الرمزيّ لجميلة بوحيرد في الحراك، إلى موجة مسعورة من التهجّم عليها من طرف أنصار الحلّ الدستوري

تأتي المجاهدة وبطلة معركة الجزائر في العاصمة، جميلة بوحيرد (1935)، في طليعة نخبة المجاهدين الذّين جاهروا بمعارضتهم لسياسات النّظام الحاكم في الجزائر، منذ فجر الاستقلال الوطنيّ عام 1962. حيث لم تكن عضوًا في إحدى الحكومات، أو في إحدى الهيئات الحكوميّة، أو قبلت أن تظهر مع الرّؤساء المتعاقبين في مناسبة ما، رغم دعواتهم المتكرّرة لها.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تفاعل الجزائريون مع تحرك جميلة بوحيرد ضد بوتفليقة؟

استفحلت النبرة المعارضة لجميلة بوحيرد، التّي احتفى بها الشّعراء والمسرحيّون والسّينمائيّون والسّياسيّون في العالم، خلال السّنوات العشرين للرّئيس عبد العزيز بوتفليقة. وهو ما أثار حفيظته وحفيظة محيطه، فتمّ سكوته على اتهام رفيقها في الثورة ياسف سعدي، الذّي تمّ تعيينه ضمن الثلث الرّئاسيّ في مجلس الأمّة، لجميلة بوحيرد بأنّها كانت تتعاون مع السّلطات الاستعماريّة.  

 بعد انطلاق الحراك الشّعبيّ والسّلميّ يوم 22 شبّاط/فيفري الفائت، كان لخروج جميلة بوحيرد إلى مسيراته في الجزائر العاصمة، أثرٌ عميقٌ في قواه المختلفة، التّي تلقّت رسالتها المحرّضة على الرّوح السّلمية، وعلى الحرص على عدم السّماح للسّلطة بأن "تسرق ثورتكم كما سرقت ثورة جيلنا"، بصفتها بوصلة تحدّد معالم الطّريق.

أدّى الحضور الرّمزيّ والفعّال لأيقونة ثورة التّحرير في الحراك الشّعبيّ، إلى موجة مسعورة من التهجّم عليها من طرف أنصار الحلّ الدستوريّ، في مواقع التّواصل الاجتماعيّ، حيث ذهب البعض إلى التّشكيك في مشاركتها في الثورة أصلًا، تمامًا كما حصل للمجاهد لخضر بورقعة، الذّي تمّ الزجّ به في السّجن بتهمة المساس بمعنويّات الجيش.

من هنا، ترك استقبال الرّئيس التّونسيّ قيس سعيّد لجميلة بوحيرد، الأربعاء الماضي، ومنحها وسام الجمهورية من الدرجة الأولى ارتياحًا كبيرًا لدى شباب الحراك الشّعبيّ في الجزائر، لأنّه يشكّل دعمًا معنويًّا للمجاهدة ولمحبّيها، في ظلّ محاولة تشويهها، وتمييع صورتها بسبب موقفها المنسجم مع مسارها الثّوريّ من الحراك الشعبيّ والسلميّ.

كتب الرّوائي إبراهيم سعدي في تدوينة فيسبوكيّة له، أن الكلمة التّي قالها السّيد قيس سعيّد أثناء منحه الصّنف الأوّل من وسام الجمهوريّة التونسيّة، للمجاهدة جميلة بوحيرد، لا يمكن أن ينبع صدقها إلا من رئيس يحمل قوّة الشرعية النابعة من الشعب. " كلمات مؤثّرة لأنّها تذكّرنا أيضًا بألم التّهميش والتّخوين اللّذين تعرضّت لهما هذه المجاهدة في بلادها، وبالسّجن الذّي ألقي فيه غيرها من أوفياء المجاهدين، فيما رفعت أسهم المزيّفين والوصوليين، إلى درجات أدّت بالبلاد إلى الحضيض".

من جهته قال النّاشط إلياس لهري لـ "الترا جزائر"، إنّ تكريم الرئيس التّونسيّ لجميلة بوحيرد في هذا الظّرف بالذّات، هو رسالة لمن ظلموها في الجزائر، مفادها أنّكم تنازلتم عن شرف كونكم تملكون أيقونة حقيقيّة لصالح دفاعكم عن نظام غير شرعي، "في الوقت الذّي يُدرك غيركم قيمتها وحضورها الثوريّ والإنسانيّ، فهم يكرّمونها ويمنحونها الأوسمة الرّفيعة، رحتم تتهجّمون عليها وتمنحونها العبارات المشينة".

وفي السّياق ذاته، يقول المصوّر خليل بن قرّي في حديث إلى "الترا جزائر"، إنّ الشّرعيّة التّي يتمتّع بها الرّئيس التّونسيّ جعلته يكرّم رمزًا من رموز الحراك الشعبيّ الجزائري، عوضًا عن تكريم وجه سلطوي، رغم حاجة الحكومة التّونسيّة إلى الدّعم الاقتصاديّ من طرف الحكومة الجزائريّة، "حين يكون النّظام شرعيًّا، فهو يحتكم للمبادئ لا إلى المصالح".

يتوقّع البعض أن يحذو الرّئيس عبد المجيد تبّون حذو الرّئيس التّونسي، فيبرمج تكريمًا يليق بجميلة بوحيرد

ويتوقّع البعض أن يحذو الرّئيس عبد المجيد تبّون حذو الرّئيس التّونسي، فيبرمج تكريمًا يليق بجميلة بوحيرد، خاصّة أنّه استقبل وأوكل بعض المناصب لبعض معارضيه. لكن السّؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو هل تقبل "ماما جميلة" ذلك؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

قيس سعيّد يقلّد المجاهدة بوحيرد أعلى وسام في تونس

غضب من اتهام نعيمة صالحي لجميلة بوحيرد بالعمالة لفرنسا