11-فبراير-2021

سعيد جاب الخير (الصورة: أوراس)

يستعد مجموعة من الأساتذة ورجال القانون لمحاكمة ومقاضاة الباحث في التصوّف والتاريخ الإسلامي، سعيد جاب الخير، بسبب آرائه ومنشوراته المتعلقة بالدين الإسلامي، إذا يعتبر هؤلاء النشطاء أن ما ينشره الباحث على صفحته في الفيسبوك مساسًا بالمعلوم من الدين واستهزاءً بالأحاديث النبوية ومغالطات تاريخية مقصودة. 

يبدوا أن التهمة تأتي في سياق سياسي معقد ومحاولة نقل النقاش السياسي إلى السجل الأيديولوجي

يبدوا أن التهمة تأتي في سياق سياسي معقد، ومحاولة نقل النقاش السياسي إلى السجل الأيديولوجي، إذا توجّهت الأنظار إلى المحاكمة الافتراضية قبل المحاكمة الفعلية، واختلفت الآراء بين تسفيه كتابات سعيد جاب الخير وبين التضامن معه ودفعًا عن حقّه في حرّية الرأي.

اقرأ/ي أيضًا: سياسيون ومثقفون يتضامون مع جاب الخير

تباينت حجج الطرفين في صواب الخطوة من عدمها، حيث اعتبر البعض أن الإقدام على التأسيس كطرف مدني ضد الباحث سعيد جاب الخير وكتاباته، خطوة إيجابية في سبيل إبعاد العنف اللفظي والمادي والتكفير والتشهير بالتفسيق، كما كان يحصل في السابق، إذ أن الفاصل في القضية هو جهاز العدالة الذي يفصل كطرف محايد في طبيعة الشكوى والتهمة، في إطار احترام الحقوق، كما أن اللجوء إلى القضاء من شأنه الحد من التدخل الفوضوي وسلوكيات اللادولة، كما أن الاحتكام إلى القانون هو طبيعة المجتمعات المتحضّرة.

بيمنا يرى الفريق الثاني أن رفع الدعوى ضد سعيد جاب الخير ومثوله أمام القضاء يعدو بمثابة محاربة الفكر، واعتداء على الحريات الفردية، والمساس بالإبداع الثقافي والفكري ومحاولة غلق باب الاجتهاد والتأويل، وفرض لآحادي الرأي، وطمس للحقيقة تحت ذريعة الدفاع عن الدين. 

إن تحريك دعوى قضائية ضد سعيد جاب الخير ليس إشكالية في حدّ ذاتها، بل الإشكالية هي السياق السياسي- الديني واليدلوجي السائد في العالم العربي والمغاربي والإسلامي، إذ أن شعور بامتلاك الحقيقة يعد مصدر من مصادر القمع ، وسبيل من سُبل شرعنة الطغيان والغلق على الرأي الآخر، بما أن هناك تداخل بين المجال السياسي والمجال الديني، وتوظيف الدين أسلوب من أساليب التعبئة  السلطوية، إذ يجب علينا أن نعترف أن الدين هو وسيلة من وسائل التوظيف السلطوي لصالح تمكين النظام من تصفيه خصومها، كما تجدر الإشارة أيضا أن التعبئة الأيديولوجية ضدّ الإسلام السياسي على أنه حركة ظلامية هي من بين الأدوات التي تمارسها الأنظمة الشمولية في تصفية المعارضة ذات التوجّه الإسلامي.

 وعليه يمكن القول إن المشكلة ليس في كتابات سعيد جاب الخير، التي لا ترتقي في النقد الموروث الإسلامي تلك النظرة النقدية التي أثارها سابقًا المفكّر الإسلامي حسن الترابي، إذ أنكر الباحث السوداني في تفسيره القرآن عذاب القير جسديًا، وعلامات الساعة مثل ظهور المسيح الدجال، وشكك الترابي في الناسخ والمنسوخ وأفتى بمساواة الرجل والمرأة في الشهادة، إذ وجب القول إن كتابات سعيد جاب الخير لا ترتقي إلى اجتهادات الترابي مثلًا أو تأويلات المفكّر السوري محمد شحرور، بل في الغالب يعيد صياغة بعض الإشكاليات التي طُرحت في التاريخ الإسلامي، ويتناول بعض القضايا الفقهية الخلافية.

في مقابل ذلك حجة الطرف الذي رفع الدعوى القضائية، هي قائمة وموضوعية من زاوية، إذا أن اللجوء إلى القضاء قد يعيد ترتيب الفضاء الديني، و إعادته إلى أهل الاختصاص ومؤسّساته الشرعية، وهو قرار يظلّ في مستوى احترام الطرف الآخر قانونيًا ورمزيًا. 

من جانبه لا بدّ على خصوم سعيد جاب الخير، الإيمان بمفهوم الدولة ككيان اجتماعي يحتوي التنوع والتعدّد ويضمن الاختلاف ويحمي الأقليات الإثنية والعرقية والدينية، مع ضمان حرية التعبير وإبداء الرأي دون المساس بالآخر أيضًا. 

تكمن المشكلة الثانية في أن العنف المادي لا يزال قائمًا وخيارًا من بين الخيارات في مخرجات مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو اختارت فئة من الحقل الإسلامي والمحافظ اللجوء إلى العدالة للفصل في المسألة، قد ينحاز طرف متطرف إلى التصفية الجسدية والعنف المادي في التعامل مع المختلف والرأي الاخر، حيث تتبنى عقيدة تكفير الدولة صاحبة القانون الوضعي، وعدم اعتراف بها وبأحكامها، وأن الدفاع عن العقيدة هي فريضة فردية وليس جماعية. 

لا شكّ أن وضع الخطاب الديني في إطاره السليم مطلب مشروع تجنبًا للفوضى والغلو

لا شكّ أن وضع الخطاب الديني في إطاره السليم مطلب مشروع، تجنبًا للفوضى والغلو، وهو من مسؤوليات الدولة، بعبارة أخرى أن المؤسّسات الدينية القائمة دستوريًا هي المخولة للدفاع عن التعاليم الدينية عبر قنوات رسمية، بدلًا من ترك المجال  قصد الاستغلال السياسي والأيديولوجي وفتح الأبواب أمام الفوضى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جاب الخير يُحال للمحاكمة بسبب آرائه المثيرة للجدل في الدين

ملتقى الأنوار.. فضاء للسؤال الحر في الجزائر