08-يناير-2020

يوسف سحيري، كاتب الدولة المكلف بالصناعة السينماتوغرافية (فيسبوك/الترا جزائر)

لم يستوعب كثير من المراقبين الجزائريين، تعيين الممثّل يوسف سحيري كاتبًا للدولة مكلفًا بـ "الصناعة السينماتوغرافية"، من عدّة أوجه، أهمّها أن سحيري نفسه، كان وإلى غاية الإعلان عن الحكومة معارضًا "متطرّفًا" في نقد السلطة، وغير مُعترفٍ بشرعية الرئيس عبد المجيد تبوّن، وهدّد بـ "الحرقة" لو تمت الانتخابات، وأصبح تبّون فعلًا رئيسًا للجمهورية.

يطرح موضوع استحداث وزارة منتدبة للسينما عدّة إشكاليات بالنظر إلى غياب شبه كلي للصناعة السينمائية

ثم أنّ "الصناعة السينيماتوغرافية"، لا وجود لها تقريبًا في البلاد، فكيف نعيّن وزيرًا على قطاع غير موجود؟

اقرأ/ي أيضًا: "يتنحاو قاع".. أو في ديناميكية الحراك

ذهب الموقع الإخباري الساخر "المنشار"، إلى القول على لسان سحيري، إنّ الأمر يتعلّق فقط بتمثيل من أجل الإعداد لللموسم الثاني من مسلسل "أولاد الحلال"، الذي يلعب فيه الفنان دور شاب مهمّش من حي شعبي بوهران، ويكون "زينو" (اسم شخصيته في المسلسل)، حسب السيناريو المفترض للجزء الثاني، قد أصبح وزيرًا.

وفي مقابل ذلك، يقول الموقع نفسه في موضوع آخر إن يوسف سحيري مرشّح بقوّة لجائزة أوسكار أحسن ممثل عن دوره "مناضلًا في الحراك".

وبعيدًا عن سخرية الساخرين، يطرح موضوع استحداث وزارة منتدبة كاملة للسينما في الجزائر، إشكالية كبرى، بالنظر إلى غياب شبه كلي للصناعة السينمائية التي تراجعت بشكل كارثي، منذ سنين طويلة، عندما ورثت دولة الاستقلال، ما يزيد عن 300 صالة للعرض السينمائي عن الاحتلال الفرنسي، وبدأت تتقلّص إلى أن أصبحت مهددة بالانقراض.

ولم تنجح المحاولات الكثيرة لإعادة الروح لصالات العرض، التي تواجه إشكالات قانونية، أهمّها أن ملكيتها تعود إلى السلطات المحلية، وكثير من رؤساء المجالس الشعبية البلدية، لهم نظرة سلبية عن النشاط السينمائي ويعتبرونه "ترفًا" ويقومون بكراء تلك الصلات، للأفراح والمهرجانات المختلفة، وبعضها تحوّلت إلى مراكز تجارية.

وبخصوص صناعة الأفلام في الجزائر، فهي لا تخضع لمنطق الربح والتجارة، ولا تنتظر سنتيمًا واحدًا من عائدات العرض، بالنظر إلى العدد القليل جدًا من صالات العرض، إضافة إلى العزوف الكلّي للمشاهد، وبعض الأفلام التي صرفت عليها الحكومة أموالًا طائلة من الخزينة العمومية، لا تجد من يشاهدها وتعرض في صالات شبه فارغة.

والغريب أنّ كثيرًا من تلك الأفلام التي قدّرت ميزانياتها بملايير السنتيمات، لا يسمع عنها الجمهور إلا في وسائل الإعلام، وبعضها لا يُرض حتى في التلفزيون العمومي ويذهب إلى الأرشيف بعض مشاركات محتشمة في مهرجانات دولية وإقليمية.

ولأن الحكومة، أقدمت على تخصيص وزارة لقطاع كان يُمكن أن يُختصر في مديرية بسيطة على مستوى وزارة الثقافة، كما كان عليه الأمر في السابق، فإن الأمر فتح نقاشًا من زاوية أخرى، عندما بدأ المشتغلون في حقول ثقافية أخرى، على الاحتجاج والتعبير عن "الشعور بالظلم".

ومن أغرب ما جاء في تعليقات البعض، أن الحكومة كان أولى بها أن تؤسّس على غرار الوزارة المنتدبة للسينما، وزارةً أخرى للمسرح، لأن "المسرح هو أبو الفنون" كما يقولون والمسارح منتشرة في مختلف المدن الكبيرة في البلاد، وأن الاستثمار فيه "أولى من الاستثمار في السينما".

ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحد؛ فالشعراء بدورهم كتب بعضهم أنهم يستحقون وزارة خاصّة بهم، لأن وزارات الثقافة المتعاقبة "تحتقرهم ولا تقيم لهم وزنًا" وهي تفضّل السينمائيين ورجال المسرح عليهم، وتمنحهم الامتيازات على حساب الشعراء، الذين لا يحتاج بعضهم إلا لطبع ديوانه وتوجيه دعوة للمشاركة في هذا الملتقى أو ذاك.

الكثير من الأفلام التي قدّرت ميزانياتها بملايير السنتيمات، لا يسمع عنها الجمهور إلا في وسائل الإعلام

يبدو الأمر أقرب إلى مسرح العبث، منه إلى النقاش الثقافي الحقيقي، وأن تنظر شيئًا من مثل تلك "الوزارات العجيبة" كأنك تنتظر غودو في مسرحية صموئيل بيكيت الشهيرة.

 
اقرأ/ي أيضًا: